الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

د. أنس الرهوان يكتب: رجالٌ مباركون

لمَّا أسلَم أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، أظهَرَ إسلامَه ودعا إلى الله ورسوله، وكان رجلًا مأْلِفًا لقومه، محبَّبًا سهلًا، وكان رجالُ قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعلَ يدعو إلى الله وإلى الإسلام مَن وثِقَ به مِن قومه، ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم بدعائه: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، رضي الله عنهم، فجاء بهم إلى رسول الله ﷺ حين استجابوا له، فأسلموا وصلوا.. وأسلَم على يديْه غيرُ هؤلاء.

ونقل الجاحظ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: كانت قريشُ تألَفُ منزلَ أبي بكرٍ رضي الله عنه لخصلتين: للعلم، والطعام، فلما أسلَمَ، أسْلَمَ عامةُ مَن كان يُجالسه!

ولمَّا أسلم أبو ذرٍّ الغفاريُّ رضي الله عنه، بقيَ بمكة ما بقي، ثم أخبره رسولُ الله ﷺ بأمر الهجرة، وسأله أن يبلِّغ قومَه بأمر دعوته، فانطلق أبو ذرٍّ إلى قومِه -وكانوا قوما يُحلُّون الشهر الحرام في الجاهلية ويقطعون الطريق على الحجاج-، فأتى أخاه أُنيسًا، فسأله أنيسٌ عما صنع، فأخبره أنه أسلمَ وصدَّق، فقال أنيس: ما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمتُ وصدَّقت، فأتَيَا أمَّهما فقالت كذلك، فاحتَمَلوا حتى أتَوْا قومَهم -قبيلة غِفار-، فأسلَمَ نصفُهم، وقال نصفُهم: إذا قدِم رسولُ الله ﷺ المدينةَ أسلمْنا، فقدم رسولُ الله ﷺ المدينةَ، فأسلم نصْفُهُم الباقي، وجاءت قبيلةُ أسْلَمَ فقالوا : يا رسول الله، إخوتُنا، نُسْلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله ﷺ: “غِفارُ غفر اللهُ لها، وأسْلَمُ سالَمَها اللهُ”!

وقدِمَ الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه مكةَ، وكان شاعرا شريفًا لبيبًا، فمشى إليه رجالٌ من قريش، فحذَّرُوه أن يسمع من رسول الله ﷺ شيئا، فما زالوا يحذِّرونه حتى وضعَ في أذنيْه قطنًا، حذَرًا أن يسمع شيئا من قول رسول الله ﷺ، وغَدَا إلى المسجد، فإذا رسول الله ﷺ قائمٌ يصلي عند الكعبة، فسمِع بعضَ القرآن، فاستحسنَ ما سمع، فمكث في المسجد حتى انصرف رسولُ الله ﷺ إلى بيتِه، فتبِعَه وأخبره بما قالت قريشُ وخَوَّفَتْه منه، وسألَه أن يعرضَ عليه أمرَه، فعرض عليه ﷺ الإسلامَ وتلا عليه القرآنَ، فأسلَم الطفيلُ، واستأذنَ رسولَ الله ﷺ في الانطلاق إلى قومِه يدعوهم إلى الإسلام، وسأله أن يدعوَ له بآيةٍ تكون له عونًا على دعوة قومِه، فأذن له ودعا بما أراد.

فانطلق إلى قومِه، فلمَّا دنا منهم، وَقَع بين عينيه نورٌ كأنه مصباح، فدعا اللهَ أن يغيِّرَ موضعَه عن وجهه، لئلا يظُنَّ قومُه أنها مُثْلَةٌ أصابتْه لِفراقِه دينَهم! فوقع النور في رأسِ سوطِه يتراءاه الناس، فلمَّا نزل أتاه أبوه، فدار بينهما كلامٌ أسلَمَ أبوه على أثره، وجاءت امرأتُه فدار بينهما مثلُ ما دار بينه وبين أبيه، فأسلَمَت، ثم دعا قومَه فأبطأوا عليه، فأتى رسولَ الله ﷺ يشكوهم إليه، وسأله أن يدعوَ عليهم، فدَعا لهم وأمره أن يَرفُقَ بهم، فما زال بهم حتى نَزَلَ المدينةَ بسبعين أو ثمانين بيتًا من قبيلته مسلمين، كان أبو هريرة رضي الله عنه فيهم، ثم لحقوا رسولَ الله ﷺ بخيبر، فأسْهَم لهم مع المسلمين!

وخرج أسعدُ بن زرارة بمصعب بن عمير رضي الله عنهما، فدخَلَ به بعضَ حوائطِ بني ظَفَر، فسمع به سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهما، وهُمَا سادةُ بني عبد الأشهل، خيرِ بطون الأوس، فأمَرُ سعدٌ أسيْدًا أن ينطلق إلى مصعبٍ فيَكُفَّه عما يدعو إليه، فانطلق أسيد حتى أتى مصعبًا، فعادَ من عنده مسلمًا مصدِّقًا!، فانطلق إلى سعدٍ فكان بينهما كلامٌ، فخرجَ سعدٌ حتى وقف على مصعب وأسعد بن زرارة فانتَهَرَهما، فعَرَضا عليه أن يجلس ويسمعَ، فجلَس وسمع، فأشرَقَ وجهُهُ بالإسلام قبل أن ينطق لسانُه به، فأسلم ثم انصرفَ عائدا إلى قومِه ومعه أسيد بن حضير.. فلما وقف عليهم سعدٌ، قال: يا بني عبد الأشهل! كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدُنا وأفضلُنا رأيًا، وأيمَنُنا نقيبةً، قال: فإن كلامَ رجالكم ونسائكم عليَّ حرامٌ حتى تؤمنوا بالله وبرسوله.

فما أمسى في ذلك اليومِ في دار بني عبد الأشهل رجلٌ ولا امرأةٌ إلا مُسلمًا ومسلمةً!.

«وكلُّهم مِن رسولِ الله ملتمسٌ».. رضي الله عن أولئك الرجال المباركين، وعمن أسلم على أيديهم من المسلمين، وعن آل رسول الله ﷺ وأصحابه أجمعين.

Please follow and like us:
د. أنس الرهوان
طبيب، كاتب وباحث
قناة جريدة الأمة على يوتيوب