الأمة : لا يكاد يمر يوم إلا ويتعرض ريف نابلس الجنوبي الذي يضم نحو 30 تجمعا سكانيا مأهولا، ما بين بلدة وقرية، وعددا كبيرا من التجمعات البدوية والخِرب، ويعيش فيه نحو 180 ألف نسمة، لهجمات دموية من عصابات المستوطنين المتطرفين.
الذين يقطنون قمم الجبال، وينفذون مخططا ممنهجا يهدف إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي ودفع أهلها للرحيل والهجرة، في محاكاة للفترة التي سبقت وتزامنت مع النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948، والتي يحيي الفلسطينيون اليوم ذكراها الـ 76.
فخلال الساعات الـ24 الماضية، هاجم مستوطنون مسلحون بحماية قوات الاحتلال، مناطق في (دوما وقصرة وقريوت وجالود وقريوت)، وأحرقوا مركبات واعتدوا على المزارعين.
وهددوا الرعاة من البدو الرُحل بقتلهم واطلاق النار عليهم وقتل مواشيهم أو مصادرتها، حال أصروا على الرعي في المناطق السهلية شبه الغورية، بحجة أنها مناطق مصنفة “ج” وفق اتفاق أوسلو، وتخضع لسيطرة الاحتلال كليا.
جاء هذا بعد أيام قليلة، على حرق منزل مأهول وقطع اسلاك الشبكة الكهربائية وشبكة الاتصالات في تلك المناطق، بالتزامن مع تجريف أراضٍ لصالح توسيع بؤرة استيطانية، وهو ما يندرج تحت مسلسل استهداف ريف نابلس الجنوبي.
ويقول الناشط في مقاومة الاستيطان فؤاد حسن لـ”وكالة قدس برس”: إن معظم سكان تلك المستوطنات والبؤر من المتطرفين من جماعات “تدفيع الثمن” الذين يعتدون على المواطنين بشكل دائم.
لافتا إلى أن قرية جالود على سبيل المثال تحاصرها عشر مستوطنات ومعسكرات للجيش، بينها أربع بؤر استيطانية يسكنها غلاة المستوطنين على أراضي القرية التي لا يزيد عدد سكانها عن ألف وثلاثمئة نسمة فقط، وقد صادر الاحتلال أكثر من 85 في المائة من مساحتها البالغة 20 ألف دونم، وحرم الفلسطينيين منها، وقدمها على طبق من ذهب للاستيطان.
الإستيطان يتوغل في محافظة نابلس
ويشير الناشط فؤاد حسن إلى أن الاحتلال التفت مبكراً للاستيطان في محافظة نابلس بعد احتلال الضفة عام 1967، واعتبر أن الاستيطان فيها يجب أن يشكل حزاماً استيطانياً حامياً لسيطرة الاحتلال على منطقة الأغوار.
كما أن النشاط الاستيطاني والعمل على بناء المستوطنات في المحافظة كان في النصف الثاني من سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وعندما خفتت وتيرة بناء المستوطنات في بدايات تسعينيات القرن الماضي، توجه الاحتلال لإنشاء عدد كبير من البؤر الاستيطانية التي ضمنت له السيطرة على مزيد من الأرض.
ويؤكد الناشط في مقاومة الاستيطان معمر القريوتي لـ”وكالة قدس برس” أنه بعد اندلاع الانتفاضة الثانية نهاية عام 2000، وضعت حكومات الاحتلال المتعاقبة خططاً للسيطرة على قمم الجبال الممتدة من جنوب نابلس وصولاً إلى مشارف مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة.
من خلال تعزيز الوجود الاستيطاني عدداً ومساحة، نظراً للموقع الاستراتيجي المهم لتلك المنطقة، بهدف فصل شمال الضفة الغربية عن وسطها، وتحويلها إلى “كانتونات” منعزلة في وقت ترتبط فيه المستوطنات والبؤر الاستيطانية بشبكة من الطرقات على حساب الأراضي الزراعية الفلسطينية.
ووفق الاحصائيات، فإن هناك عشرين مستوطنة وثلاثين بؤرة استيطانية في محافظة نابلس، معظمها في الريف الجنوبي، تضم نحو أربعين ألف مستوطن.
بدءاً من مستوطنة “براخا” المطلة على نابلس من جبله الجنوبي “جرزيم”، و”يتسهار” المقامة على أراضي حوارة وبورين ومادما وعصيرة القبلية، و”إيتمار” المقامة على أراضي عورتا وحوارة و”أودلا”،
بالإضافة إلى “رحاليم” و”مجدوليم” و”شيفوت راحيل” المقامة على أراضي قبلان وقريوت وقصرة وجالود ومجدل بني فاضل وعقربا، وصولاً إلى المستوطنات عيليه وشيلو ومعاليه ليفونه في أقصى الجنوب.
ويوضح القريوتي أن استهداف جنوب نابلس له أسباب سياسية واقتصادية أيضاً؛ “فالأراضي هنا غنية وخصبة ومتنوعة، تصلح للزراعة والرعي والبناء.
وتعج بمئات المواقع التاريخية والأثرية والدينية، ما جعلها هدفاً للمتطرفين الذين يحاولون إيجاد موطئ قدم لهم يثبت أحقيتهم في هذه الأرض، لكن عبثاً”.
تهديدات علنية
من جهته، يستذكر الناشط عوض سلمان من بلدة “دير استيا”، غرب مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية تعليق مستوطنين لمنشورات على مركبات الفلسطينيّين تضمّنت تهديدهم، “وأنّ عليهم مغادرة قراهم وبلداتهم والتوجّه إلى الأردنّ، وإذا لم يغادروها سيتمّ الهجوم وتهجير الفلسطينيّين بالقوّة”.
ويقول لـ”وكالة قدس برس”: “كان هذا في تشرين الثاني-نوفمبر” الماضي، ولم يكن مجرد تهديد، لأن ما نراه اليوم على الأرض يؤكد مضيهم في مخططاتهم لإجبارنا على الهجرة وترك الأرض لقمة سائغة لهم”.
وتداول حينها نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعيّ صورة المنشور على إحدى المركبات وممّا جاء فيه: “أردتم (الكلام موجّه للفلسطينيّين) نكبة مثيلة بعام 1948 فواللّه ستنزل على رؤوسكم الطامّة الكبرى قريبًا، لديكم آخر فرصة للهروب إلى الأردنّ بشكل منظّم فبعدها سنجهز على كلّ عدوّ وسنطردكم بقوّة من أرضنا المقدّسة الّتي كتبها اللّه لنا”.
ويتابع “إذا كانت الأنظار تتجه لهجمات المستوطنين على الأغوار وما حولها، فإن تهجيرا صامتا لا يقل خطورة نعيشه في سلفيت، التي لا يزيد عدد سكانها على خمسة سبعين ألفا، موزعين على تسعةَ عشرَ تجمعاً سكانيا،
وهي محاطة بأربعة وعشرين تجمعًا استيطانيا، أكبرهم مستوطنة “أريئيل” التي يقطنها وحدها أكثر من خمسة وعشرين ألف مستوطن، وهي ثاني أكبر تجمع استيطاني في الضفة الغربية بعد مستوطنة “معاليم أدوميم” على مشارف القدس.
استهداف التجمعات البدوية
الهجوم الأعنف تتعرض له عشرات التجمعات البدوية بالضفة الغربية، التي اجبر أهلها على تركها والرحيل عنها، بعد أن تعرضوا لإعتداءات وتهديدات مستمرة من جيش الاحتلال والمستوطنين.
وتعاظمت تلك الهجمات منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي تزامنت مع تصعيد تهجير التجمعات البدوية في الضفة والقرى الصغيرة بهدف تهجير سكّانها وإخلاء مناطقهم، وتحويلها إلى بؤر استيطانية تمهيداً لشرعنة الاستيطان فيها.
يقول منسق منظمة البيدر لحماية حقوق البدو حسن مليحات: إن الاحتلال انتهج طرقاً كثيرة لتهجير التجمعات البدوية، مثل تكثيف الاستيطان الرعوي، ودعم العصابات الاستيطانية ومدها بالسلاح، والإخطار بحجّة البناء من دون ترخيص،
ثم قرارات الهدم، ومنع البناء والتوسع العمراني، والاستيلاء على الأراضي والممتلكات بذريعة غير قانونية عنوانها “قانون أملاك الغائبين”.
وشدد مليحات على أن مشهد التهجير يحاكي النكبة تماما، حيث سجلت المنظمة نحو 800 اعتداء منذ بداية العام، لافتاً الى انه تم ترحيل نحو 300 تجمعا بدويا منذ يناير 2023 قسريا.
وأكد مليحات أن البدو يشعرون بأنهم وحدهم في معركة الدفاع عن الأرض في وقت تُسخّر فيه حكومة الاحتلال كل امكاناتها من أجل التوسع في الاستيطان الرعوي ومصادرة الأراضي والقضاء على التواجد الفلسطيني، بينما لا يجد البدو أي إسناد لهم على مستوى ما يجري من ممارسات تهويدية.
وتشير التقديرات إلى وجود نحو 700 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، يتوزعون في 164 مستوطنة، و116 بؤرة استيطانية.