د. محمد زويل يكتب: لماذا باعت إيران بشار الأسد؟ (2)
شهدت في العام الماضي وحده تفكّك قيادة إيران وسيطرتها في سورية. ففي ديسمبر 2023،
أدّت الهجمات الإسرائيلية على دمشق إلى اغتيال سيد رضا موسوي، أحد كبار مستشاري الحرس الثوري الإيراني،
الذي كان بمثابة القناة الرئيسة للمصالح الإيرانية في سورية.
وقد تبعت هذه الضربة ضربةٌ أكثر أهمية في 1 نيسان 2024، عندما استهدفت مقاتلات إسرائيلية من طراز «إف-35» القسم القنصلي في السفارة الإيرانية في دمشق،
ما أسفر عن مقتل الجنرال محمد زاهدي، القائد السابق للقوات البرية في الحرس الثوري الإيراني.
في غضون ذلك، كان محور المقاومة التابع لإيران في دائرة الخطر.
هذه الخسائر، إلى جانب التدهور الشديد في هيكل قيادة حزب الله في لبنان،
بما في ذلك قيادته في ظلّ نصر الله، قلّصت بشكل كبير نفوذ إيران الإقليمي.
حين شنّت القوات التابعة لفصائل المعارضة هجومها في أواخر نوفمبر، كانت إيران نفسها في موقع ضعيف لا يسمح لها بالتدخّل على نحو فعّال لدعم الأسد.
فعلى خلاف العام 2016، عندما استكملت القوات البرية الإيرانية الدعم الجوّي الروسي في حصار حلب،
لم تكن موسكو وطهران مستعدّتَين أو قادرتَين على شنّ هجوم مضادّ مشابه،
ذلك أنهما ازدادتا إحباطًا من تعنّت الأسد. وهكذا، بقي الأسد رجلَهما إلى أن لم يَعُد كذلك.
بحلول أوائل العام 2024، كان موقف كلٍّ من إيران وروسيا قد تغيّر تجاه الرئيس السوري.
فروسيا كانت غاضبة بصورة خاصة من انتهاكاته المتكرّرة لاتفاق خفض التصعيد في إدلب، ومقاومته العنيدة لأيّ شكلٍ من أشكال التسوية عن طريق التفاوض.
تراجع نفوذ إيران على دمشق
في موازاة ذلك، رأت إيران أن نفوذها الذي كان كبيرًا على دمشق يتراجع باطّراد،
إذ بدأ الأسد يشقّ بشكل متزايد مسارًا مستقلًّا تَعارَض في الكثير من الأحيان مع أهداف طهران الإقليمية.
وتنامت شكوك إيران حيال الأسد عقب سلسلةٍ من التسريبات التي كشفت عن تحرّكات مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني،
وبلغت ذروتها في الغارات الإسرائيلية التي استهدفت هؤلاء المسؤولين في سورية.
ولاحظ فيلق القدس، الذي كان يتمتّع نسبيًا بالحرية في سورية، أن السلطات السورية أصبحت تقيّد تحرّكاته أكثر فأكثر،
إذ رفض الأسد مثلًا مطالبات بفتح جبهة الجولان ضدّ إسرائيل.
وربما كان الأمر الأكثر استفزازًا لإيران بدء دمشق بفرض قيود على الأنشطة الدينية الشيعية في أنحاء سورية،
ما شكّل تحدّيًا مباشرًا لجهود طهران الرامية إلى توسيع نفوذها الإيديولوجي والثقافي في المنطقة.
وبحلول الوقت الذي شنّ فيه الثوّار هجومهم، لم ترَ إيران ولا روسيا جدوى كافية في إنفاق المزيد من الموارد لدعم نظامٍ أصبح عبئًا أكثر منه مكسبًا.
فقد قوّض استقلالُ الأسد المتنامي الشراكات التي أدامت فعليًا حكمَه لما يزيد عن عقد من الزمن.
وفي نهاية المطاف، عرضت روسيا على الأسد اللجوء لدواعٍ إنسانية،
وإن بدا ازدراء موسكو للأسد واضحًا في تعليقات سيرغي لافروف في منتدى الدوحة، حيث وبّخ محاورَه لأنه أراد “إغراقه” في الأسئلة عن سورية.
ضعف الجيش السوري جلي
والحال أن الضعف الأساسي للجيش السوري أصبح جليًّا بشكل صارخ حتى قبل استيلاء فصائل المعارضة على حلب.
فالنقاشات التي دارت على منصّات التواصل الاجتماعي الإيرانية، خصوصًا القنوات الموالية للحرس الثوري الإيراني على منصّة تلغرام، عكست هذه الحقيقة،
إذ بدأ المواطنون الإيرانيون العاديون في هذه المنصّات ينتقدون علنًا الأسد وعدم كفاءة جيشه.
وقد يكون الأمر الأكثر دلالةً التحوّل في مشاعر أشدّ مناصري الحرس الثوري التقليديين، الذين أخذوا يعبّرون عن استيائهم من فساد الأسد وعدم فعالية الجيش السوري.
استجابت إيران في البداية وفقًا لنهجها المعتاد، من خلال حشد الميليشيات العراقية بهدف تعزيز دفاعات الأسد.
لكن الحكومة العراقية رفضت السماح لهذه القوات بعبور الحدود إلى سورية.
وبدلًا من الاعتراض على هذا القرار، رضخت إيران للأمر بسهولة مفاجئة.
أمّا التطوّر المذهل، فكان انسحاب القوات المدعومة إيرانيًا، من دون مقاومة، من المعبر الحدودي بين سورية والعراق الذي يُعدّ أكثر المواقع استراتيجيةً بالنسبة إليها.
كذلك، انسحبت قوات الحرس الثوري الإيراني والمقاتلون العراقيون الموالون لطهران من دير الزور قبل وصول القوات الكردية،
ليسقط معبر القائم-البوكمال الحدودي سريعًا في أيدي قوات سورية الديمقراطية.
دير الزور جوهرة تاج إيران في سورية
كانت محافظة دير الزور ومعبرها الحدودي الواقع في مدينة البوكمال بمثابة جوهرة تاج إيران في سورية، إذ شكّلت رابطًا حيويًا في طموحات طهران الإقليمية.
فبعد أن انتزعت إيران السيطرة على دير الزور من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2017، حوّلت هذه المنطقة الواقعة في شرق سورية إلى ممرٍّ أساسي لاستعراض قوّتها في منطقة المشرق العربي.
وأضحى معبر القائم-البوكمال ركيزةً مهمة للجسر البرّي بين إيران ولبنان، ولا سيما أنه سهّل نقل الأسلحة والمقاتلين والعتاد إلى وكلاء طهران في جميع أنحاء المنطقة.
لم تقتصر أهمية دير الزور على المستوى اللوجستي. فإيران استثمرت بشكل كبير أيضًا في تأمين هذه المنطقة
وأنشأت شبكة من القواعد العسكرية ونسجت علاقات وطيدة مع مشايخ العشائر المحلية.
واستغلّت إيران تظلّمات السكان العرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية ولاحقًا قوات سورية الديمقراطية،
واستخدمت في الوقت نفسه المنطقة للضغط على القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة التنف وبالقرب من حقل كونيكو للغاز.
يُشار إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران شنّت هجمات متكرّرة على المواقع الأميركية من هذه المنطقة،
فتحوّلت إلى ساحة للتنافس الإقليمي الأوسع بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.