
الأمة : أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، على لسان وزيره يسرائيل كاتس، في 12 نيسان/أبريل الجاري، ضم كامل مساحة محافظة رفح إلى ما أسماه “المنطقة الأمنية”، عقب عملية عسكرية نفذها داخل المحافظة. وقد أنشأ خلالها “محور موراغ”،
الذي يقسم جنوب القطاع بين لواء رفح وخان يونس، معتبرًا أن “هذه هي الفرصة الأخيرة لتفكيك حماس وإطلاق جميع الأسرى وإنهاء الحرب”.
وجاء هذا التطور الأمني-العسكري بالتزامن مع انطلاق جولة مفاوضات جديدة في مصر، تهدف للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقد فتح هذا التزامن باب التحليلات والتساؤلات حول ما إذا كان الاحتلال يسعى إلى تضييق خيارات المقاومة في شروط التفاوض، أو إلى خلق نصرٍ وهمي من خلال استئناف القتال، عقب فشله في تحقيق الأهداف المعلنة سابقًا.
ما المقصود بـ “المنطقة الأمنية”؟
يفسر أستاذ علم الاجتماع السياسي في الأردن، بدر الماضي، مفهوم المنطقة الأمنية في رفح بأنها “محاولة من الاحتلال الإسرائيلي للبحث عن حيز مكاني يضمن أمنه من حركات المقاومة في القطاع، مع ضمان عدم وجود أي طرف يمكنه تزويد المنطقة بالسلاح، بحيث تصبح إسرائيل هي الجهة الوحيدة المتواجدة فيها”.
من جانبه، يرى الخبير والمحلل العسكري الأردني قاصد محمود أن “إعلان رفح منطقةً أمنيةً يعني فرض السيطرة عليها من خلال محورين يحيطان بالمحافظة شمالًا وجنوبًا، إضافة إلى منطقة الغلاف الحدودي شرقًا والبحر غربًا،
وهو ما يجعلها مطوقة بالكامل وخاضعة للهيمنة العسكرية الإسرائيلية، وخالية من السكان تقريبًا، باستثناء نسبة ضئيلة جدًا”.
ويضيف محمود، في حديث مع ” وكالة قدس برس”، أن هذه المنطقة العازلة بين غزة ومصر تعني أن الخروج من القطاع، برًا أو بحرًا، لن يكون ممكنًا إلا عبر “إسرائيل”، ما ستكون له تبعات عسكرية مباشرة، إضافة إلى أزمة سكانية خانقة.
ويشير إلى أن “عدد سكان رفح الذي يتجاوز نصف مليون نسمة سيشكل ضغطًا كبيرًا على منطقة خان يونس، حيث ستبقى أقل من نصف مساحة قطاع غزة فقط متاحة للغزيين، خاصة مع الحصار المفروض على شمال القطاع عبر محور نتساريم”.
تبعات إعلان “المنطقة الأمنية”
يوضح قاصد محمود أن “سيطرة الاحتلال على رفح تمهد إما للتهجير، أو لإعادة إدارة القطاع بشكل غير مباشر من خلال إدارة مدنية يحددها الاحتلال، ما يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2005”.
ويضيف: “يرغب الاحتلال عبر هذا القرار بإلغاء انسحابه السابق من غزة، وقد يكون هذا جزءًا من مخطط أوسع يشمل ضم أراضٍ كما يجري حاليًا في الضفة الغربية”.
ويرى أن “المنطقة الأمنية” ستشكل تحديًا كبيرًا في مسار المفاوضات، لأن المقاومة لن تقبل بمثل هذه المنطقة العازلة، فضلًا عن الرفض المتوقع من الجانب المصري.
من جهته، يلفت أستاذ علم الاجتماع السياسي بدر الماضي إلى أن “الاحتلال يسعى من خلال هذه الخطوة إلى محاصرة القطاع من جميع الجهات، لتضييق خيارات المقاومة في المرحلة المقبلة، وفي شروط التفاوض بين الطرفين”، مضيفًا بأن “إسرائيل لم تعد تميل إلى الحفاظ على علاقات جغرافية مباشرة مع دول الجوار، مثل مصر”.
وفي حديثه لـ” وكالة قدس برس”، يشير الماضي إلى أن “حكومة الاحتلال تحاول تقليص الحيز الجغرافي المتاح لسكان قطاع غزة، ما ينذر بحياة معيشية صعبة وغير مستقرة، ومحاصرة القطاع من جميع الجهات، ليبقى البحر المنفذ الوحيد، ما يدفع باتجاه التهجير القسري نتيجة ضيق المساحة وتدهور الظروف المعيشية”.
فشل جديد للاحتلال..
يذهب الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد إلى أن “إعلان رفح منطقة أمنية يُعد مؤشراً على خفض الاحتلال لسقف أهدافه من العودة للقتال، بعد أن أدرك استحالة استعادة أسراه بالقوة، رغم مرور 25 يومًا على القتال”،
مضيفًا بأن “المستوى العسكري يحاول إقناع القيادة السياسية بتحقيق هدف رمزي على الأقل، يتمثل في توسيع المنطقة العازلة، حتى لا يبدو أن استئناف القتال تم دون نتيجة تُذكر”.
ويتفق قاصد محمود مع هذا الرأي، موضحًا أن “الاحتلال لم يكن عاجزًا عن تنفيذ هذه المنطقة الأمنية في وقت سابق، لكن غياب الأفق العسكري للقضاء على المقاومة أو استعادة الأسرى دفعه لتنفيذها الآن”، معتبرًا أن “الخطوة لا تشكل إنجازًا عسكريًا ذا قيمة، إلا إذا كانت مقدمة لإعادة تهويد القطاع”.
الموقف المصري من الخطوة الإسرائيلية..
يرى قاصد محمود أن “مصر تراهن على مبادرتها لوقف إطلاق النار في غزة، والتي يبدو أنها باتت تحظى بقبول أميركي”، مشددًا على أن “تعدي الاحتلال على رفح يُهدد الأمن القومي المصري بشكل واضح، ما يستدعي رد فعل مصري قوي تجاه هذه التطورات”.
أما نضال أبو زيد، فيؤكد أن “الجانب المصري يدرك جيدًا أن الاحتلال يحاول تحسين شروطه التفاوضية من خلال إعلان رفح منطقة آمنة، وأنه يستخدم الضغط العسكري للوصول إلى طاولة المفاوضات”، مرجحًا أن يواصل التركيز على تمرير مبادرته لإنهاء الحرب.