د. سعيد إسماعيل يكتب: علقة.. لأني أقرأ؟!
قبل سن العاشرة، على وجه التقريب، كان من واجباتي، أن أذهب لفتح دكان أبى -يرحمه الله- لخياطة الملابس، فأرتب الأوضاع العامة بالداخل، ثم أقوم بكنس الدكان، وأقوم كذلك برش ماء أمامه، حيث شارع السوق المؤدي إلى جامع البقلي كان متربا..
بعد الفراغ من هذه المهمة أجلس على باب الدكان، لأقرأ كتابا ما، موجها نظري إلى الشارع المؤدي إلى السكة الحديد، حيث بيتنا بعده قليلا، ولأرقب مجيء أبى. ويبدو أنني اندمجت في القراءة، حيث فوجئت بأبي واقفا أمامي، لينزع الكتاب من يدي، ويشدني لينهال ضربا، ويجرجرني إلى الشارع، متجها إلى البيت، ثم يتركني أمضي لحال سبيلي.
تصورت وقتها أن أبى ظالم..
لكنني الآن تفهمت ما فعله، والتمست له العذر..
كان الرجل صاحب حرفة (الخياطة)..
وأصحاب الحرف كانوا يحرصون على توريث أبنائهم الحرفة نفسها.
من هنا فقد كانت وظيفة التعلم والتعليم هي التعرف على الحروف والكلمات، والعمليات الحسابية الأربع.. وكفى.
أما الهندسة، والجبر، والكيمياء، والتاريخ، والجغرافيا، فهي مجالات لم يروا صلة وثيقة بها مع الحِرفة التي يعملون بها..
وهكذا وجدت انني أنا الذي ظلمت أبى، ولم يكن هو الذي ظلمني.. غفر الله لنا جميعا.