الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

أحمد سعد يكتب: متى تكمل الجماعة نصف دينها؟ (1-2)

مشاركة:

عشر سنوات مرت على انقلاب الجنرال العسكري عبد الفتاح السيسي على حكم الإخوان وأول رئيس مدني لمصر، الشهيد، بإذن الله، الدكتور محمد مرسي أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين..

عقد كامل مر وحتى يومنا هذا لم تقدم الجماعة شهادتها عن تلك المرحلة، أو تكشف لمن انتخبوها ووضعوا ثقتهم فيها، الأسباب التي أدت إلى سقوط دولتهم بعد سنة واحدة فقط من الحكم!

سيقول الناس، إنه الانقلاب العسكري الذي لا يستطيع أحد الوقوف أمامه أو التصدي له.. أقول نعم هذا صحيح، وأنا أزيدهم من الشعر بيتا، بأن نية الانقلاب كانت مبيتة منذ اللحظة الأولى لثورة 25 يناير، سواء جاءت الثورة بالإخوان أو بغيرهم من المدنيين، وأن أي رئيس مدني كان سيصل لحكم مصر حتى وإن كان والده هو المشير طنطاوي شخصيا كانوا سينقلبون عليه وينكلون به، بل ويقتلونه كما قتلوا الدكتور مرسي.. لكن كل هذا لا يمنعنا من السؤال عن موقف جماعة الإخوان من الانقلاب.. هل توقعته؟

ولو توقعته فماذا فعلت لمقاومته وتفادي حدوثه؟ ولو لم تتوقعه؟ فما هي مبرراتها لعدم توقعه؟

ظني الشخصي أن الجماعة لم تتوقع الانقلاب، بل إنها رأت كما رأى كثيرون من أتباعها، أن الجيش يقف في ضهر سلطتهم، وأنه لن ينقلب على الحكم أبدا، باعتبار أن عصر الانقلابات قد ولى، وظني هذا ليس مبنيا على معلومات أعرفها، أو مستندات امتلكها، إنما يأتي من واقع رؤية وتحليل وتأملات شخصية تكونت عبر قراءة ومراقبة لمواقف وأسلوب ومنهج وفكر الإخوان كجماعة وليس كأفراد، وأقول جماعة وليس أفرادا، لأني أرفض الخلط بين مؤسسة الإخوان وسلوك وطباع أفرادها، ودائما ما أردد أن وجود فكرة التنظيم هو عمل عظيم يصعب استنساخها، ولا يجب أبدا أن نهيل التراب على عظمة الفكرة لمجرد اعتراضنا على سلوكيات خاصة لم تعجبنا من أفرادها، ولو أننا قبلنا تقييم الإخوان على أساس سلوكيات أفرادها، فلماذا لم نقبل تقييم مؤسسات الجيش والقضاء والشرطة وغيرها من مؤسسات الدولة بناء على سلوكيات أفرادها ممن أجرموا في حق الناس والبلد؟

لكن وإذا ما أردنا أن نحاسب الجماعة، فلنحاسبها على الأفكار والرؤى والقرارات العامة وليس تصرفات وطباع وسلوكيات أفرادها.. فأنا كنت ومازلت أؤكد على أن بقاء جماعة الإخوان واستمرارها في الحياة السياسية هو الضمانة الوحيدة لحدوث التحول السياسي المأمول، بنقل مصر من حقبة الحكم العسكري إلى الحكم المدني، وعقدي الأمل عليها  دون غيرها، مرجعه أنه لا يوجد لدينا في مصر لا الآن ولا في الأفق المنظور جماعة أو حزب سياسي أخر، يملك ما يملكه الإخوان من قوة بشرية، وقدرة على الحشد والتنظيم والتنفيذ وقت اللزوم، لكن وفي كل الأحوال يظل كل هذا مرهونا بالعلاج والخلاص من الأخطاء المتأصلة لدى الجماعة، والتي كانت سببا قويا ومباشرا في سقوطها الذريع والسريع جدا في تجربة الحكم، وهذه الأخطاء هي موضوع مقالنا.

أول وأكبر الأخطاء

أول خطيئة من خطايا جماعة الإخوان وقد يراها البعض ميزة، تمثلت في فلسفة اختيارها لأعضائها والمنتمين لها، خاصة الكوادر الذين تولوا فيما بعد مناصب قيادية أو الذين يتم إعدادهم ككوادر للمناصب مستقبلا، وإذا كانت الجماعة تستهدف فئات أخرى بالمجتمع، إلا أني أقصد الفئات التي يتم استهدافها لتكون كوادر قيادية وليس الأعضاء العاديين، وهي فلسفة تقوم منذ نشأة الجماعة على انتقاء الأشخاص المنضبطين سلوكيا، والملتزمين دينيا، والمتفوقين دراسيا، دون النظر لمهاراتهم الشخصية وخبراتهم الحياتية، والهدف كما هو مفهوم ومعروف، هو ضمان الطاعة العمياء للتنظيم وعدم الخروج عن الصف وتنفيذ ما يتم الإجماع عليه من قرارات دون جدال أو اعتراض أو سؤال، ومعلوم أن الشخص الملتزم دينيا والمتفوق علميا والذي دائما ما يكون صفر خبرات في الحياة، هو شخص يسهل تطويعه وتوجيهه ومن ثم الثقة به والاعتماد عليه، عكس غيره من المشاكسين والمشاغبين من أصحاب الخبرات والتجارب الحياتية الذين تمثل خبراتهم وتجاربهم قلقا للناس عموما ولجماعة الإخوان خصوصا، والاعتماد على الشباب المتفوق دراسيا يفسر لنا سر التفوق العلمي لأغلب أبناء الإخوان، ووانتشار الألقاب العلمية الرفيعة بين أفرادها، فقيادات الجماعة والصفوف التالية بالمناصب المختلفة دائما ما تجدهم بين عالم وأستاذ جامعي ودكتور ومهندس، وغيرها من الألقاب التي تميز مسئول جماعة الإخوان عن غيره بالجماعات السياسية الأخرى، لكن مثل هذه النوعية من الأشخاص تصلح أكثر للعمل الإصلاحي ولفتح البيوت وبناء الأسر الصالحة، وليس للسياسة التي نشأت من أجلها فكرة تكوين الجماعة، فالسياسة نجاسة كما وصفها الرئيس مرسي نقلا عن كمال الشاذلي، وهي مجال يتطلب صفات خاصة أغلبها أو كلها تقريبا بعيدة عن القيم الأخلاقية، مثل الخداع والكذب والمناورة وقلب الحقائق، وغيرها من السلوكيات الملتوية التي يستحيل أن تجدها في الشخص الملتزم دينيا والمستقيم أخلاقيا، بل إن الإخوان أنفسهم يفتخرون بأنها ليست موجودة بأبنائهم، وهذا وإن كان يمثل في ظاهره أمرا محمودا مستحبا، إلا أنه وفي ذات الوقت يمثل قصورا كبيرا في منهجية الاختيار، ويمثل أيضا نقصا في فهم مقصود الدين باعتبار أن الجماعية دينية بالأساس، فالدين يحث على التسلح بكل ما يتسلح به العدو في سبيل تحقيق الصالح العام وبما يخدم الدين والناس دون غدر أو خيانة عهد، والأمثلة هنا لا حصر لها، منها قوله تعالى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} والحديث الشريف الصحيح «الحرب خدعة»، وحديث «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» والمؤمن كيس فطن حذر، ومنها أيضا القول المأثور عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه «لست بالخب ولا الخب يخدعني»، وقول ابن المنيّر رحمه الله : «الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر» وغير ذلك من الأقوال التي توجب على المؤمن التحلي بكل الصفات التي تمكنه من الظفر في الحروب التي تخدم صالح الدين، أما الارتكان على الفضائل والأخلاق وحسن النية في غير موضعه ومع من لا يستحقه، فهذا أقرب إلى الجريمة في حق الدين منه إلى الفضيلة، ولنا في سيرة الصحابة والسلف الصالح ممن كان لهم خبرات حياتية كبيرة قبل دخولهم الإسلام المثل والعبرة، فالله سبحانه تعالى كان قادرا أن يجعل كل صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الأحبار والرهبان الذين اشتهروا بين الناس بالعلم وحسن الأخلاق، لكنه سبحانه وتعالى جعل أغلبهم من الكفار والصناديد وممن كانوا مسرفين على أنفسهم في الجاهلية، لكنهم وبعد الدخول في الإسلام حسن إسلامهم وأصبحوا من كبار الرموز الإسلامية وكان لهم الدور العظيم في نشر الإسلام بفضل خبراتهم المتراكمة قبل الإسلام وبعده..

