أقلام حرة

د. ليلى حمدان تكتب: حملات التشنيع المعتمرين في رمضان

نشاهد من جديد حملات التشنيع على المسلمين الذين يؤدون العمرة في رمضان، وتحميلهم إثم التقصير في نصرة فلسطين، والأمر وصل إلى حد السخرية من شعائر الدين علنا، واستغلال ذلك لدس سموم العلمانية والإلحاد بكل وقاحة وخبث وسيلة.

ولي هنا وقفات مهمة، لندرك أبعاد المسألة:

يزعم هؤلاء الذين يشنعون على أداء العمرة في وقت تباد فيه غزة، أن هذا سبب خذلان وهزيمة، ويحملون المعتمرين مسؤولية دعم غزة بالمال.

وهذه شبهة ضعيفة، فالقضية في نصرة غزة ليست في قلة المال، نحن بحاجة لبعض الصراحة، القضية في نصرة غزة هي في المنظومة التي تدير المشاهد. فلو كان الأمر على المال، فهذه الأمة لا تنقصها الأموال ولم تبخل بالأموال! ولكن مشكلتنا في قطاع الطرق وتجار الحروب الذين نهبوا من أموال المسلمين أضعاف ما يصرفه المعتمرون في عبادتهم. فكيف تريد للناس أن يصبوا أموالهم في قنوات فاسدة بحاجة لحد الحرابة للتطهير؟!

منذ فتحت عيني على الدنيا وآباؤنا يدفعون لصندوق فلسطين التبرعات طوعا وكرها، بل تنتزع قسرا من أموالهم! أين ذهبت هذه الأموال منذ زمن طويل، لقد كانت تمول تكاليف سيارات المرسيدس الفاخرة للسياسيين المتسلقين للظهور بمظهر لائق في المحافل الدولية!

ثم لماذا هذا التكالب على العبادات وشيطنة إقبال الناس على القربات، لماذا لا يكون هناك محاسبة للمسؤولين السياسيين وأصحاب النفوذ والرياسة، ممن يكتنزون الأموال ويكدّسون القصور والثروات، باسم القضية الفلسطينية؟ لماذا تطاردون الفقراء والعامة من الناس الذين قد يجمعون كل ما جمعوه لتحقيق حلم سجدة في الحرم! وتتركون أصحاب الجيوب الممتلئة؟ أم هي وسيلة أخرى لملأ هذه الجيوب؟ أتعتقدون أننا لا نعلم عن حقيقة الأموال الضخمة التي تكدس في حسابات سويسرا والممتلكات التي تخفى بطرق محترفة؟

ولم لا تطاردون من يصرفون أموالهم في التفاهات والسفاسف والحرام، ممن حفلة واحدة لديهم تكفي إطعام غزة كلها على مدار شهور! أوليس في ذلك القطع لباب فساد وتوظيف الأموال في مكانها الصحيح، لماذا يشنع على المعتمرين ببغي وصفاقة وليس على الراقصين والمطربين ودعاة الانحلال والرذيلة؟

ثم هل الجهاد لا يقوم إلا على منع الناس أداء عباداتهم ونفقاتهم؟ كيف وأموال النفقات لها أبوابها بحسب الحاجة في الإسلام. هل رأيتم جماعة جهادية منذ ظهرت على الساحة، تستجدي الناس أموال عباداتهم؟ أم أن الجهاد يقوم على منظومة تمويل مدروسة وبعيدة المدى، يعرفها جيدا أهل الخبرة والاستراتيجية والقوى، أم أننا أمام منظرين هواة وسذج، أجهل بعلوم الجهاد والجمع والإعداد، فتصدروا الحسابات، للنيل من كل مسلم ومسلمة! وللزجّ بهم في سجون الطغيان والمطاردة؟

إن أولئك الذين يقفون على حملات التشنيع على المعتمرين عليهم أن يتقوا الله ويكفوا ألسنتهم، فمشكلة غزة ليست في الأموال، بل الأموال متوفرة ولكن أغلبها ينهب وينتفخ به الفاسدون، إنما مشكلتنا في المنظومة برمتها.

فأصلحوا المنظومة، واعملوا بعلم وأدب، ثم تصدروا لمنازعة الناس حقهم الشرعي في عبادة الله تعالى وفق طاقتهم.

فكما أن للمجاهد شرف، للقاعد حق لا يُسلب.

أما استخدام شماعة الجهاد لسرقة الناس والتنصل من مسؤولية محاسبة الفاسدين وإصلاح المنظومة، فتلبيسات إبليس!

استقيموا يرحمكم الله، فقد رأينا ما يدمي القلوب، كفاكم سبهللة.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الأمة الإسلامية وصناعة الوعي والهمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights