“جرح على جبين الرحالة ليوناردو”..رواية للكاتب ثائر الناشف
الأمة : صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون رواية “جرح على جبين الرحَّالة ليوناردو” للكاتب السوري المقيم في النمسا ثائر الناشف، تدور أحداثها في النمسا وإيطاليا في القرنين الرابع عشر والحادي والعشرين للميلاد. وتتناول قصة الشاب الصحفيّ عيسى الروماني، كشاب مهاجر إلى أوروبا من أصول عربية شرق أوسطية.
تمزج الرواية بين الفانتازيا السحرية والواقعية السحرية، وتجمع فصولها ما بين السردي والحكائي، الروحاني والنفسي الفلسفي، وتقارب بين الفلسفتين الميتافيزيقة والتقمصيّة اليونانية القديمة والكاثوليكة الرومانية المعاصرة.
إذ تسلّط الضوء على جوانب عديدة من حياته العاطفية والنفسية، ولعل أبرزها الكوابيس والتخيّلات التي راحت تطارده منذ أن أصيب جبينه بحرج عميق إثر اصطدام رأسه بحافة الكوب.
وتطرح من خلال موضوعها الجديد مفهوم فلسفة الجرح في الفكر الإنساني، وتطرح على مدار فصولها العديد من التساؤلات التي عبّر عنها بطل الرواية أثناء لقاءاته بشخصيات الرواية.
تبدأ الرواية باستقبال عيسى اتّصالا هاتفيّا من إحدى الهيئات الصحفية، حيث يعرض عليه العودة إلى عمله الأساسي في حقل الإعلام، فيبتهج كثيرا بعدما أمضى سنوات طويلة من الخيبة وفقدان الأمل في بلاد الغربة ولا يتوانى عن نقل الخبر إلى صديقته هيلين التي حاول جاهدا تحريك عواطفها تجاهه لكن دون جدوى.
يخطط عيسى للقاء هيلين بغية إقناعها بحبّه لها، ومحاولة استثمار بشرى عودته إلى الصحافة في سبيل تعزيز موقفه العاطفي أمامها وحثّها على إذابة الجليد بينهما.
لكن ما إن يشق طريقه إليها حتى يلتقي صدفة برجلٍ نمساويٍّ يدعى فرانز على ضفاف نهر الدانوب في مدينة فيينا، فيروي له قصة الرحالة والمؤرخ الروماني ليوناردو ويخبره عن جرحه وأوجه الشبه بينهما.
وأنَّ ثمة مخطوطة نادرة ما تزال موجودة في إحدى القلاع الرومانية، فتستولي الدهشة على عيسى دون أن يكون بوسعه الطعن برواية فرانز أو تصديقه.
يلتقي عيسى بهيلين، فتبث الأخيرة طاقة سلبية هائلة مردها الحسد واليأس، ولا تلبث أن تصيبه بها، فتنعكس تلك الطاقة عليه، ويتعرّض بعدها لجرح في جبينه ليفاجئ أنَّه أمام جرح ناطق لا يشبه أيّ جرح آخر في حياته. جرح لا ينفك يتحدث إليه ويشعر به مثلما يشعر بنفسه، ثم يرتحل معه إلى المستشفى، ويبدأ في استكشاف انطباعات الأطباء والممرضين تجاهه.
وما إن ينصرف مغادرًا المستشفى حتى يشاهد رجلًا جريحًا شبيهًا به، فيحتار في أمره دون أن يعرف ما إذا كان متوهّمًا أم لا، ولا يكاد يبدأ حديثه إلى الرجل الشبيه حتى يتذكّر سيرة حياة ليوناردو التي رواها له فرانز فيتكشف حينئذ أن جرحه هو روح ليوناردو التي راحت تحاكيه عبر الأماكن التي راح يصلها في الزمن الحاضر.
تنمو في عيسى رغبة قوية في اكتشاف آثار ليوناردو المادّيّة، فيتذكر لقاءه العابر بفرانز، فينطلق إلى البحث عنه لكن دوى جدوى، فيصادف أناسًا جرحى في طريقه إلى فرانز.
يتحدّث إليهم بلسان جرحه وهم يتحدّثون إليه بلسان جراحهم المرسومة على وجوههم، إذ يسرد كلّ جرح قصة صاحبه وأسرار حياته التي لا يستطيع المرء في الأحوال العادية سردها أو البوح بها.
يخوض عيسى رحلة البحث عن مخطوطة ليوناردو سعيًا منه لإدراك الحقيقة وللوقوف على آثاره، لكنّه يمرّ بصعوبات بالغة أثناء الرحلة، فيخضع للمحاكمة بتهمة تزوير جواز السفر.
