
تقرير موقع أسباب تطرق في الجزء الثاني له إلي السياسة الخارجية التركية بعد فوز الرئيس أردوغان بولاية رئاسية جديدة وتعيين وزير الخارجية الجديد حاكان فيدان علي رأس الدبلوماسية التركية في مرحلة شديدة الحساسية في ظل وجود عدد من الملفات المهمة منها الوضع شمال شرق سورياوشمال العراق والأوضاع في ليبيا وناجورنو كاراباخ وغيرها من الملفات
وركز التقرير علي مقاربة الحكومة التركية للسياسة الخارجية على ضمان استمرارية التوجهات التي جرى تبنيها خلال السنوات القليلة الماضية، حيث سيواصل الرئيس “أردوغان” ووزير الخارجية “هاكان فيدان” السعي إلى تعزيز مكانة تركيا كقوة دولية متوسطة صاعدة تعزز نفوذها في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى وأفريقيا.
ورجح التقرير أن يواصل “أردوغان” نهجا خارجيا متوازنا، تظل تركيا فيه عضوا فاعلا في الناتو، مع زيادة من هامش استقلالها عن النفوذ الغربي، ودون أن تكون معادية له. فضلا عن تركيز أنقرة على أولوية تحسين الاقتصاد بشكل سيجعلها أكثر ميلا لاحتواء التوترات مع الغرب؛

ميل تركيا الي احتواء التوترات مع الغرب لن يمنع هذا من احتمالات تسجيل موجات من التوتر بين الجانبين، في ظل الخلافات بشأن قضايا حقوق الإنسان والقضية القبرصية والصراع في شرق البحر المتوسط، خاصة بعد تعزيز إدارة الرئيس الأمريكي “بايدن” التعاون العسكري مع اليونان وقبرص، بما يشمل التواجد العسكري في ميناء ألكساندروبوليس اليوناني، والقرار الأمريكي برفع حظر الأسلحة عن قبرص.
في المقابل فإن فرنسا عززت من تواجدها العسكري في اليونان، وأرسلت إشارة واضحة حول انحيازها الاستراتيجي في مواجهة تركيا في شرق المتوسط لكن الولايات المتحدة وقوى أوروبا الرئيسية ستحرص أيضا على احتواء التوتر مع تركيا في المرحلة المقبلة؛ فبينما تعتبر بعض الحكومات والأحزاب الغربية أن أنقرة باتت مجرد “حليف اسمي”، لكنّها لا تستطيع إدارة ظهرها لتركيا، عضو الناتو الذي يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، يمثل بوابة استثنائية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى، بالإضافة إلى أهمية التعاون مع تركيا لاحتواء أزمة اللاجئين.
من المهم هنا الإشارة وفقا للتقريرإلي أن نتائج الانتخابات التي أبقت “أردوغان” في الحكم لخمس سنوات قادمة، أظهرت أيضا شكوكا مستقبلية حول قدرة المعارضة على إنهاء حكم العدالة والتنمية، بما يفرض على قوى الغرب التعامل بواقعية أكثر مع أنقرة للحفاظ على مصالحها الجيوسياسية خاصة في ظل احتدام التنافس الدولي مع كل من الصين وروسيا.
ونبه التقرير إلي أن التقدم في ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيظل أمرا غير مرجح خلال الأعوام المقبلة، نظرًا لمعارضة معظم دول الاتحاد الأوروبي لعضوية تركيا، لأسباب جيوسياسية بالأساس. وهناك احتمال بأن تنحصر المفاوضات عمليا في خطوات مثل تعديل اتفاقية الاتحاد الجمركي، والسماح للمواطنين الأتراك بدخول دول منطقة الشنجن دون شرط الحصول على فيزا مسبقة.

وستواصل تركيا الاحتفاظ بعلاقة عمل مفيدة مع روسيا، لأسباب جيوسياسية واقتصادية. وبينما أدى تعميق العلاقات التركية الروسية، خصوصا صفقة شراء أنظمة الدفاع الجوي “S-400″، إلى خلق أزمة ثقة عميقة في علاقة تركيا مع حلفائها الغربيين، لا يزال من المستبعد أن تنهار العلاقات بين تركيا وحلفائها الغربيين ردا على التعاون التركي الروسي، خاصة وأن هذا التعاون لم يؤثر على موقف تركيا تجاه التمسك بوحدة أراضي أوكرانيا، وتقديم الدعم لها في الحرب.
من المهم الإشارة إلي أن سياسة أنقرة المتوازنة تجاه الحرب في أوكرانيا، عززت من وضع الرئيس التركي “أردوغان” كوسيط قوي بين الغرب والرئيس الروسي “بوتين”، وهو أمر يساهم في تحقيق مصالح غربية ودولية.
لا يتوقف الطموح التركي على الاستفادة من هذا الواقع بين روسيا والغرب على الحرب؛ إذ يعمل المسؤولون الأتراك على خطة لتحويل البلاد إلى مركز دولي لتداول الغاز الطبيعي، تبدأ من حقوق إعادة بيع الغاز الروسي وتصديره، وهو المقترح الذي طرحه الرئيس الروسي بالفعل.
وستطمح أنقرة لمزج الغاز الروسي مع غاز بلدان أخرى مثل أذربيجان وإيران والعراق، وربما “إسرائيل”، وإعادة بيعه إلى أوروبا والمشترين الآخرين، وهذا يتطلب بطبيعة الحال استمرار التعاون مع روسيا، وفي نفس الوقت، الحفاظ على علاقات وثيقة مع الدول الأوروبية.
من المرجح أن تتواصل جهود الحكومة التركية لتطوير العلاقة مع جيرانها الإقليميين، خاصة السعودية والإمارات ومصر و”إسرائيل”، خاصة وأن نتائج الانتخابات التركية أعطت دفعة لسياسة تركيا تجاه دول المنطقة التي تستهدف تعزيز التعاون والحد من الخلافات، كما أن دول الخليج باتت في المقابل أكثر حماسة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية بعد أن أظهرت الانتخابات أن أردوغان مازال رجل تركيا القوي. بينما من المرجح أن يكون التقدم في مسار تطبيع العلاقات مع النظام السوري محدودا، في ظل استبعاد أن تنسحب القوات التركية من شمال سوريا في المستقبل القريب.
تعد المنافسة الجيوسياسية بين تركيا وإيران أحد أبرز الاتجاهات في السياسة الإقليمية للبلدين، لاسيما في العراق وسوريا وأذربيجان وآسيا الوسطى، دون إغفال حقيقة أن البلدين تمكنا من إدارة التنافس بينهما بحرص وحذر شديدين طيلة السنوات الماضية. وبينما كان الملف السوري أبرز ساحات الصراع، فقد بات النفوذ في آسيا الوسطى مؤخرا أكثر وضوحا؛ حيث تثير خطط تركيا وأذربيجان لفتح ممر زنغزور مخاوف إيران الأمنية والاقتصادية. كما أن جهود تركيا لتطوير العلاقات بين حلفائها في باكو وأربيل تعزز مخاوف إيران من أنها قد تواجه بحصار من النفوذ التركي في محيطها الجغرافي المباشر، خاصة وأن تنامي علاقات أذربيجان و”إسرائيل” جعل هذه المخاوف أكثر حساسية.
الحالة الأمنية في تركيا
تؤثر الصراعات الدائرة في كافة مناطق الجوار التركي على استقرار البلاد وأمنها. فبالإضافة إلى اليونان وقبرص وبلغاريا، تمتلك تركيا حدودًا مع سوريا والعراق وإيران وأرمينيا وجورجيا، فضلا عن ارتباطها بروسيا وأوكرانيا من خلال البحر الأسود. ووفقًا للأمم المتحدة، تستضيف تركيا لاجئين أكثر من أي دولة أخرى على مستوى العالم (حوالي 3.7 مليون لاجئ). كما تعمل العديد من الجماعات الإجرامية والإرهابية وأجهزة المخابرات على مفترق الطرق الجيواستراتيجي الذي تقع فيه تركيا. ومع ذلك أثبتت البلاد أن لديها أجهزة أمن قادرة وفعّالة.
من غير المرجح أن تؤدي النزاعات البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط مع اليونان إلى اندلاع حرب أو تصعيد عسكري؛ فكلا البلدين حاليا يميل للتهدئة وتفعيل آليات الحوار، كما أن كليهما يوافق على آلية حلف شمال الأطلسي لمنع التصادم. بالإضافة لذلك؛
وتبدو احتمالات تدخل عسكري تركي جديد في شمال سوريا غير مرجحة في المدى القريب، ليس فقط لتجنب توترات جديدة مع الولايات المتحدة، ولكن أيضا لزيادة اعتماد تركيا على العمليات الأمنية النوعية بدلًا من العمليات العسكرية الشاملة، مستفيدةً من قدراتها الاستخباراتية وتفوق سلاح الطائرات المسيرة، والتي كان من أبرزها قتل “خليل منجي”، الذي وصفه الجيش التركي بـ”العقل المدبر” لتفجير شارع الاستقلال باسطنبول، عن طريق غارة جوية بالقرب من مدينة القامشلي السورية في 24 من فبراير الماضي.
وستواصل القوات التركية تنفيذ عملياتها في شمال سوريا والعراق ضد حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) ووحدات حماية الشعب (YPG)، وليس من المحتمل أن تقدم فيه تنازلات للعراق أو سوريا.
تعتبر تركيا أن تمدد الأحزاب الكردية المسلحة يمثل تهديدا رئيسيا لوحدة الأراضي التركية، وستواصل أنقرة الضغط على حكومتي بغداد وأربيل لمواجهة أنشطة تنظيم “بي كا كا” في سنجار ومخمور وقنديل والسليمانية، ضمن ما تقدر تركيا أنها خطة واسعة لوصل هذه المناطق مع ممر كردي عابر للحدود بين سوريا والعراق، حيث التداخل عميق بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمال شرق سوريا ونشاط “بي كا كا” شمال العراق.
وبينما جرى احتواء تمرد حزب العمال الكردستاني في المناطق الريفية في جنوب شرق البلاد، تبقى احتمالية استهداف الداخل التركي من خلال تنظيمات إرهابية ممكنة، ويتضح ذلك من الهجوم الذي جرى تنفيذه بعبوة ناسفة بدائية الصنع في شارع الاستقلال في إسطنبول، في 13 نوفمبر 2022، وراح ضحيته ستة أشخاص.
ولكن من غير المرجح أن تكون هذه الهجمات ذات نطاق واسع، ويرجع ذلك إلى مزيج من التدابير الأمنية القاسية، والاستخدام الفعال للقدرات الاستخبارية، بما فيها وسائل التكنولوجيا الحديثة مثل الطائرات بدون طيار، وتكتيكات مكافحة الإرهاب التي حدت من قدرة حزب العمال الكردستاني على العمل داخل البلاد.
واستدرك التقرير قائلا :على الرغم من وجود نسبة معتبرة من السكان الأكراد متعاطفين مع منظمة حزب العمال الكردستاني، إلا أن هذا التعاطف لا ينطوي في معظمه على تأييد لأساليب المنظمة. لذلك؛ لم يواكب التمرد مظاهرات في المناطق الحضرية في الفترة 2015-2016، أو اضطرابات في المدن ذات الأغلبية الكردية، على عكس رغبة (بي كاكا) في تحويل ذلك القتال إلى تمرد حضري واسع النطاق وعليه، فإن من غير المرجح حدوث احتجاجات عنيفة في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية خلال الفترة المقبلة.
وخلص التقرير في النهاية للقول :على الرغم من الاستقطاب الحاصل في المجتمع التركي في ظل الأجواء الانتخابية، والذي سيستمر حتى انتخابات البلدية، من غير المرجح أن يقود ذلك إلى حالات عنف مجتمعي؛ حيث باتت حدة الاستقطاب السياسي سمة معتادة للتنافس الحزبي في تركيا يعادلها رسوخ الممارسة الانتخابية، وكفاءة الإدارة الأمنية. لكنّ خطاب العداء للأجانب، المتصاعد بصورة لافتة، من قبل بعض التيارات القومية المتطرفة، من المحتمل أن ينتج عنه حوادث فردية ضد الأجانب بمن فيهم السائحون.