حاز القارئ بركة الله سليم جوائز في مسابقات دولية، وهو الأفغاني الوحيد الذي تتلمذ على يد القراء المصريين المعروفين مثل محمود خليل الحصري (1980) وأبو العينين شعيشع (2011) وكان صديقا مقربا لصاحب الحنجرة الذهبية الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.
ولد القارئ بركة الله سليم عام 1950 في مديرية «هسكه مينه» بولاية ننغرهار شرقي أفغانستان، وفقد بصره في الشهر الرابع من ولادته، ولجأ في السنة الخامسة إلى كتاتيب حفظ القرآن الكريم وأكمل حفظه كاملا وكان عمره 9 سنوات، إضافة إلى دراسة علم التجويد على يد والده المولوي كلا جان والذي كان من أبرز العلماء في خمسينيات القرن الماضي.
يقول الدكتور عبد الخبير كاكر الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة كابل للجزيرة نت “أدرك أبوه أن ابنه يتمتع بذاكرة قوية، لذا قرر إرساله إلى مدرسة تحفيظ القرآن الكريم. والحقيقة لم يكن أمامه خيار آخر لأن بركة الله فقد بصره مبكرا وعندما أكمل حفظ القرآن لمع نجمه في مسقط رأسه”.
رحلة إتقان القراءات
بعدها توجه إلى العاصمة المصرية القاهرة، ودرس على كوكبة من القراء المصريين ومنهم المشاهير الشيخ محمود خليل الحصري، وأبو العينين شعيشع أواخر عقد الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، وكان من الأفغان الأوائل الذين أتقنوا “قراءات القرآن” وهذه كانت تعتبر سابقة خارج العالم العربي.
يقول القارئ بركة الله سليم للجزيرة نت “توجهت إلى مصر بمساندة مالية من رجل أعمال كان يرسل الطلبة إلى مصر لدراسة القرآن الكريم، حالفني الحظ وذهبت عام 1964 إلى القاهرة وهناك التقيت أفضل القراء، ومنهم الشيخ محمود خليل الحصري، وأنهيت هذه المرحلة في غضون 6 سنوات وتعلمت القراءات العشر”.
تمكن القارئ سليم من وضع أسس جديدة على غرار المدرسة المصرية في تحفيظ القرآن الكريم وطريقته كانت مغايرة لتلك الموجودة في أفغانستان وباكستان.
يقول الشيخ عبد الرحمن صميم، أستاذ الدراسات الاسلامية في جامعة ننغرهار، للجزيرة نت “مدارس تحفيظ القرآن في أفغانستان تنتهج النموذج الديوبندي (نسبة إلى جامعة إسلامية تُسمى دار العلوم ديوبند أسست عام 1867 في مدينة ديوبند) وتهتم برواية واحدة فقط، ولكن بركة الله تمكّن بفضل ذاكرته القوية من تجويد 14 رواية وأسس مدرسة خاصة به على غرار المدرسة المصرية، وحتى الآن لم يتمكن أحد غيره من إجادة القراءات القرآنية” بنفس المستوى.
وإثر عودة القارئ بركة الله سليم إلى أفغانستان عام 1970 بدأت مسيرته العلمية والعملية والإعلامية في إذاعة كابل، وبدأ الأفغان يستمعون له في القناة والإذاعة الحكومية وعين أستاذا في أشهر دار لتحفيظ القرآن بالعاصمة كابل، والآن يترأس جمعية قراء أفغانستان ونال درجة الأستاذية في تحفيظ القرآن وتجويده.
يقول سليم للجزيرة نت “بعد عودتي من مصر بدأت العمل في إذاعة كابل، في عام 1987 عندما أسست القناة الحكومية فشاركت في حفل افتتاحها بتلاوة القرآن الكريم في عهد رئيس الوزراء الراحل محمد داود خان”.
شيخ القُرّاء
بركة الله سليم، معروف بأنه شيخ القراء الأفغان، وقد تخرج من مدرسته خلال 52 عاما أكثر من 800 حافظ للقرآن الكريم والآن يزاولون مهنة التدريس والإمامة داخل أفغانستان وخارجها، وحصل القارئ سليم على المرتبة الأولى في 10 مسابقات دولية للقرآن الكريم حتى صار عضوَ لجان تحكيم فيها لاحقا، وسجل القرآن بقراءاته الـ14، وهو أمر نادر في أفغانستان.
وفي عام 1990، أسس جمعية لقراء أفغانستان وظل يترأسها سنواتٍ طويلة. وما يميز حياة القارئ بركة الله سليم أنه فضل البقاء في كابل خلال العقود الخمسة الماضية ولم يغادرها ليعاصر 7 عهود سياسية شهدتها العاصمة الأفغانية، حيث ظل منشغلا بخدمة القرآن الكريم وتعليمه وتدريس العلوم الشرعية في جامعاتها، ويقول إنه سعى أن يظل بعيدا عن أي تجاذبات سياسية.
قام القارئ بركة الله سليم قبل سنوات قليلة ماضية من تسجيل القرآن على القراءات القرآنية الـ14 لبثها على القناة الحكومية ومنصة يوتيوب، ويشرف على 86 مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم في العاصمة كابل ولديه 13 مؤلفا بعضها يدرس ضمن المناهج الدراسية في المدارس والجامعات الحكومية.
ورغم انتشار مراكز تحفيظ القرآن الكريم في عموم أفغانستان فإن البلد يواجه نقصا في القراء وخاصة الذين يجيدون القراءات القرآنية السبع أو الـ14.
يقول القارئ بركة الله سليم للجزيرة نت “مع أن عدد حفّاظ القرآن الكريم في أفغانستان يفوق أي بلد آخر فإنها تعاني نقص القراء والسبب الرئيسي هو أن تجويد القرآن بقراءاته السبع يحتاج إلى فترة زمنية ونفَس طويل وهذا ما لا نجده في هذا الزمان”.
وتعرض القارئ بركة الله سليم خلال مسيرته العلمية لمشاكل وتحديات كبرى حيث سجن بسبب عدم تأييده مواقف الحكومات السابقة والاكتفاء بتدريس القرآن، وعن هذا يقول الشيخ عبد الله أواب للجزيرة نت، أستاذ التجويد في مدرسة تحفيظ القران، “سجن القارئ بركة الله سليم لفترة قصيرة جدا ولكنه يفضل ألا يتحدث عن تجربة السجن لأنه لا يريد الخوض في الأمور السياسية”.