ويتعرّف إلى طاقم المحكمة من خلال جراحهم بعدما أسهبت في الحديث إليه، فضلاً عن رفض المجتمع له كمهاجر.
يصل عيسى إلى بلدة فيلاخ المتاخمة للحدود الإيطالية، ويعثر على القلعة الرومانيّة القديمة، فيجدها قد تحولت إلى كنيسة كاثوليكية باستثناء بعض الحجرات العلويّة التي ظلت جزءًا من القلعة.
يدلف إلى إحدى الحجرات ويشاهد لوحة ليوناردو، فيقف مذهولاً وغير مصدِّق لما يرى، وما إن يرفع اللوحة عن الجدار حتى يرى خلفها مخطوطة ومفتاحًا قديمًا يتصفّح المخطوطة بشغف، فيقرأ بعض أقوال وحكم ليوناردو التي ظلّ يسمعها طوال الرحلة بصوت جرحه الحيّ.
يعثر عيسى على خريطة ملحقة بالمخطوطة، فيتّبع ما جاء في الخريطة أملاً في اكتشاف المزيد من آثار ليوناردو، فيهبط إلى قبو القلعة، وإذا به يرى نفسه يقف أمام باب خشبي قديم نقش عليه اسم الرحالة ليوناردو.
في تلك الأثناء يقرّر عيسى فتح الباب، لكنّه لا يعثر على المفتاح وسط العتمة، يعاود البحث عنه، فينطلق سريعا إلى الدرج ليفاجأ برؤية المسؤول عن القلعة ممسكاً بالمفتاح.
فيقصّ عليه الرحلة المميتة التي قادت ليوناردو قبل مئات السنين إلى السير في أنفاق القلعة انطلاقا من تلك البوابة المقفلة، ثم يطلب منه ألا يفكّر مطلقا في الوصول إلى ذلك الباب الموصد مرة أخرى إذا ما أراد أن يحافظ على حياته.
يغادر عيسى القلعة محبطًا بالرّغم من وصوله إلى مخطوطة ليوناردو، وينزل في أحد الفنادق المتاخمة للقلعة بغية العودة إليها في اليوم التالي.
وما إن يخلد إلى النوم العميق حتى يرى نفسه يسير في دهاليز القلعة المظلمة وهو ينتقل من دهليز إلى آخر دون أن يبلغ نهاية النفق، ويتابع سيره المضطرب مستعينًا بضوء هاتفه ليجد نفسه يقف أمام سهل خصيب وبيوت ريفية لم يرَ مثلها قطّ في حياته.
يتّجه عيسى إلى تلك البيوت، فيرى رجلاً رومانيًا بأزياء النبلاء، لكن ما إن يراه الرجل حتى يصاب بدهشة وذهول إذ ظن إنّه يقف أمام ليوناردو رغم يقينه أنه قضى نحبه في أحد أنفاق القلعة، فيدور بينه وبين الرجل حديث لا يفهم منه عيسى شيئا سوى بعض الكلمات اللاتينية.
يحضر سكان البلدة، فيندهشون لهندام عيسى المغاير لهندامهم، وراحوا يخمّنون هويّته سواء أكان ليوناردو أم شبحه أم جاسوسًا مرسلاً من النمسا، فيقرّرون سوقه إلى ساحة ميلانو بغية تقديمه للمحاكمة.
تقترب منه إحدى السيدات الرومانيات، فتتحدّث إليه باللاتينية الفصيحة، وتخبره أنّها عشيقة ليوناردو التي تسببت في جرحه وأنّه -عيسى- يمثّل روح ليوناردو المرتحلة عبر الزمن.
فتتعلّق به ثم تطلب منه أن يأخذها معه إلى زمنه عندما يقرر العودة إلى الحاضر، لكنَّ رغبة سكان ميلانو كانت أقوى من رغبتها، إذ يقتادون عيسى إلى ساحة المحاكمة، وما إن يشاهد مقصلة الإعدام حتى يصحو من نومه مذعورًا.
يعود عيسى أدراجه إلى القلعة في اليوم التالي، فلا يعثر على أيِّ أثرٍ للوحة ليوناردو ولا حتى المخطوطة، يسأل مسؤول عنهما، فينفي علمه بوجودهما.
يعيش عيسى حالة من الشكِّ، فيعاود الهبوط إلى القبو ويشاهد الباب نفسه، يتأكّد أنَّه ليس متوهّمًا، لكنّه يفاجأ حينها برؤية فرانز بزي الكاهن وهو يتلو الأناشيد الكنسيّة.
فيتّجه إليه ويسأله عن سر اختفاء اللوحة والمخطوطة، فيكون جوابه البليغ ما قرأه في مخطوطة ليوناردو التي تضمّنتها حوارات الرواية.