السفير معصوم مرزوق يكتب: رقص أم حنجلة دبلوماسية

يقال في موروثنا الشعبي أن «أول الرقص حنجلة»، في إشارة للطريقة التي يمشي بها طائر الحجل، والتي تبدو متعثرة أو راقصة.
ويضرب المثل كإشارة لتحرك متدرج في مسعي معين، كما يضرب به المثل كذلك لادعاء رقص وهو ليس إلا حنجلة، أي أن المسار لا يصل إلى غايته بالتدرج، وإنما هو أشبه بالاصطلاح العسكري: «محلك سر».
ما يلي كتبته يوم 10 نوفمبر، عشية انعقاد مؤتمر القمة العربي الإسلامي، حيث كان تحديد تاريخ انعقاد القمة العربية والإسلامية يوم 11 نوفمبر 2023 مثار تعليقات عديدة كان أبرزها من رأي أن اختيار موعد انعقاد هذه القمة بعد أربعين يوما من معركة غزة، يعد متأخرا لا يحمل صفة العجلة أو الاستثناء، وأنه لذلك ليس إلا اتفاق مسبق مع واشنطن وتل أبيب، تم حسابه كي يتفق الموعد تقريبا مع تاريخ انتهاء العملية البرية وتحقيق أغلب أهدافها.
وحيث أن كاتب هذه السطور لا يميل كثيرا إلى نظريات المؤامرة، رغم انطباقها بأسماء أخري أكثر احتراما، مثل التحالفات أو الاتفاقات السرية، فأنه يمكن أن نتخيل اتفاقا بين الأطراف علي أن يتم السماح بإبداء كل أشكال الإدانة والاعتراض، بل وربما اتخاذ بعض الإجراءات (مثل سحب السفراء أو استدعائهم للتشاور)، مع إرخاء الخيط الزمني لموعد انعقاد القمة كي تتم وفق المخطط العسكري الصهيوني الزمني.
لو صح ذلك، لن تكون مشكلة القمة المطالبة بوقف إطلاق النار، لأنه سيكون قد أصبح واقعا قائما، أو الإصرار علي فتح المعابر وتقديم المساعدات، لأن إسرائيل ستكون أشد حرصا على ذلك لغسيل صورتها أمام الرأي العام الدولي.
وهكذا يمكن فهم حرص واشنطن وتل أبيب على تحذير إيران وحزب الله من توسيع نطاق العمليات العسكرية الجارية، دون أن تشير كذلك إلى دول عربية ولو من باب سد الذرائع وإخفاء التفاهمات السرية، بما يعني الثقة في عدم وجود طرف عربي رسمي يضع ذلك ضمن اختياراته.
وليس لدينا ما يؤكد أو ينفي الافتراضات السابقة، فكل الاتصالات كانت تتم خفية أو سرا، إلا تلك التي كانت تتم بين واشنطن وغيرها من العواصم الغربية مع تل أبيب، وما رشح عنها لا يخفي الدعم المطلق للخطة الإسرائيلية المعلنة وهي تدمير حماس واستعادة الرهائن بعمل عسكري يشمل هجوم بري، مع إجراء ترانسفير لسكان غزة وربما الضفة الغربية ولو بعد حين، وهذا الإجراء الأخير يعد مشروع اليمين الإسرائيلي المتجدد.
ومن الثابت أن مصر أعلنت موقفها بوضوح، وتشددت في رفض التهجير «القسري» إلي سيناء، وقد كان ذلك موقفا محمودا، وإن لزم التنبيه أن مجرد نقل السكان في أرض محتلة من مكان إلي مكان يعد في ذاته جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، ومن ناحية أخري فأن شكل التهجير لا يهم، سواء أكان قسريا أو طوعيا فيما يتعلق بسيناء، لأن إسرائيل يمكنها أن تجعل التهجير يبدو طوعيا لسكان ضاقت بهم سبل الحياة في منطقة ضربها زلزال متوحش، وحينذاك سيتم رفع اتفاقية اللاجئين للعام 1951 والتذكير بأن مصر أحد أطرافها وعليها التزامات حيال وقائع اللجوء وأشخاصه بغض النظر عن مدي قانونية دخول اللاجئين إلي البلاد.
وفي تقديري، أيا ما كان شكل التهجير المتوقع إلى سيناء، فأنه لو أقدمت عليه إسرائيل أو ساعدت علي تحقيقه، فأنها تكون بذلك قد انتهكت التزاماتها في اتفاقية السلام مع مصر، بما يعطي لمصر الحق في التحلل من التزاماتها أيضا، وربما العودة بالصراع إلي المربع الأول مرة أخرى. واظن أن ذلك خطر قد تتحسب إسرائيل لعواقبه، أو ينبهها شركاؤها في المذبحة الحالية.
لقد كان وزير الخارجية الأردني أكثر وضوحا حين صرح أن الترانسفير يعني إعلان الحرب على الأردن، أي إنهاء لاتفاق السلام، والعودة لحالة الحرب.
وإذا كانت مرحلة جديدة من التفاوض قادمة في أغلب التوقعات، فأنه يجدر التنبيه إلي أن التفاوض قد يكون خشنا (باستخدام القوة المسلحة أو فرض حصار أو عقوبات اقتصادية)، وقد يكون ناعما (من خلال محاولة التوصل إلي نقاط توافق بين المتنازعين، وهي تلك النقاط التي يعلم كل طرف أنه لا يستطيع التراجع خلفا قيد أنملة، ويري فيها الطرفان أنها في أسوأ الأحوال تحقق الحد الأدنى من مطالبهما).
إلا أن مشكلة التفاوض الناعم في حالتنا معقدة، بداية من الاتفاق على من سوف يجلس حول المائدة، والأجندة المتفق عليها، وترتيب تناول الموضوعات، والتوقيتات الحاكمة، والأطراف الضامنة، وأوراق العمل الابتدائية التي سيتم طرحها في البداية.. إلخ.
من الواضح مثلا، أن إسرائيل وعددا لا يستهان به من الأطراف العربية قد لا يجدون مقعدا للمقاومة علي هذه المائدة، رغم أنها طرف اصيل في الواقع علي الأرض، وسوف يبدو الرفض منطقيا علي أساس أن حضور المقاومة يعني الاعتراف بشرعيتها، وهي غير معترف بها كوجود أو حتي كبديل من بعض الأطراف العربية الهامة، كما أن حضورها يعني مباشرة انتقاصا من شرعية سلطة الحكم الذاتي في رام الله، وأنه سيكون لها بطبيعة الحال حق الاعتراض أو ما يمكن تسميته بالصوت المعطل، ومن ناحية أخري سيكون لها مصلحة في فشل المفاوضات لأن ذلك سيؤكد صحة موقفها في اختيار التفاوض الخشن.
إلا أن إغفال وجود المقاومة في المرحلة التالية لصمت المدافع، يمكن أيضا أن يكون ورقة تفاوضية هامة للسلطة الفلسطينية تضغط بها للحصول على نتائج أفضل أو التهديد بالانسحاب وترك الساحة للخيار الثاني (المقاومة).
ومن البديهي أنه حتى بافتراض الهزيمة الكاملة لخيار المقاومة في المعركة الجارية الآن (وهو أمر مشكوك فيه)، فسوف يظل تمثيلها السياسي فعالا بدعم من بعض القوي الإقليمية في المنطقة، بما يعني أن إعادة بناء قدراتها العسكرية مرة أخري لن تكون إلا مسألة وقت.
تري ما الذي سوف تتمخض عنه القمة العربية الإسلامية التي سوف تجمع قادة 57 دولة علي الأقل، يمثلون وحدهم وكذلك ببعض تحالفاتهم نسبة حاسمة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة خاصة إذا تم ضم قمة عربية أفريقية في قادم الأيام.
يتبع المقال التالي (2. آفاق التفاوض الممكنة).