تقاريرسلايدر

لماذا يطالب ترمب بتهجير أهل غزة؟وهل ينجح؟ أم أن تصريحاته فقاعة هواء لإنقاذ سمعة إسرائيل؟

دائما ما يُظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تصريحاته على أنها أوامر غير قابلة للنقاش أو التفاوض، وأن تنفيذها لا محالة وكأنه أمر إلهي، وهو ما يتسق مع شخصية ترمب التي تحب الظهور الإعلامي، وإثارة الجدل، وإظهار قدراته وكأنها قدرات خارقة، بما يمتلكه من علاقات وقدرة على عقد الصفقات، الأمر الذي يحسن استغلاله خاصة في ملف الشرق الأوسط، نتيجة علاقاته ببعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر والأردن.

هذه السردية، دائما ما تلقي بظلالها على القضية الفلسطينية، ودعم ترمب لمخطط تهجير الفلسطينيين لمصر والأردن، ومن بينهم أهل غزة الذين شملتهم تصريحاته بأنه بحث مع الرئيس المصري والعاهل الأردني، نقلهم وتهجيرهم بعيدا عن قطاع غزة، بعد ساعات قليلة من عودة أهالي غزة لشمال القطاع، إبان وقف إطلاق النار ضمن المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى.

تطير عرقي

وأكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على اقتراحه بـ “تطهير” غزة عن طريق نقل الفلسطينيين الذين يعيشون هناك إلى الأردن ومصر، وهي خطة أثارت فزع بعض الحلفاء ولكن سرعان ما تبناها اليمين المتشدد في إسرائيل.

وبعد أن طرح الفكرة لأول مرة، السبت، قال، الاثنين، عن سكان غزة: “أود أن أجعلهم يعيشون في منطقة حيث يمكنهم العيش دون اضطراب وثورة وعنف كثيرًا”، ولم يحدد ما إذا كانت هذه الهجرة ستكون طوعية، ووفقاً للأمم المتحدة، فإن التهجير القسري للمدنيين “يمكن أن يشكل جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية”.

وأضاف ترامب، أمس الاثنين: “أعتقد أنه يمكنك جعل الناس يعيشون في مناطق أكثر أمانًا وربما أفضل كثيرًا وربما أكثر راحة”، ورغم عدم صدور أي رد من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلا أن الفكرة لقيت استحسان السياسيين الإسرائيليين من اليمين المتشدد.

ترحيب إسرائيلي

وعلى الفور أبدت القيادات الإسرائيلية ترحيبا بمقترح ترمب، وقال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، الذي يقود الحزب الصهيوني الديني، إن ترامب أقر بأن غزة هي “أرض خصبة للإرهاب”، و”ليس هناك شك في أن تشجيع الهجرة على المدى الطويل هو الحل الوحيد الذي سيجلب السلام والاستقرار” لسكان إسرائيل وتخفيف معاناة السكان العرب في غزة.

وأضاف سموتريتش، الذي يشغل أيضا منصبا وزاريا في وزارة الدفاع، إنه يعمل على خطة لتنفيذ رؤية ترامب، وقال: “عندما يريد (ترامب) شيئا، فإنه يحدث”، ويدعو سموتريش إلى ما يسميه “الهجرة الطوعية لعرب غزة إلى دول العالم” منذ عام 2023.

لكن فكرة التهجير، سواء كانت طوعية أو غير ذلك، مروعة بالنسبة للأردن ومصر ومن المرجح أن تكون مثيرة للقلق بالنسبة للحلفاء العرب الآخرين للولايات المتحدة، مما يهدد عقوداً من الإجماع الدولي حول حق الفلسطينيين في وطنهم، وقال أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، الأحد: “الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين.. رفضنا للترحيل ثابت وغير قابل للتغيير”.

وقال ترامب إن ترحيل الفلسطينيين قد يكون مؤقتًا أو “طويل الأمد”، لكن المنتقدين العرب يزعمون أن إسرائيل لم تسمح للفلسطينيين مطلقًا بالعودة إلى الأراضي بمجرد إزالتها، ولم تفكر مصر ولا الأردن في أن تكونا طرفا في تكرار “النكبة” الفلسطينية في عام 1948، فقد أُجبر ما يقرب من 700 ألف فلسطيني على ترك منازلهم عندما ولدت دولة إسرائيل، والتكرار الثاني سيكون بمثابة التغاضي عن التطهير العرقي ودعمه.

وكما تأمل الدنمارك أن يتخلى ترامب عن أفكاره بشأن سيطرة الولايات المتحدة على غرينلاند، فإن الدول العربية المعتدلة ستصلي من أجل أن ينسى الرئيس الأمريكي نقل سكان غزة.

ولم تغب المقارنة عن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي قال في مقابلة مع سكاي نيوز، الثلاثاء، إن “فلسطين لا يمكن حذفها ولا يمكن طرد الفلسطينيين.. اقتراحي: بدلاً من الفلسطينيين، حاولوا طرد الإسرائيليين إلى غرينلاند.. خذهم إلى غرينلاند حتى تتمكن من اصطياد عصفورين بحجر واحد”.

