أقلام حرة

حشاني زغيدي يكتب: فضل المعلم

قصة الحروف حكاية ممتعة، يعيش فصول قصتها أناس مخصصون، ارتبطت حياتهم مع الحروف الهجائية، يعيشون مع الحروف في تناغم ووفاق طيلة فصول السنة، يصنعون من الحرف الهجائي مصنعا للرجال، فيولد الطبيب والطيار والمهندس، ويولد الخبير والحاكم والمحكوم، والإمام والقاضي، والكاتب والروائي والأديب وغيرهم كثير؛ لولا حرفة صناعة الحرف التي كان صانعها شخص بسيط اسمه المعلم، لما كان لهؤلاء في عالم الوجود خبر.

أن متعة التعليم والتعلم لا يذوق حلاوتها ويدرك فضلها سوى ذلك الإنسان الذي لا يكل ولا يمل، يقضي في قسمه ساعات طوال، يهذب ويربي، يعلّم ويرقي، فلا يهنأ له بال حتى يثمر غرسه، وتقطف ثمره.

هل جربت عزيزي القاري، أن تنطق الحرف الصامت ليكون له صوت، حتى يكون للأصوات حركة و حياة؟!

بل يصير لتلك الحروف معاني من خيال وجمال.

وهل جربت أن تستمتع بأصوات الحروف وهي تتراقص في الشفاه الصبية، لتخرج لنا أجمل مقاطع أصوات الموسيقى؟!

هي أصوات عذبة يردد لحنها أطفال صغار.

وهل جربت أن تتمتع بأول باكورة يجنيها حقلك، فتعطي جهوده ثمارا لا يعرف طعمها ونكهة متعتها سواه ؟! حين تخرج لنا كلمات النصوص الأولى قراءة عذبة .

 إن متعتها يرتشف من كأسها شهدا، يستمتع به صغار يبدأون مفاتيح القراءة الأولى، وهم يتعثرون بالقراءة، وهم يتهجون الأصوات بصعوبة، ترافقهم عينه الساهرة تصوب وتعدل العثرات، وفي نفسه خوف على النبتة الطرية من الذبول.

 يظل يرعى ويتعهد الرعاية مرافقا، حتى يزول ذلك الخوف.

يرافقهم في التجوال بين الصفوف، يحني ظهره لهم بحنان وعطف، يصفق تارة و يهمس أخرى، بصوت رفيق، يصوب الأخطاء، وهو يستمتع، يدلل تلك الصعوبات.

 وبعد فترة من التعهد، يرى جهده قد أثمر، وأصبح حياة تشع بجمال تلك النصوص القصيرة، التي ألفت أذاننا سماعها من شفاه الصغار، تصبح لها في كل مرة طعم خاص، إنه طعم تلك البداية، التي تصنع في نفس المعلم وفي نفوس الأطفال سعادة لا توصف، كيف لا! وأن أطفالنا قد بدأوا ولوج عالم القراءة، قد بدأوا يتحكمون في مهارتها الممتعة، يتذوقون جمال اللغة وفنونها، إن تلك المتعة في منظور البراعم اليافعة طعم ومذاق خاص، بل هي سعادة لا توصف في ميزان الطفولة.

المؤكد أن هذه الكلمات قد أعادت سجل الذكريات الماضية لكل معلم ومتعلم، لأنها ذكريات لا تنسى، لا ينساها المعلم الذي قضى عمره يصنع من الحرف نهضة، يصنع من الحرف يقظة، يصنع من الحرف حركة، ولا ينساها كل تلميذ نجيب لمس خراجها، تلمّس آثار عشق الحرف وهو يعيد شريط الأحداث الماضية جمال تلك المرحلة…

طبت حيا وميتا سيدي وأستاذي.

حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى