أقلام حرة

حشاني زغيدي يكتب: ما زلت على عهدي

الأيام تمر وعمرنا يتقدم، ربما تغيرت ملامح الأمس، ربما ذهبت نضارة العمر، يبدو كل شيء تغير بسبب عوامل الزمن، فالمادة تتغير، لكن يقينا هناك أشياء لا تتغير مهما تغيرت العوامل.

الأيام تمر في حركية سريعة، محركه مطواع لا يريد الانتظار، يسير في عجلة، كحركة عمر الشباب،

الميال للحركة، نفوسهم ثورة على الجمود، وهو سر يحاول البعض القفز عليه، لكنها حقيقة مقررة.

مع هذا الثقل والبطء والتراخي فإن الحقائق مازالت مستقرة، لم تتأثر بعامل الزمن، تقاوم نحث الرياح الصخور الصلبة، رغم تهدم بعض صورها،

مازلت الآثار على عهدها، مازلت تحافظ على كينونة البقاء، ترى الآمال المرجوة لم تتبدد، وفهمنا لها لم يتبلد، برغم الضعف والوهن.

قد يشعر مثلي بوخز الإبر الصينية النافعة، حبا لاستكمال ما بدأناه، نرافق غرسنا ولو بقليل جهد مخلص، قد أراه غير كاف،

بل ربما أراه جهد منقوص، ولكن مثلي لا يبخل أن يمد العون ولو بهمس الصدى.

مازلت على عهدي أحمل في يقيني وعدا صادقا، أن الخير رسالته لا تنقطع، تستمر وتبقى لو مع الضعف،

تساير السنن في تناغم تمضي نحو هدفها في مسار طويل، فيه مسالك كثيرة متشابكة، لكن النهاية آمنة بإذن.

مازلت على عهدي أرى كما يرى من يقاطعني الهدف المشترك، أن بلوغ المرامي لا تقبل الارتجال ولا تقبل حرق الأشواط، لا تقبل استعجال، لا تقبل التهور،

طريق تطلب الاستبصار وعمق النظر، تطلب عين تحلق للمعالي، تستشرف المستقبل الواعد، تجني ثماره الأجيال القادمة.

الخير يورث للأجيال

ما زلت على يقيني أن الخير يورث للأجيال، يسلم سليما غير مشوه أو مجزئ أو مبتور، تسلمه رواحل عاشت الطهر في الميدان،

عاشت وفية لخط رسمها، ترعاه من سقي ماء زلال صافي، غير مخلوط بالشوائب النجسة.

ما زلت على عهدي أن المرء كلما اهتزت تفته بنفسه وساءت ظنونه بها أوشك أن تصبه الهزيمة الداخلية،

وضعفت تقتل بقدراته ومواهبه، وتسمّع للصدى الخارجي، تسمّع لمن يطعنون ويهمزون في الظهر حلت الهزيمة.

 المرء الثابت عليه أن يجدد العهد كلما ضعفت همته، عليه أن يقوي ثقته بأصل الشجرة،

يعزز ثقته بنفسه كما ‏كانَ ابنُ المبارَك يقولُ:

«يَا ابْنَ المبارك إِذَا عَرَفْتَ نَفْسَكَ، لَمْ يَضُرَّكَ مَا قِيلَ فِيكَ»

هي برقيات سريعة لدفتر عمر مضى في رحاب العطاء، أدونها لنفسي حتى تظل على العهد الذي آمنت به عصنا غضا طريا،

وها أنا على أعتاب عمري المتقدم، أجاهد نفسي أن تظل مع ضعفها في حياض الحق، تسير معه حبوا تبغي الرضوان وتحصيل التواب.

حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights