الأمة : منذ ثلاثة أشهر لم تتوقف “أم صهيب” عن القدوم لمستشفى “شهداء الأقصى”، تجلس ساعات في قسم الحروق، وتقوم بذات المهمة، وهي رش المحلول على جرح ابنتها “ولاء”، التي أصيبت بشظية حارقة فوق ركبتها في قصف استهدف أحد المنازل في الحي التي تقطنه في دير البلح وسط غزة.
تصنع “أم صهيب” محلولا ملحيا بمعدات بسيطة، في ظل عدم توفره بالمستشفيات، وتقوم يوميا بالاطمئنان على جرح ابنتها خشية من أن يمتد إليه الالتهاب، الذي قد يدفع الأطباء إلى خيار بتر ساقها، كما حدث مع الآلاف من جرحى القطاع الذين فقدوا أطرافهم جراء المضاعفات التي خلفتها الإصابات.
تقول أم صهيب لـ” وكالة قدس برس”: “رفضت التوقيع على ورقة الأطباء التي تطالبني بتحمل نتائج بقاء حالة ابنتي كما هي دون تدخل جراحي فوري،
حيث تم تشخيص الإصابة بتمزق في عضلة الفخد وحروق من الدرجة الثانية، وبالتالي هنالك احتمالات أن تتعرض لالتهابات حادة تؤدي لتعفن داخل الجسم ما لم يتم تطهيرها وتعقيمها طوال الوقت”.
تضيف “لدينا موافقة على تحويلة طبية للعلاج في إحدى مشافي القاهرة، لزراعة أنسجة جديدة كون هذه العمليات يصعب إجراؤها في القطاع، ولكن إغلاق المعبر منذ أيار/ مايو الماضي حال دون ذلك”.
وتكتظ مشافي القطاع بعشرات آلاف الحالات التي تعرضت لإصابات بالغة الخطورة، جراء القصف الهمجي الإسرائيلي بالقنابل والصواريخ شديدة الانفجار، ما أدى لمضاعفات خطيرة دفعت بالأطباء تحت ضغط قلة الخيارات لبتر آلاف الأطراف لهؤلاء المصابين بعد أن باتت حالتهم تستدعي ذلك خشية على حياتهم.
إغلاق الاحتال لمعبر رفح يضاعف المأساة
ويشير مصدر طبي لـ”وكالة قدس برس” “لدينا ملف كامل يخص التحويلات الطبية للعلاج في الخارج، إذ أن نحو عشرة في المئة من الإصابات حصلت على موافقة للعلاج في الخارج، نظرا لخطورتها وصعوبة التعامل معها في ظل الإمكانات الحالية لوزارة الصحة، ولكن الاحتلال أغلق معبر رفح ما تسبب بمعاناة مضاعفة لمن كان يترقب أن تصدر له التحويلة للعلاج في الخارج”.
وأضاف المصدر “نتعامل يوميا مع متوسط ثلاثمائة إصابة، وهي إصابات لم نعتد عليها كأطباء، فطبيعة الجروح وعمقها داخل الجسم والمضاعفات التي تسببها تشير إلى استخدام الاحتلال لقنابل غير تقليدية وهي فتاكة تسبب تدمير للأنسجة الداخلية والعظام”.
وتابع “لدينا متوسط يومي بإجراء عمليات بتر لعشرة مصابين، وعدد حالات بتر الأطراف تجاوزت ثلاثة آلاف مصاب منذ بدء الحرب، منهم من فقد أحد أطرافه أو كلاهما، وبالتالي ملف مبتوري الأطراف سيشكل تحديا على صعيد هؤلاء الجرحى وعائلاتهم وكيفية التعامل معهم في المستقبل”.
نيويورك تايمز:إنهيار المنظومة الصحية بغزة
تجدر الإشارة إلى أن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، كانت قد سلطت الضوء على أزمة النظام الصحي المنهار بغزة، التي دفعت بالأطباء لإجراء عمليات بتر لأطراف آلاف الجرحى في ظروف معقدة بعيدة كل البعد عن البروتوكولات الطبية المتبعة، كـ”إجراء العملية باستخدام سكين مطبخ وعلى أرضية غير معقمة وبدون تخدير”.
ويستند التقرير الأمريكي إلى شهادات أطباء عايشوا هذا الحدث، أشاروا إلى أن “نظام الرعاية الصحية في غزة غير مجهز للتعامل مع هذا الوضع الذي فرضته الحرب، فقد توقفت معظم مستشفيات القطاع عن العمل تماما، في حين تعاني مستشفيات أخرى من نقص حاد في الإمدادات مثل التخدير والمضادات الحيوية”.
ويقول الجراحون: إن “نقص الإمدادات وحجم الجرحى أجبرهم على بتر أطراف كان يمكن إنقاذها في أماكن أخرى، لكنهم يؤكدون على أن الخسارة حتمية في كلتا الحالتين، لأن عمليات البتر تتطلب عناية فائقة، وإجراء أكثر من عملية جراحية واحدة في أغلب الأحيان”.
ولليوم 275 على التوالي يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، عدوانه على قطاع غزة، بمساندة أمريكية وأوروبية، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة، إلى استشهاد 38 ألفا و98 شهيدا، وإصابة 87 ألفا و705 آخرين، إلى جانب نزوح نحو 1.9 مليون شخص من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.