تعرف علي احتمالات نجاح مساعي إيران لإعادة بناء حزب الله 

أكدت دراسة لمركز أمد للدراسات السياسية  أن استراتيجية إيران لإحياء حزب الله محفوفة بتحديات كبيرة. أبرزها فقدان سوريا كقناة استراتيجية بين طهران وحزب الله، فضلاً عن الضغوط اللبنانية المحلية والعقبات الإقليمية والدولية الأوسع نطاقاً.

وقد تدفع هذه القيود بحسب الدراسة  إيران إلى إعادة توجيه دعمها نحو جهات فاعلة بديلة، مثل أنصار الله في اليمن وقوات الحشد الشعبي في العراق، كجزء من آلية ردع ثانوية. ومن شأن مثل هذه التعديلات أن تعمل كتدابير مؤقتة بينما تعمل إيران على تطوير استراتيجية ردع جديدة وأكثر تكيفاً للتنقل في المشهد الجيوسياسي المتطور الذي لم تواجهه منذ انتصار ثورتها في 1979..

تواجه فعالية الاستراتيجية العابرة للحدود الوطنية لإيران تحديات غير مسبوقة. ويمثل “طوفان الأقصى” والاستهداف اللاحق لقادة حزب الله الرئيسيين من قِبَل إسرائيل ضربة حاسمة لحليف طهران الأكثر موثوقية.

وعلاوة على ذلك، انتهى دور إيران في سوريا (ولو بشكل مرحلي ومؤقت) بسبب إسقاط المعارضة السورية لنظام بشار الأسد ولصعود الدور التركي الفعال في الساحة السورية. وفي حين تحافظ حماس على قدرتها على الصمود في غزة، يظل نفوذ إيران على الجبهة الفلسطينية محدودا بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل اليوم على غزة والضفة الغربية.

وأشارت الدراسة إن الاستراتيجية الجيوسياسية الإيرانية تقف عند مفترق طرق. والتحديات التي تواجه نموذج الردع الشبكي تتطلب إعادة تقييم أولويات سياستها الخارجية.

وفي حين تظل السرديات الإيديولوجية تشكل جوهر هويتها، فإن الحقائق البراغماتية المتمثلة في القيود المفروضة على الموارد، وإعادة التنظيم الإقليمي، والمعارضة الداخلية قد تدفع طهران نحو إعادة ضبط نهجها. كل ذلك يأتي في ظل تراجع نفوذها الإقليمي في سوريا ولبنان وأزمة اقتصادية قادمة مع الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب

وتمتد المشكلات وأزمة النووي الإيراني مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لذلك لا بد من استكشاف استراتيجية إيران الإقليمية لدعم حلفائها مثل حزب الله بوصفه الأداة الأقوى لها في المنطقة وهل هي قادرة حقا على إعادة إحيائه اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.

حيث إن تصريحات القادة السياسيين والعسكريين الإيرانيين، بما في ذلك المرشد الأعلى الإيراني وقائد الحرس الثوري الإيراني، تؤكد استمرار استراتيجية إيران الشاملة فيما يتعلق بـدعم “محور المقاومة” بوصفه الركن الأساس في عملية الردع الإيرانية.

ولا تشير هذه التصريحات إلى أي انحراف عن السياسة القديمة، التي تؤكد على الجهود المبذولة لاستعادة طريق العبور الاستراتيجي في سوريا. فقد أكد المرشد الإيراني خامنئي أن الشباب السوري سيلعب دورًا محوريًا في استعادة الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة. وفي الوقت نفسه،

يؤكد اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، أن خطوط الإمداد لحزب الله لا تزال مفتوحة، وتمتد إلى ما هو أبعد من الحدود السورية، معرباً عن أمله في تغير الوضع تدريجيا قي سوريا.

ومن المرجح أن يتخذ دعم إيران هنا شكل إعانات مباشرة وتكامل سلسلة التوريد. ويضمن هذا النهج تدفقا ثابتا للسلع إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب الله، حتى في ظل العقوبات الدولية الصارمة.

ومن ضمن خطوات الاستراتيجية الإيرانية لإعادة بناء حزب الله الحفاظ على التشيع السياسي في لبنان: ضرورة أيديولوجية

إن التزام إيران بالحفاظ على التشيع السياسي في لبنان متجذر في رؤيتها الإيديولوجية ورؤيتها للأمن القومي من حيث الحفاظ على نفوذها قائما في لبنان المنطقة الحيوية لها. ويلعب حزب الله دوراً محورياً في هذه الرؤية، ليس فقط كحليف عسكري ولكن أيضاً كرمز للمرونة السياسية الشيعية.

وستمتد جهود إيران للحفاظ على التشيع السياسي إلى ما هو أبعد من التدابير الاقتصادية لتشمل التعزيز الإيديولوجي والثقافي عبر المؤسسات التعليمية والدينية. حيث ستواصل إيران تمويل الحوزات والمدارس والمنافذ الإعلامية الشيعية في لبنان. وتعمل هذه المؤسسات على نشر الإطار الإيديولوجي الإيراني، وضمان نقل القيم الثورية إلى الجيل القادم.

كما أن روايات الاستشهاد والمقاومة توفر أرضاً خصبة لتجديد رواية حزب الله للمقاومة، والتي تصور المجموعة باعتبارها المدافع عن كرامة الشيعة ضد العدوان الصهيوني والإمبريالي. ومن المرجح أن تعمل إيران على تضخيم هذه الرواية من خلال شبكات الإعلام الإقليمية، مما يعزز الدور الرمزي لحزب الله داخل المجتمع الشيعي الأوسع.

ولموازنة الضغوط الخارجية، من المرجح أن تكثف إيران جهودها الدبلوماسية لدمج حزب الله بشكل أكثر ثباتًا في الهياكل السياسية اللبنانية. في حين أن حزب الله يمارس بالفعل نفوذاً كبيراً داخل النظام السياسي اللبناني، فقد تشجع إيران المجموعة على تبني نهج أكثر تصالحية تجاه الفصائل السنية والمسيحية، مما يؤمن مكانتها في لبنان ما بعد الصراع..

نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله

وفي نهاية المطاف، تكشف استراتيجية الدفاع الإيرانية المتطورة عن محاولة مدروسة للحفاظ على نفوذها الإقليمي مع التكيف مع القيود التشغيلية التي ظهرت فيما بعد عملية طوفان الأقصى. ومن خلال تعزيز الدور السياسي لحزب الله في الداخل وتوسيع الدعم لوكلاء أكثر مرونة في الخارج، تسعى طهران إلى الحفاظ على قدراتها على الردع بطريقة أكثر استدامة ومرونة.

ولا يعمل هذا التعديل الاستراتيجي على إعادة تعريف النفوذ الإيراني فحسب، بل يعيد أيضاً تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية الأوسع في الشرق الأوسط بطرق معقدة وغير متوقعة تفرض تحديات كبيرة على القوى الإقليمية أكثر من الولايات المتحدة أو إسرائيل.

تعترف طهران تدريجيا بالتحديات التي تواجهها استراتيجيتها للأمن القومي، والتي اعتمدت على فرض الردع خارج حدودها من خلال منظومات الصواريخ والطائرات المسيرة المتطورة، وتكتيكات غير متكافئة. وكان المقصود من هذا النهج أن يتم تعزيزه من خلال شبكة من الجهات الفاعلة غير الحكومية المتحالفة التي تشكل حاجزا لإيران ضد خصومها على الأخص إسرائيل والولايات المتحدة وذلك قبل الوصول إلى أراضيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights