مقالات

د. محمد أكرم الندوي يكتب: إني لجبان وأنا مولى للعرب

بلغني عن بعض العرب أنه قال لأخيه: «إن لم تَجُل بالخيل في المضارب، ولم تقطر كلومك دماء على صدرك وقدميك فلست مني»، وقال آخر: «ليس من قبيلتنا من كان جبانا».

رأيت العرب فاتحي البلاد شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، وموطدي دعائم ملكهم برا وبحرا وأرضا وجوا، فأحببتهم وواليتهم، وافتخرت بمفاخرهم، واعتززت بمآثرهم، وتغنيت في المحافل بانتصاراتهم، ورويت قصائد شجاعتهم وإقدامهم، وعقدت مجالس أسرد فيها فضائل عزمهم وأسرار حزمهم، وألفت كتبا عن تاريخهم وحضارتهم، واعترفت العرب بولائي لهم مرحبين بي وموقرين إياي توقيرا، نصبوني أميرا على العراق والشام، وولوني خراسان والهند، وقلدوني مقاليد الحكم في المغرب والأندلس، وأشركوني معهم في شؤون القضاء، والإدارة، والإمامة، لم يبخلوا علي بوظيفة، ولم يضنوا دوني بجاه أو مال.

حتى انقلب الدهر على العرب انقلابا، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وأملت الأمم والشعوب عليهم إراداتها في نجد وتهامة، والشآمات والعراق، ومصر وخراسان، وأقصى المشارق والمغارب، فتقاعستُ عن نصرتهم، وتأخرت عن ركبهم، وتركتهم يصطلون نار الحرب في شدة اللهب، تدار على رؤوسهم سهام الملمات والداهيات، وينهلون ويعلون من كأسات المنون الصافيات، أترصد أخبارهم، أقرب نفسي إليهم إذا غلبوا، وأقصيها عنهم إذا هزموا.

ورأيت العرب سلبوا فلسطين، وأجلوا منها إجلاء، واغتصبت أراضيهم، وأكرهوا على الحرمان، فتألمت كثيرا، وسجلت المظالم والاضطهادات التي عانوها.

ثم رأيت المدافع تصوب إلى نحورهم، والصواريخ ترمى إليهم من البر والبحر والجو، والقنابل تمطر عليهم، وتحرق النيران عليهم إحراقا، ينحر شيوخهم وشبابهم، وتذبح أطفالهم ونساؤهم، وتدمر بيوتهم ومساجدهم وأسواقهم، ويهلك الحرث والنسل، ويسلبون أقواتهم ليموتوا جوعا، فاختبأت في سرداب، واكتمنت في نفق، ونمت عن سادات قوم وقد ربيت في فضل نعمتهم، وقلت لهم: إني لجبان وأنا لكم مولى.

قلت للعرب:

إني آكل وأشرب، وأضمن لأهلي وأولادي المآكل والمشارب، ناعمين بمتع الحياة، ومستلذين بلذائذها، بيد أني أحبكم فسأقاطع بضائع أعدائكم، أحاربهم حربا اقتصادية، وسأبث صور أولادكم قتلى وجوعى، وأشلاء رجالكم ونسائكم، وأخوض مع الصهاينة حربا إعلامية، وأنسق مظاهرات، وأمنع دول العالم عن مناصرة من يبيدونكم، فأضغط عليها الضغوط وأمارس حربا سياسية.

إني آكل وأراكم جائعين، وأشرب، وأنتم متهالكون من شدة الظمأ، وأبيت على فراش وثير، وأنتم هاربون من مشهد قتل إلى أشد منه، تصرخون، وتستنصرون، وتستغيثون، فأنشر في العالم صور عويلكم وصياحكم واستغاثتكم، أداء لحقكم علي، وقضاء للدين الذي لزمني في قانون الخلق والشرف.

أقول لكم إخواني العرب ما قاله بنو أعمامكم لنبيهم:

«اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون»، واعلموا أنكم إذا انتصرتم، وكتب لكم الفتح والغلبة، فإني معكم، تجدوني في ميمنتكم، وميسرتكم، بل وفي مقدمتكم، أهتف بهتاف الفتح والنصر بأعلى صوت، وأدخل معكم كل بلد تدخلونه، وأزاحمكم على كل منبر تعلونه، ولن أتردد في قبول منصب، أو تولي وظيفة، نادوني في السلم فإني مولى من مواليكم، ولا تنادوني عند صدام الخيول، وطراد الجيوش، ومقارعة السيوف، فإني جبان.

د. محمد أكرم الندوي

عالم ومحدث، من أهل جونفور الواقعة ضمن ولاية أتر برديش الهندية. وباحث في مركز أوكسفورد للدراسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى