
كتاب (وَهم الطيبة) للكاتب أندريا ماثيوز
يأخذنا كتاب وهم الطيبة للكاتب أندريا ماثيوز في رحلة عميقة لاستكشاف المفاهيم الخاطئة التي تحيط بمفهوم الطيبة في مجتمعاتنا الحديثة، حيث نعيش في عالم يبدو فيه أن استنزافنا لأنفسنا في سبيل الآخرين هو دليل على أننا طيبون وأن كل ما هو عكس ذلك ينبع من نفس شريرة.
يفرض علينا المجتمع مجموعة من الواجبات والتزامات تجعلنا نشعر بالذنب في حال لم نلبّ تلك الطلبات، حتى وإن كان ذلك على حساب راحتنا ومصلحتنا الشخصية. تتجسد هذه الفكرة في أن الكثير من الناس يظنون أنه لا يوجد خيار أمامهم سوى تلبية مطالب محيطهم، فيصبحون أسرى لعادات وتقاليد تعيق تحسين الذات وتنمية المهارات الشخصية التي من شأنها أن تخلق للفرد حياة أكثر اتزاناً ورضاً. ولكن هل يجعلنا تلبية هذه المتطلبات نشعر حقاً بالتحرر والراحة؟ وهل يؤدي تحقيق الواجبات المفروضة على حساب أنفسنا إلى اعتبارنا أشخاصاً صالحين وجديرين بالتقدير؟
يطرح الكتاب تساؤلات عميقة حول مفهوم الطيبة الحقيقي، إذ أن تعريفها يختلف من فرد لآخر ومن ثقافة إلى أخرى، فكيف يمكننا قياس جدارتنا بناءً على معيار متحرك وغير ثابت؟ من خلال تقديم أمثلة مفيدة من خبرة الكاتب في مجال العلاج النفسي، يقودنا أندريا ماثيوز في رحلة نحو الشفاء من “وهم الطيبة” الذي غالباً ما يخفي خلفه مخاوفنا وضعفنا و”الإيغو” الذي يتحكم بصورتنا الذاتية. يدعونا الكتاب إلى الانتباه إلى الأدوات الكامنة في داخلنا، تلك القدرات التي تنتظر فقط أن نوجهها ونستمع إليها، لتكون المفتاح لتحقيق السلام الداخلي والعيش بصدق مع ذواتنا.
يركز النص على أن الاستسلام للشعور بالذنب الناتج عن عدم تلبية توقعات الآخرين قد يقودنا إلى نمط حياة غير صحي، حيث نتورط في دائرة مفرغة من الضغوط النفسية والاجتماعية تؤدي إلى استنزاف طاقتنا وتمنعنا من استثمار قدراتنا الحقيقية. يوضح ماثيوز أن تحقيق السعادة لا ينبع فقط من تقديم المساعدة للآخرين أو إنجاز المهام بدافع الواجب، بل يجب أن يكون ذلك مصحوباً بإدراك عميق للذات وبحث دائم عن الإشباع الحقيقي بعيداً عن الضغوط الخارجية. إذ يدعو الكتاب إلى إعادة النظر في مفهوم الطيبة، ليكون التطور الشخصي والنمو الذاتي هما الهدف الأساسي بدلاً من مجرد تحقيق رضا الآخرين على حساب راحتنا.
يشرح الكتاب كيف يمكن أن تكون طيبة القلب وهمًا يعيق الفرد عن تحقيق ذاته، حيث يستخدم البعض هذا الشعور كذريعة لتجاهل احتياجاتهم الشخصية، مما يؤدي إلى تراكم الضغوط والتوترات التي قد تتسبب في مشاكل صحية ونفسية خطيرة. وفي هذا السياق، يُبرز الكتاب أهمية تطوير التحليل النفسي الذاتي الذي يساعد الفرد على فهم دوافعه الحقيقية والتفريق بين ما يريده قلبه وما يفرضه عليه المجتمع. من خلال التعرف على نقاط القوة والضعف في شخصيته، يمكن للفرد أن يبدأ في بناء مسار جديد يُتيح له استعادة قوته الداخلية والتخلي عن الأفكار المسبقة التي تحول دون تحقيق السعادة الحقيقية.
علاوة على ذلك، يستعرض الكتاب تأثير “وهم الطيبة” على العلاقات الاجتماعية، حيث يُظهر أن الاستسلام المفرط للمتطلبات الاجتماعية قد يؤدي إلى تكوين علاقات قائمة على الاعتماد المفرط والخنوع، بدلاً من العلاقات المتوازنة القائمة على الاحترام المتبادل والتواصل الصادق. ينصح ماثيوز القارئ بأن يكون مستقلاً في تفكيره وأن يتعلم كيفية وضع حدود واضحة في علاقاته، مما يُسهم في تحسين نوعية الحياة الشخصية والمهنية. كما يؤكد الكتاب على أن الاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة هما مفتاح تحقيق تحسين الذات، وأن الطيبة الحقيقية لا تُقاس فقط بما يُقدّمه الفرد للآخرين، بل بما يستطيع أن يحققه لنفسه من نمو وتطور.
من خلال هذا المنظور، يُعد كتاب “وهم الطيبة” بمثابة دليل عملي لكل من يسعى إلى تحرير نفسه من قيود الأفكار المسبقة وتوقعات الآخرين، ليعيش حياة مليئة بالحرية والصدق الداخلي. يقدم الكتاب أمثلة واقعية وقصص نجاح لأشخاص تمكنوا من إعادة تعريف مفهوم الطيبة في حياتهم، مما جعلهم قادرين على تحقيق التوازن بين تقديم العون للآخرين والاعتناء بأنفسهم. إن إعادة النظر في مفهوم الطيبة تفتح آفاقاً جديدة للنمو الشخصي وتساعد الفرد على اكتشاف إمكانياته الخفية التي قد تُحدث فارقاً كبيراً في مسار حياته.