فقاعة هواء

وتعليقا على تصريحات ترمب، يرى المحلل السياسي محمد الليثي، أن تصريحات الرئيس الأمريكي أشبه بفقاعة هواء لحفظ ماء وجه إسرائيل، بعد مشاهد العودة التي سطرتها الأهالي في غزة في لوحة سريالية، استفز إسرائيل، ونال من سمعة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، موضحا أن هذه التصريحات في واد والواقع على الأرض بقطاع غزة في واد أخر.

وعن مدى إمكانية تحقيق رؤية ترمب، يرى الليثي، أن مسألة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لن تحدث، لطالما رفض الأهالي هذا المخطط، وتمسكوا بالأرض، موضحا أن غزة تعرضت للتدمير وقتل عشرات الآلاف، وتدمير الحجر والبشر، طوال 16شهرا، لتنفيذ مخطط التهجير بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، ومع ذلك فشلت إسرائيل بجحافلها العسكرية في تنفيذ مخطط الجنرالات، وتفريغ القطاع من الأهالي، وفصل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه.

وأكد الليثي، أن إسرائيل لم تستطيع فعل أكثر مما فعلت، بالدعم الأمريكي المفتوح، سواء كان عسكريا عن تزويدها بالقنابل الذكية، والطائرات المقاتلة الشبحية إف 35، فضلا عن 20 مليار دولار دعم مالي لإسرائيل، ومع ذلك فشلت الدولتان في القضاء على المقاومة أو كسر شوكتها، كما فشلت في تهجير الأهالي، وإحباط محاولة إعادتهم لشمال القطاع، رغم الخنادق والمتفجرات والألغام وعملية الإبادة الكاملة التي تمت في غزة.

ولفت إلى أن ⁠تناغم تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع ترامب، تأتي في إطار “ترهيب الوسطاء للضغط على المقاومة بحجة تثبيت الفلسطينيين في أرضهم لتقديم تنازلات في مفاوضات المرحلة الثانية”.

فيما قال الصحفي الإسرائيلي، آموس هاريل في صحيفة هآرتس، إنه فيما يتعلق بالمسار الذي ستسلكه الأمور في المرحلة الأولى من الاتفاق ستتحول إلى أجزاء أكثر تعقيداً من المرحلتين الثانية والثالثة، حيث أكد أن: “حماس قدمت تنازلاً تكتيكياً لاستكمال مكسب استراتيجي”، وهو يشير إلى هذا الأسبوع، “ألا وهو عودة سكان غزة إلى شمال القطاع.

وأضاف، “بمجرد عودتهم إلى مجتمعاتهم المدمرة، سيكون من الصعب على إسرائيل استئناف الحرب وإجلائهم مرة أخرى من المناطق التي يريد الجيش احتلالها، حتى لو انهار اتفاق وقف إطلاق النار في نهاية الأسابيع الستة التي تعطل مرحلته الأولى”.

من ناحية أخرى، قال نبيه بولس رئيس مكتب الشرق الأوسط في صحيفة “لوس أنجلوس تايمز”: حسنًا، الحقيقة هي أن نتنياهو كان يعتمد منذ فترة طويلة على تساهل دونالد ترامب أو ربما دعمه عندما يتعلق الأمر بالسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. لذا أعني أن جزءًا من حساباته ربما يتلخص في أن ترامب سيدعم بالفعل أي تحرك يقوم به عندما يتعلق الأمر بغزة، وخاصة في ضوء تعليقاته الأخيرة حول تطهيرها (غزة) وما إلى ذلك.

وأضاف: “لكن بمعنى أكثر عملية، بالطبع سيكون من الصعب للغاية إخراج الناس مرة أخرى الآن بعد عودتهم. أعني، نحن نتحدث عن مئات الآلاف الذين عادوا وبدأوا بالفعل في إقامة مخيمات في أجزاء مختلفة من شمال قطاع غزة. وهكذا مرة أخرى، أعني، من الواضح أنه سيكون هناك ضغط دولي من أطراف أخرى غير الولايات المتحدة، ولكن أيضًا من الجيران العرب والأشخاص الذين.. أو يجب أن أقول الأطراف التي من المتوقع أن تتعاون مع إسرائيل في أي تنفيذ مستقبلي لوقف إطلاق النار أيضًا، لأنه يجب ملاحظة أن إسرائيل تحتاج، على ما أعتقد، إلى دول عربية أو دول أخرى وأطراف أخرى للمساعدة في إعادة إعمار غزة في نهاية المطاف”.

السعودية والإمارات

يبدو من المرجح أن تجتمع الأردن ومصر مع حلفائهما في الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في محاولة لتشكيل جبهة موحدة، وحتى الآن، ظل السعوديون والإماراتيون صامتين علناً بشأن خطة ترامب، كما لم يقل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني شيئًا عن مكالمته مع ترامب، السبت، لكن الديوان الأردني أصدر بوضوح قراءة لمكالمته، الاثنين، مع وزير الخارجية الجديد، ماركو روبيو، والتي ربما كانت محاولة للحد من الأضرار.

وذكر البيان أنهما بحثا سبل “تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين… وسبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة، فضلا عن الحرص على مواصلة التنسيق والتشاور بشأن مختلف القضايا”.

وكان الرد من القاهرة أكثر إثارة للحيرة، إذ نفى مسؤول مصري رفيع أن يكون الرئيس عبدالفتاح السيسي قد تحدث مع ترامب، رغم تأكيد الأخير الاثنين أنهما تحدثا، ورفض ترامب الإفصاح بشكل مباشر عما إذا كان للرئيس المصري رأي بشأن استقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين، وقال ترامب إنه “في جزء صعب للغاية من العالم، لأكون صادقًا، كما يقولون، إنها منطقة صعبة، لكنني أعتقد أنه قادر على فعل ذلك”.

وأضاف المسؤول المصري أن القراءات بين الرئيس المصري ورؤساء الدول يتم نشرها عند حدوثها، ولم تعلق الرئاسة المصرية نفسها على أي مكالمة ولم يصدر البيت الأبيض قراءات، ويبدو أيضًا أن ترامب قد أشار إلى الاعتقاد السائد بين بعض الإسرائيليين بأن غزة ليست أرضًا فلسطينية حقًا على أي حال.

وقال، الاثنين: “كما تعلمون، عندما تنظرون إلى قطاع غزة، تجدونه جحيما لسنوات عديدة، ويبدو أن الحضارات المختلفة بدأت هنا، وبدأت قبل آلاف السنين”، ويتناسب هذا تماماً مع وجهة نظر أشخاص مثل وزير الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إيتامار بن غفير، الذي يقود حزب القوة اليهودية.

ومن شأن تصريحات ترامب أيضًا أن تشجع الفكرة بين بعض الجماعات اليمينية الإسرائيلية مثل نشالا، والتي مفادها أنه يجب على إسرائيل إنشاء مستوطنات في غزة.

وقالت دانييلا فايس عرابة الاستيطان في إسرائيل، التي تقود نشالا، لشبكة CNN العام الماضي: “ولا عربي، أنا أتحدث عن أكثر من مليوني عربي، لن يبقوا هناك/ نحن اليهود سنكون في غزة”.

المساعدات الخارجية كوسيلة ضغط محتملة

بعد عام من الاضطرابات التحويلية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، فإن مجرد فكرة احتمال نقل ملايين الفلسطينيين من منازلهم قد تشكل مصدراً لمزيد من عدم الاستقرار، وقال السيسي في وقت سابق إن استقبال سكان غزة سيهدد اتفاق السلام المصري مع إسرائيل بسبب خطر استئناف بعضهم قتال الدولة اليهودية من داخل حدود بلاده.

والخطر وجودي بالنسبة للأردن الذي يستضيف أكثر من مليون لاجئ من الدول المجاورة بالإضافة إلى حوالي 2.4 مليون لاجئ فلسطيني مسجل، والواقع أن أكثر من نصف سكانها ينحدرون من أصل فلسطيني، وستتغير ديمغرافيتها بفعل تدفق آخر.

لكن شبكة سي إن إن الأمريكية ترى أن الأردن لا يستطيع أن يرفض فكرة ترامب تماماً، فالدولة ذات الموارد القليلة، بلغ عجز ميزانيتها لعام 2023 5.1% من ناتجها الاقتصادي، وخمس قوتها العاملة عاطلون عن العمل، وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية وهي ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية في الشرق الأوسط بعد إسرائيل، حيث تم تسليمها أكثر من 1.7 مليار دولار في عام 2023.

وأشارت إلى تحرك ترامب بالفعل لوضع المساعدات الخارجية والتعريفات الجمركية في قلب السياسة الخارجية التي كانت مبادئها الأولى أكثر عصاً من الجزرة، ولن يضيع ذلك على الحكومتين الأردنية والمصرية الواقعتين الآن في مرمى النيران، وتعد مصر ثالث أكبر متلق للمساعدات الأمريكية في المنطقة، حيث تم تسليمها 1.5 مليار دولار في عام 2023.

وقال ترامب عن السيسي، الاثنين، في إشارة إلى سكان غزة: “أتمنى أن يأخذ بعضًا منهم.. نحن نساعدهم كثيرًا، وأنا متأكد من أنه يستطيع مساعدتنا، فهو صديق لي”.

وإذا أصر ترامب على الفكرة، فإن احتمال توسيع اتفاقيات إبراهيم لتشمل التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ــ وهو محور سياسته في الشرق الأوسط ــ سيتعرض للخطر أيضا. وفي حين أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يتمتع بعلاقات شخصية وثيقة مع ترامب، فقد أوضح مرارا وتكرارا أن التطبيع مرتبط بمسار يؤدي إلى دولة فلسطينية، وإخلاء غزة لن يتناسب مع هذه الأولوية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights