
الرواية اليابانية (شرطة الذاكرة) (The Memory Police) للكاتبة اليابانية يوكو أوغاوا، تُعد من أبرز الروايات التي تمزج بين الغرابة، والحنين، والرعب الهادئ.
نُشرت لأول مرة عام 1994 باليابانية، وترجمت إلى الإنجليزية عام 2019 (The Memory Police)
ثانيًا : الموجز
تدور أحداث الرواية على جزيرة معزولة، لا يُذكر اسمها، تحدث فيها ظاهرة غريبة: تبدأ أشياء معينة بـ”الاختفاء” من الذاكرة الجمعية لسكان الجزيرة، ثم تختفي فعليًا من الحياة.
مثلًا، قد تُنسى الطيور، أو العطور، أو القبعات، أو حتى الكتب.
وعندما يُنسى شيء ما، تفقد الناس علاقتها العاطفية والمادية به.
أما أولئك القادرون على التذكر، فيُلاحقون من قبل “شرطة الذاكرة”، وهي قوة غامضة تقوم بترهيب الناس ومحو أي أثر للذاكرة المحظورة.
ثالثًا: الشخصيات الرئيسية
الراوية (الاسم غير معروف): روائية تعيش على الجزيرة وتحاول الكتابة في عالم يفقد معناه تدريجيًا.
محررها الذي لا يفقد ذاكرته، فتخفيه الراوية في بيتها هربًا من شرطة الذاكرة.
العجوز (الناجون): أحد الشخصيات التي تساعد الراوية وتمنحها بعض الدفء الإنساني.
رابعًا: التحليل الرمزي والفلسفي
- النسيان كموت بطيء:
تستكشف الرواية فكرة أن النسيان هو شكل من أشكال الموت، ولكن بطريقة صامتة.
الناس لا يشعرون بأنهم يفقدون شيئًا مهمًا، لأن قدرتهم على التذكر قد تم انتزاعها منهم. فهم يتكيفون مع النقص ولا يحاولون المقاومة.
- شرطة الذاكرة كرمز للأنظمة القمعية:
تمثل “شرطة الذاكرة” السلطة التي لا تكتفي بالتحكم في الحاضر، بل تريد السيطرة على الماضي والوعي الجمعي. هذا إسقاط واضح على الأنظمة الشمولية التي تسعى لمحو التاريخ وفرض سرديات جديدة.
- الكتابة كفعل مقاومة:
الراوية التي تكتب في الخفاء، رغم محو كل شيء، تمثل قوة الأدب والفن كأدوات للبقاء والتحدي.
هي تحاول الحفاظ على المعنى في عالم يرفض المعنى.
- الهوية والذاكرة:
تطرح الرواية سؤالًا وجوديًا عميقًا:
من نكون إذا تم محو ذاكرتنا؟ هل يمكن أن نستمر كبشر دون ماضٍ؟
كل شيء في الرواية يبدأ بالزوال، من الأشياء الصغيرة إلى المفاهيم الكبرى كالحب، وحتى الجسد نفسه يُمحى بالتدريج، مما يجعل النهاية تحمل طابعًا سرياليًا ومؤلمًا.
خامسًا: أسلوب الكتابة
هادئ ومقتصد: تستخدم أوغاوا لغة بسيطة وعميقة، خالية من الانفعالات.
رمزي أكثر من مباشر: الأحداث لا تُشرح، بل تُلمّح، ما يعطي القارئ حرية التفسير.
مناخ خانق: تشبه الرواية كابوسًا هادئًا. لا توجد مشاهد عنف فاقعة، بل خوف يتسلل بهدوء.
سادسًا: نهاية الرواية
تزداد حالات الاختفاء إلى أن تبدأ أجساد الناس بالزوال رويدًا رويدًا.
تستمر الراوية بالكتابة حتى اللحظة الأخيرة، كما لو كانت تؤمن بأن الكلمة هي آخر حصن أمام الانهيار.
النهاية غامضة، حزينة، وشبه صوفية — تُركت مفتوحة لتأويل القارئ: هل اختفى كل شيء؟ أم أن هناك بذرة نجت في الخفاء؟
سابعًا: مقارنة مع أدب ديستوبي آخر
تشبه الرواية اعمال جورج أورويل (“1984”) وكافكا في أجوائها العبثية الباردة.
لكنها تختلف في انها أكثر شاعرية وتأملا، وأقل مباشرة في الهجوم على السلطة.
ثامنا : الرسالة الكلية
لا يمكن تأطير رواية {شرطة الذاكرة} في بوتقة فقدان الذاكرة فقط بل هي تتجاوز ذلك بكثير إذ تتحدث وتتوغل في فقدان القدرة على الحب، على المقاومة، على التذكر، وبالتالي على أن تكون إنسانًا.
تقول الرواية إن النسيان قد لا يكون سهلًا، لكنه مريح، والأنظمة تفضل شعوبًا مرتاحة على شعوب واعية.
سؤال يتأجج عن الانتهاء من القراءة:
هل النسيان نعمة أم نقمة؟
الجواب باختصار:-
النسيان نعمة عندما يحمينا،
ونقمة عندما يُفرض علينا أو يسلبنا جذورنا.
هو كالنار: تطهو الطعام وتحرق البيوت. قيمته تعتمد على السياق والغاية.
لكن.. أحيانًا لا نريد أن ننسى، حتى وإن تألمنا،، لأن النسيان في هذه الحالة يعني فقدان جزء ثمين من الحياة كما في حالة نسيان من نحب.