الأثنين مايو 20, 2024

د. إبراهيم التركاوي يكتب: من وحي الهجرة

لمَّا عزم النبي على الخروج إلى المدينة أمَر عليَّ بن أبي طالب أن يتخلف؛ لينام مكانه ويتغطى بغطائه؛ ليُخفي الأمر على المتآمرين من قريش من جانب، ومن جانب آخر؛ ليؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس.. وكان رسول الله ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لِما يعلم من صدقه وأمانته..

وسبحان الله! ففي الوقت الذي كانوا يُكذِّبونه ويحاربونه لم يجدوا مَن هو خير منه أمانةً وصدقًا، فكانوا لا يضعون ودائعهم التي يخافون عليها إلا عنده!

وأقام عليُّ بن أبي طالب بمكة ثلاثة أيام، حتى أدَّى عن رسول الله الودائع التي كانت عنده للناس، ثم هاجر إلى المدينة..

ومع أنَّ الظرف الخطير الذي دعا النبيَّ وأصحابَه إلى أن يهاجروا، تاركين وراءهم أموالهم وديارهم قد يكون أكبر بكثير – في تقدير الكثير من الناس – من التمسك بجزئيات أخلاقية كرد الودائع!

بيد أنَّ منطق نبيِّ الإسلام يأبى عليه -مهما كانت المخاطر- أن يهاجر دون أن يُرسِّخ في الأرض قِيم السماء وأخلاق النبوة التي ما ساد المسلمون الدنيا بأسرها إلا بها!

إن المسلمين بأخلاقهم -كما قال صاحب (وحي القلم)- هم العقل الجديد الذي سيضع في العالم تمييزه بين الحق والباطل، وأن نبيهم أطهر من السحابة في سمائها، وأنهم جميعًا ينبعثون من حدود دينهم وفضائله، لا من حدود أنفسهم وشهواتها..

وهذا ما فطن له (مرماد يوك باكثول) في قوله: «إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في الدنيا الآن بنفس السرعة التي كانوا نشروها بها سابقًا، إذا رجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول؛ لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع أن يقف أمام روح حضارتهم»!!

Please follow and like us:
د. إبراهيم التركاوي
كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي
قناة جريدة الأمة على يوتيوب