مقالات

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: نجاح فاشل؟!

كان يُظن -بل يُعتقد اعتقادًا جازمًا عند محبيه حبًا أعمى- أن نجمه لا يأفل، وشمسه لا تغرب، وحظه لا يعثر، وقوته لا تُقْهر، وكرسيه لا يتزعزع..

ولكن الله فَلّ حَدَّه، وأصاب شمسه بالكسوف، وحَدّ من غطرسته، وما أغنى عنه دهاؤه، ولا نفعته نعراته الطائفية، ولا دعاياته المضللة، ولا مسيراته ولا اجتماعاته، التي كان يساق إليها الناس سوقًا، ولا ضماناته الكاذبة، ولا استمالتُه الناسَ باسم إلههم: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}.

وخذله حتى إلهُه، الذي كان ألقى فيه الروحَ، وبنى له بيتًا فخمًا، يستريح فيه..

لقد خسر وهو ناجح.. وما أحقره من نجاح..

أو قل: نجح وهو خاسر.. وما أوضحه من خسران..

فنجاحه لا يستحق أن يسمى نجاحا.. وإنما هو نجاح صوري.. نجاح ليس سبب فرح أو فخار.. بل هو شنار ووصمة عار..

نجاح لا يرفع قدر صاحبه، بل يصغر قامته، ويطير نومه ويقض مضجعه..

صحيح أنه نجح في العودة إلى كرسيه.. ولكنه قائم على قائمتين مستعارتين.. فهو – صاحب الكرسي – دائمًا في خطر وحذر.. وحكمه حكم أعرج أو أشلّ.. سريع زواله – إن شاء الله – صعب استمراره بإذن الله..

اتسم حكمه -بكلتا فترتيه- بإحداث جو مسموم مخيف لفئة معينة..  بشكل لا نظير له في عهود الحكومات الأخرى..

رفضه معظم الشعب رغم وعوده المعسولة وخطبه النارية وأحاديثه الحلوة.. لأنه تجرع مرارة مذاق العيش في عصره، فقد جربه خلال الفترتين السابقتين من حكمه العقيم، الذي لم يستفد منه الشعب إلا البطالة والعطالة والغلاء في المعيشة، وقد ظل يعد الشعبَ ويُمَنِّيه خلال هذه المدة الطويلة، ولكنها كانت مواعيد في الهواء.. لم يكن لمعظمها رصيد من الواقع.. وما مواعيد عرقوب إلا الأباطيل..

من الطريف أن أهل البلدة التي كان شيّد فيها معبدًا شامخًا لإلههم الأشهر، لم ينخدعوا بسياسته الماكرة، فقد فشل فيها مُرَشَّحُ الحزبِ الحاكم فشلًا مخزيًا..

ألا.. لا يمكن تسفيه الشعب أو تضليله لمدة طويلة.. فالشعب قد بلغ رشده العقلي، ونضج فكره، فعرف كيف يَمِيْزُ الناصحَ من الغاش، والمخلصَ من المفلس، والصادقَ من الكاذب، والقائدَ من المُهَرِّج..

ففي المصير الذي صار إليه … دروس وعبر كثيرة وكثيرة..

منها:

أن الشعب لا يؤمن بسياسة التفريق [فرق تسد] وبثِّ الكراهية والنفور بين فئات مختلفة من الشعب.

فهو يريد التعايش السلمي والرخاء الاقتصادي لا الدعاوي الفارغة ولا العيش في ظلال الخوف والفقر..

والشعبية المزورة والبطولة المغشوشة لا تستطيعان أن تخدعا أو تثبتا كثيرا..

وهالة العظمة الخيالية التي ليس وراءها رصيد من الإنجازات والصنائع، لا تلبث أن تزول وتتلاشى اليوم أو غدا..

وإن غدًا لناظره قريب!

(الخميس: ١٣ من ذي الحجة ١٤٤٥ ھ – ٢٠ من يونيو ٢٠٢٤م)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights