في زمن أصبحت فيه الشبكة العنكبوتية شريان الحياة الحديثة، تكشف الإحصاءات الأخيرة عن حقيقة صادمة: ثلث سكان العالم – أي نحو 2.6 مليار شخص – ما زالوا محرومين من الاتصال بالإنترنت. هؤلاء يعيشون في عزلة رقمية قسرية، لا بسبب خيار شخصي، بل نتيجة الفقر، وغياب البنية التحتية، وانعدام الخدمات العامة التي تمهّد الطريق للعصر الرقمي.
وفق بيانات الأمم المتحدة والبنك الدولي، فإن 93% من سكان الدول مرتفعة الدخل يستخدمون الإنترنت بانتظام، مقابل 27% فقط في الدول منخفضة الدخل. هذه الفجوة الهائلة لا تعكس فقط التفاوت الاقتصادي، بل تكشف أيضًا عن غياب العدالة في الوصول إلى المعرفة، والخدمات الصحية والتعليمية، والفرص الاقتصادية التي يتيحها العالم الرقمي.
المشهد يزداد وضوحًا عند النظر إلى التوزيع الجغرافي: سكان الحضر في معظم الدول النامية يملكون فرصًا أكبر للاتصال، حيث تصل النسبة إلى نحو 83%، بينما تتراجع في المناطق الريفية إلى أقل من 48%. في بعض القرى النائية، لا وجود لشبكات الاتصالات أو الإنترنت، فلا خرائط رقمية، ولا منصات تعليمية، ولا حتى خدمات مالية إلكترونية.
البنك الدولي يحذر من أن هذا الانقطاع يحرم المجتمعات من فرص النمو، إذ يمكن للاتصال الجيد بالإنترنت أن يرفع من معدلات الدخل، ويتيح فرص عمل جديدة، ويعزز الابتكار المحلي. بينما تؤكد منظمة الاتصالات الدولية أن توفير البنية الرقمية للمحرومين يتطلب استثمارات تُقدَّر بـ 418 مليار دولار على مستوى العالم، تشمل تمديد الشبكات الأرضية، واستخدام الأقمار الصناعية، ونشر شبكات الجيل الخامس في المناطق المتأخرة تقنيًا.
قصص من الواقع: الإنترنت حلم بعيد
في قرية جبلية صغيرة شمال نيبال، يجلس “سانجاي” البالغ من العمر 15 عامًا على قمة تلة لالتقاط إشارة ضعيفة من أقرب برج اتصالات يبعد عشرات الكيلومترات. كل صباح، يقطع مسافة ساعتين فقط لتحميل دروسه المدرسية على هاتف قديم يتشاركه مع إخوته. بالنسبة لعائلته، الإنترنت ليس وسيلة ترفيه، بل جسر وحيد نحو التعليم.
وفي عمق الصحراء في تشاد، تدير “فاطمة” متجرًا صغيرًا للمواد الغذائية. تحلم ببيع منتجاتها عبر الإنترنت كما تفعل المتاجر في المدن، لكنها حتى اليوم لا تملك اتصالًا ثابتًا بالشبكة. تقول: “لو كان عندي إنترنت، كنت وسّعت مشروعي، واشتريت بضاعتي بسعر أرخص من السوق، لكن هنا، حتى الاتصال الهاتفي ينقطع أيامًا كاملة”.
أما في منطقة الأمازون البرازيلية، يعيش مجتمع كامل على ضفاف النهر بلا أي وسيلة اتصال خارجية. الوصول إلى الإنترنت هناك قد يعني وصول فرق طبية في حالات الطوارئ، أو إمكانية تسويق المنتجات المحلية عالميًا. لكن الواقع، كما يقول أحد سكان القرية، هو أنهم “غير مرئيين” في العالم الرقمي.
أمل في الأفق
رغم ضخامة الفجوة، هناك مبادرات عالمية تلوح في الأفق. “العهد الرقمي العالمي” الذي تتبناه الأمم المتحدة، ومشروعات التحالفات الدولية مثل EDISON Alliance، تسعى لوصل مليار شخص إضافي بالشبكة بحلول 2025. لكنها تبقى خطوات متواضعة أمام حجم التحدي الذي يتطلب إرادة سياسية، وتمويلًا دوليًا واسعًا، وشراكات حقيقية بين الحكومات والقطاع الخاص.