د. محمد جمال القصاص يكتب: الدعاة الجدد.. هدم أم بناء؟
ونموذج الدعاة الجدد، وكذلك الوعظ، في حالة بناء.. تطور كثيرًا فأصبح سلفيًا، ومتخصصًا، وله عمق معرفي، يُعلِّم من خلال الدورات والبرامج، ويتحدث من المسجد ويلتزم بالسمت الظاهر،
ويقوم به شخصيات ذات وعي. فأصبح الوعظ علميًا وسلفيًا وبَعُدَ كثيرًا عن القصص المكذوبة والأحاديث الموضوعة، وأقترب أكثر وأكثر من القرآن الكريم، واقترب من الوعي بالواقع المعاصر.
وكاد هذا الإصدار الجديد من “الدعاة الجدد”، والذي ظهر بقوة بعد يوليو 2013م، أن يُخفي نموذج الدعاة الجدد القديم
الذي تدرج منحدرًا من الشيخ ياسين رشدي والشيخ الدكتور عمر عبد الكافي إلى معز مسعود مرورًا بعمرو خالد ومصطفى حسني. ولكن هذا البناء هَدْمٌ في الحقيقة!!
حين ترتفع قليلًا وتنظر للمشهد من أعلى فستجد بوضوح أن هذه الظاهرة وإن كانت قد طوّرت ظاهرة الدعاة الجدد وطوّرت الوعظ فإنها كادت أن تخفي ظاهرة التأصيل الشرعي للعلوم وفرض واقع جديد يتطابق مع واقع الصحابة والتابعين..
هذا الذي حاوله السلفيون من مساجدهم ونشاطهم الاجتماعي (الخدمي) والبحثي (محاولة إنشاء مراكز أبحاث). وهي بهذا المعنى هدم.. وخطوة في سياق منحدر لحضور النموذج الإسلامي الحقيقي.
ويتأكد هذا الفهم حين تنظر للمشهد الأكبر المتعلق بظاهرة التدين عمومًا، سنجد أن هؤلاء يزاحَمون بأزهريين (التدين الرسمي) وصوفيين، وملاحدة..
نعم وملاحدة فالإلحاد المعاصر “مؤمن”.. إبراهيمي.. يقدم تفسيرًا خاصًا للدين ولم يعد كما قد كان إلحادًا كليًا لا يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومن شعاراتهم “مؤمنون بلا حدود”.
إن نقطة القوة عند الدعاة الجدد تكمن في البرامج العملية… فصلاح حال الناس بتدابير عملية والوعظ وحده لا يكفي.
ونقطة الضعف في تقديم الدعاة أشخاصهم وما هم فيه من زينة الحياة الدنيا كنموذج لمن آمن بالله ودعا إليه.
وإن الإسلام.. وإن الرسل.. وإن الكتب لتعريف الناس بربهم ليعبدوه.. يقول الله تعالى:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كلِّ أمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ” (النحل: من الآية37)، “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56).
راجع: هدم وبناء في واقعنا المعاصر