معصوم مرزوق: “كامب ديفيد” مهدت الطريق للتوسع الصهيوني

قال السفير معصوم مرزوق مساعد وزيرالخارجية المصري الأسبق لجريدة الأمة الإلكترونية: ان اتفاقية “كامب ديفيد” لم تخلق السلام؛ بل مهدت الطريق للتوسع الصهيوني وأثارت شهية الهيمنة الإقليمية حتى سنحت الفرصة لضرب كل من دخلوا “خيمة المعسكر” مثلما فعل هتلر مع من قبلوا بسلامه المخادع. لقد انقلب عليهم واحدا تلو الآخر، دون أن يقيدهم أي التزامات أخلاقية أو تعاهدية.
وأضاف مرزوق: على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين كامب ديفيد وميونخ، هناك العديد من أوجه التشابه، خاصة فيما يتعلق بطبيعة ومدى ما نتج عن هذين الاتفاقين.
وتايع: من أهم أوجه التشابه أن الجانب الصهيوني من خلال “صيغة كامب ديفيد” حقق ما فشل في تحقيقه بقوة السلاح. علاوة على ذلك، ساعدت تلك الصيغة في معالجة التأثير النفسي الهائل على المجتمع الصهيوني بعد مفاجأة حرب أكتوبر والخسائر غير المسبوقة التي تكبدتها قواتها، مماثلة – وإن كانت مختلفة في الحجم – للتأثير النفسي الذي عاشته ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى.
وأوضح للأمة: كانت الوظيفة الأساسية لـ “اتفاق ميونيخ” إضعاف وزعزعة استقرار القوى الكبرى في أوروبا (خاصة بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي)، مما يجعل من السهل على ألمانيا ابتلاع شرق أوروبا، دولة تلو الأخرى، مع القليل من التدخل من هذه القوى.
واستطرد: من الثابت، وفقا لوثائق سرية من الحرب العالمية الثانية، أن الرقصة الدبلوماسية التي سبقت الحرب، على حافتها، شهدت خطوات متعثرة من قبل القوى الأوروبية الكبرى، لدرجة أن جوزيف ستالين الجالس في الكرملين، كان حائراً وهو يتبع “حزب ميونيخ”، إلى الذي لم تتم دعوته. في ذلك الوقت، لم يكن أي من الأطراف يريد أن يكون الاتحاد السوفياتي جزءاً من هذه المفاوضات المحورية. لكل منها أسبابها: فقد عارضت ألمانيا الشيوعية علناً في خطابها الرسمي (من خلال هتلر نفسه)، بينما اتكأ رئيس الوزراء البريطاني المسن تشامبرلين -وفقاً لمؤشرات مختلفة – نحو جر النازيين إلى حرب ضد الشيوعية،
وبالتالي تخليص العالم من شرين في آن واحد. أما فرنسا فإرثها التاريخي يميلها بعيدا عن أي علاقة مع الاتحاد السوفياتي، بعيدا عن الخلافات الإيديولوجية. لم يكن هناك وقت كافي منذ الهزيمة المذلة لجيش نابليون والانسحاب المخزي لبقاياه المحطمة، والذي أنهى الإمبراطورية الفرنسية فعليا.
على الرغم من ذلك، اميل ستالين، بتشجيع قوي من وزير خارجيته (ليتفينوف اليهودي)، إلى تشكيل تحالف مع الغرب لمواجهة التهديد النازي المتقدم في أوروبا الشرقية. ومع ذلك، رفضت بريطانيا ببرودة الاقتراح الذي قدمه السفير السوفياتي في لندن، مما أدى -وفقا لوثائق سرية- إلى اتخاذ ستالين عدة قرارات حاسمة، أبرزها إقالة وزير الخارجية الميل للغرب واستبداله برفيقه مولوتوف.
كان هذا التحول بداية الاتصالات الدافئة بين موسكو وبرلين، وتوجت بتوقيع تحالف استراتيجي سمح لهتلر بتأمين جبهته الشرقية قبل أن يتحول، بعد احتلال بولندا، لسحق الدنمارك والنرويج وبلجيكا وهولندا، وفي النهاية احتلال فرنسا.
وأوضح: كانت وظيفة “اتفاق ميونيخ” مطابقة ل”اتفاق كامب ديفيد” الذي أضعف الجبهة العربية المتحدة في ذروتها خلال حرب أكتوبر وأدت إلى استخدام سلاح النفط العربي ضد العالم في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. “صيغة كامب ديفيد” ساهمت في تشتيت الصفوف العربية. علاوة على ذلك كان غياب مصر دائما أولوية في الفكر الصهيوني حيث مكن الكيان الصهيوني من التهام باقي الدول العربية في المنطقة بعد تأمين الجبهة المصرية كما سعى النازيون لتجنب القتال على جبهتين.
في صراعهم مع الكيان الصهيوني فقد العرب الدرع والسيف الذي حافظت عليه مصر تاريخيا لعبت مصر الدور الأبرز في الدفاع عن المصالح الحيوية في المنطقة خلال اللحظات الرئيسية في التاريخ.
درس “ميونخ” الذي دفع العالم ثمنا باهظا من أجلها لا يختلف عن درس “كامب ديفيد” عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات. عندما يكون أحد الأطراف قادراً على فرض معظم مطالبه على الآخر وإجباره على قبولها دون أي تعديل، لا يمكن اعتبار هذه المفاوضات صحيحة بالمعنى الفني. علاوة على ذلك، فإن الاتفاق على أن النتائج لا يمكن اعتباره معاهدة دولية مناسبة؛ فهو مجرد “عقد خضوع” لصالح الطرف الأقوى، وبالتالي فهو إما باطل أو باطل.
واختتم مرزوق: يكمن شبح الحرب العالمية الثانية في “صيغة ميونيخ”، تمامًا كما يكمن مشبح حرب كبرى محتملة في الشرق الأوسط في “صيغة كامب ديفيد” (أو اختراع).