الوسط السياسي، وسط ملوث، عديم الأخلاق بالأساس، يمكن للإخوان أن يزاحموا فيه عبر تكتلاتهم البشرية فقط وبالصندوق، وليس بأخلاقهم، أما أن سيادته وحكمه، فهذا يستوجب مسايرته ومجاراته، على الأقل لتفادي خطره، والحكمة تقول” على المرء أن يكون ثعلباً ليعى الفخاخ المنصوبة ” وهذا لا ولن يتحقق بالتركيبة التي عليها الفرد الإخواني الذي نعرفه، لأنه شخص مهذب معدوم التجارب الحياتية، بل إنه خجول  لدرجة أن وجهه يصطبغ بالحمرة عند سماع لفظ خارج أو عبارة نابية، فكيف لمثله أن يسود في وسط كهذا يضم الصعلوك والبلطجي والحشاش وصاحب السوابق؟!!

أستطيع الجزم بأن أخلاق الإخوان هي من سهلت مهمة الانقلابين وعلى رأسهم عبد الفتاح السيسي في خداع الرئيسي محمد مرسي، فالسيسي بحسه المخابراتي كرئيس سابق لجهاز المخابرات عرف أن مرسي يمكن خداعه بسهولة إذا ما تظاهر أمامه بالصفات التي يحبها مرسي كالتدين وأداء الصلاة على وقتها وغيرها من المظاهر الكاذبة التي ادعاها السيسي ودخل منها على مرسي، لكن ولحسن نية الدكتور مرسي بلعها ووثق فيه وسلم له نفسه والبلد، فكانت الكارثة.. ولو أن الدكتور مرسي كان لديه بجانب أخلاقه العالية وتدينه الشديد ومؤهلاته العلمية الرفيعة بعضا من تجارب الشارع، لاستطاع أن يفهم السيسي من الوهلة الأولى ولتغدى به قبل أن تعشى به!!

للأسف منهج الإخوان واحد منذ النشأة 1928 وحتى الآن، وقد تكرر وقوعهم في فخ العسكر مرتين، الأولى على يد جمال عبد الناصر 1954 في حادثة يعلمها كثيرون ولا مجال هنا لسردها الآن، والثانية على يد السيسي 2013.. وعلى الرغم من قسوة ووجع الدرس الأخير، إلا أني وبكل أسف أستطيع القول بل الجزم إن جماعة الإخوان جاهزة للوقوع في نفس الخطأ مرة ثالثة ورابعة وعاشرة وألف، إذا ما استمرت على نفس منهجها في اختيار أفرادها بانتقاء ابن الناس المتربي خريج الطب والهندسة فقط، وتجاهلت قرينه الذي لف ودار وتسكع وصهرته التجارب واكتسب خبرة حياتية واسعة وأصبح أجدر بالعمل السياسي من ذلك الشخص الأول على مدرسته وجامعته!!

وللحديث بقية بإذن الله.

Please follow and like us:
أحمد سعد
كاتب صحفي مصري
قناة جريدة الأمة على يوتيوب