الأمة الثقافية

صدور الترجمة العربية لكتاب “فرقة العمال المصرية”

يروي كتاب “فرقة العمال المصرية” القصة المنسية لأكثر من نصف مليون فلاح مصري في فرقة العمال المصرية، الذين قتل ومات منهم ما لا يقل عن 20 ألفا، تم اختطافهم وإجبارهم على السخرة ليشتغلوا عمالا عسكريين أثناء الحرب العالمية الأولى، ويقوموا بمهام الشحن والتفريغ على أرصفة فرنسا وإيطاليا، وحفروا الخنادق في غاليبولي، وساقوا الجمال المحملة بالمؤن في صحاري ليبيا والسودان وسيناء، وأدّوا دورا شرطيا لفرض النظام بين سكان بغداد المحتلة، ومثّلوا أغلب قوات العمال العسكرية أثناء التقدم عبر فلسطين ونحو سوريا، التي كانت ثاني أكبر مسرح للحرب. وأنشأت الفرقة المصرية مئات الأميال من خطوط السكك الحديدية وأنابيب المياه الواصلة بين مصر وفلسطين، والتي أصبحت أساس البنية التحتية للإمبراطورية البريطانية في المنطقة.

والكتاب في مجمله سيرة تاريخية أراد المؤلف من خلالها أن يكشف عن الوجه العنصري القبيح للاستعمار، إذ يجرد العمال من إنسانيتهم ومن حقوقهم، ويعدّهم من الحيوانات، ولا يسجل أسماءهم عندما يموتون أو يعودون إلى بلدانهم بعاهات مستديمة وقلوب منكسرة.

يقول الباحث والمؤرخ ” نت كايل أندرسون”: كان اهتمامي بوصفي مؤرخا بالتفصيلات الصغيرة للمهمشين من الشعوب، واخترت أن أكتب عن الناس في مصر خلال ثورة 1919، وخلال البحث في الأرشيفات العالمية في لندن وباريس والقاهرة ونيويورك، أثارت اهتمامي تفصيلات كثيرة عن فرقة العمال المصرية خلال الحرب العالمية الأولى، وكان معظمهم من الفلاحين ومن القرى، استطعت من خلالها أن أوثق هذه التجربة الإنسانية المنسية، حيث لم يكن للكتاب والقراء الناطقين بالإنجليزية اهتمام يذكر بقصص رجال غير بيض يعملون وراء خطوط الجبهة.

وأردت من خلال ذلك أيضا أن أفضح العنصرية الغربية، وأن أكشف عن الأسماء الحقيقية للعمال المصريين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى لتعويضهم عمّا لقوه من أذى ومن إصابات، فضلا عن تعويض الذين ماتوا وقتلوا غيلة وغدرًا أثناء قيامهم بمهامهم في أوروبا وغيرها من البلاد، لمجرد أنهم كانوا يطالبون بحسن المعاملة وتحسين ظروفهم المعيشية، فكان يتم الاعتداء عليهم مباشرة بالرصاص الحي. وأستطيع أن أؤكد أن عدد القتلى والموتى بين العمال خلال الحرب لا يقل عن 20 ألف مصري، قُتِل ومات منهم عدد كبير في الغرب وفلسطين.

ولن نستطيع تحديد الأسماء أو على الأقل معظم هذه الأسماء دون الاطلاع على أوراق الحرب العالمية الأولى التي بحوزة دار الوثائق القومية المصرية، والتي حاولتُ الحصول على موافقة للاطلاع عليها، ولكن محاولاتي باءت بالفشل، ولا يمكن أن يكون البحث عن حقيقة ما جرى في الحرب العالمية الأولى لمعرفة أسماء وحقوق العمال المصريين الذين ماتوا في تلك الحرب أمرا يتنافى مع الأمن القومي المصري.

والذي لا يعرفه الجميع أن مرتبات العمال المصريين كانت تدفعها الحكومة المصرية في ظل الاحتلال البريطاني، وأن الحكومة المصرية تنازلت عن جزء كبير من المديونية البريطانية بسبب ضغط قوات الاحتلال.

استغرق البحث حوالي 4 سنوات، وساعدني كثيرا الاطلاع على الملفات الخاصة بموضوع البحث في الأرشيف البريطاني، حيث استطعت تصوير ما لا يقل عن 30 ألف صفحة خلال صيف واحد عام 2014، حيث يسمح بالتصوير المباشر بالكاميرا، في حين يمنع ذلك في مصر، مما يتطلب مني وقتا كبيرا للكتابة خلال الاطلاع.

وجمعت نصوصا كثيرة ومعلومات عن فرقة العمال المصرية، وأيضا استطعت أن أحصل من “المتحف الإمبريالي للحرب” في لندن على أشياء كثيرة، وجمعت عددا كبيرا من الرسائل لضباط بريطانيين كان موضوعها فرقة العمال المصرية، وتجمعت لدي معلومات كثيرة وصور أيضا.

في مصر استطعت من خلال قراءة الإصدارات المصرية من الصحف والمجلات التي كانت تصدر خلال الحرب مثل “المقطم” و”الأفكار” و”الأهالي”، وفي مكتبة الجامعة الأميركية بالتجمع الخامس قرأت مقالات عن العمال في صحف “الأهرام” و”إجيبشيان جازيت” و”المصور” و”روزاليوسف”، وفي مجلة “روز اليوسف” قرأت مذكرات الشيخ عبد الحميد عن فرقة العمال في أوروبا وفلسطين خلال الحرب الأولى.

من ناحية أخرى، كانت المساعدات كبيرة من المؤرخين والمثقفين المصريين الذين مدّوني بمعلومات مهمة عن الأغاني والفولكلور الذي صاحب أعمال الفرقة المصرية خلال تنقلهم من مكان لآخر، مثل عالية مسلم وليلى سليمان.

وفي باريس ذهبت للاطلاع على الأرشيف الفرنسي، خاصة أرشيف جمعية الشبان المسيحيين، ولهم فرع الآن بالقرب من الأزبكية في القاهرة.

المذكرات يكتبها الأشخاص عن تجربتهم، ولن نجزم بأن المعلومات لا يملكها إلا البريطانيون، والفارق الوحيد أنها عند البريطانيين يسهل الاطلاع عليها، أما المصريون فليس من السهل الاطلاع على وثائقهم القديمة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أعتقد أن العمال المصريين كانوا أميين لا يعرفون القراءة والكتابة، ولم يذهب العمال الفلاحون للتعلم في الكُتاب بالقرى، ولم يكن التعليم متاحا إلا لأبناء النخبة.

ولهذا كان اعتمادي على الأغاني والروايات الشفهية والأفلام والحكايات، منها كتابات المثقف المصري اليساري عصمت سيف الدولة المحامي، الذي جمع بعض الحكايات في كتاب “مذكرات قرية مشايخ جبل البداري”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى