أقلام حرة

حشاني زغيدي يكتب: شكرا خالتي السياسة!

الخاطرة تصور واقعا لا يمكن تغافله لأهميته، تصور واقع حياة الناس وتصريف أمورهم، تصور واقع حياة الدولة وديمومتها واستمرارها، بل تصور واقع حياة تفرضها الحاجة للحفاظ على مقدرات الأجيال، حين تجتمع كل هذه العوامل وغيرها، يكون حديث الخاطرة يلامس واقعا نعيشه بألم، واقعا نذوق مرارته حين يغيب أثر العقلاء، نذوق مرارته حين تغيب الطاقات البشرية المؤثرة عن المشهد، حين تغيب معاني الحياة الكريمة التي ينشدها أمثالي، وأنا أتخيل لفيف قوم في مسرح ليلي، يستمتعون بضياع غرناطة..

كتبت شكرا خالتي السياسة!

كنت أطرق السمع لحديث الساعة، أتأمل واقعنا المعاش، أتفحص معاني الأحوال، أقارن وأسدد على أفك عقدة المعادلة.

كنت أتأمل أحوال الناس حين تقترب أعراس السياسة، يسكن الجميع الشرود الذهني، فالجميع يغلق المكاتب والأكشاك، حتى الباعة في يودعون الأسواق، أحوال تبيت تشغل العامل البسيط، يبحث له عن مكان في عرس السياسة، الكل محبوس الأنفاس لكسب الغنائم، يبيت الكل يحلم في منامه بقصور إشبيلية التي تسلب الألباب.

كنت أتأمل الأحوال المحزنة حائرا، هل يدرك الجمع مفهوم السياسة؟!

وهل يدرك الجمع أن أهم سماتها قصد الإصلاح وتحسين الأوضاع من خلال الفرد الصالح، الفرد المؤتمن، الفرد القدوة، الفرد الذي يجمع بين نظافة الثوب ونظافة اليد، الفرد الذي لا يهمه أن يمشي حافي القدمين، لا يهمه أن تمرّغ قدميه في الوحل، لا يهمه ربطة عنق تزين رقبته، سمته ووجاهته عفته، الفرد الذي طهره يسبق سيرته، الفرد الذي تدعمه ثقته في كفاءة رسمتها نجاحات مبهرة في ميدان تخصصه، صدقية شهادة تدونها المشاريع المنجزة على الأرض، التي تشهد له بالصدقية والمصداقية.

 عدرا خالتي السياسة أن يتصدر المشهد المخدوش والمنبوذ، أن يتصدر المشهد قاطع رحم غير موصول بالمجتمع، والحقيقة أن عالم الطهر النظيف لا يصلح له إلا الأطهار.

إن أجمل ما سجلته خلال مسيرتي العمرية شهادة غالية ما زلت أحملها وأفخر بها، سمعتها من مرب صنعته الأقدار في زمن الفتن؛ أنه الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله حين حدد معايير من يترشح لخدمة المجتمع والدولة خصه بمعيار فريد مبهر، يقول: (لا ترشحوا عاق الوالدين) والتوصية تحمل الدلالات التربوية العميقة، فعاق الوالدين لا يحق له أن يتصدر المشهد، والخائن لوطنه لا يحق له أن يتصدر المشهد، والفاشل في مشاريعه وتخصصه لا يحق له أن يتصدر المشهد، ولنا أن نقيس قس على الأشباه.

ولعل الحكم تتواتر فأنقل ما قاله السياسي والفيلسوف الهندي المهاتما غاندي أحسن حين أحسن توصيف أحوال الأمة الشاردة قال: (يوجد سبعة أشياء تدمر الانسان: السياسة بلا مبادئ، المتعة بلا ضمير، الثروة بلا عمل، المعرفة بلا قيم، التجارة بلا أخلاق، العلم بلا إنسانية، العبادة بلا تضحية).

ويبقى لأمثالي إلا رسم الخواطر وبعث الأمل في النفوس ببعض الكلمات من خلال الكتابة، فربما تصدق الأحلام فتكون حقائق مبشرة، لغد مشرق يصنعه الأطهار في ميدان التغيير الإيجابي حينها أقول: شكرا خالتي السياسة.

حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى