أقلام حرة

حشاني زغيدي يكتب: غاية الأدب والفنون

أرى أن أكبر احتقار حين يحتقر صاحب صنعة الأدب والفنون ذاته، بل حين يحتقر إمكاناته ومواهبه، حين يحتقر قدراته وعطاءاته، وهذا لا يعني في اعتقادي أن يركبه الغرور وجنون العظمة، فيضع نفسه خارج دائرة التمحيص والنقد العلمي، وسرّ كل نجاح أن نُكسِر الكبر والغرور داخلنا.

فغير المقبول في الإبداع الأدبي والعلمي؛ أن ترفع رداءة المنتج الأدبي أو الفني أو العلمي إلى قمم الإبداع والتّميز، وحقيقة ذلك المنتج لا يحمل بصمة الإبداع، بل ترى كل موازين التقييم ومعايير الانتقاء ترفضه، وبل تجده فاقد لمقومات وجوده، تجده يعكر الذوق والإحساس الفني بالجمال، بل تراه يقفز على الأعمال المبدعة قفزا؛ فيجني ثمارا ليست له، المؤسف أننا نرى أدوار لجان التقييم تهاوت حين تزكي أعمالا لا ترتقي لمستوى الأدب والذوق ولا الجمال، حتى أن المنتج لا يحمل هدفا ورسالة، فإن أكبر رقي لذلك المنتج أنه جسّد القيم المادية الحسية الرخيصة في أحطّ صورها، واصفا الحس المادي، واصفا ما يخدش الذوق والأعراف الإنسانية للمجتمعات، في خروج صارح عن غايات وأبعاد رسالة الأدب وقيمه الرسالية.

إن غاية الأدب والفنون دائما تلامس أبعاد الجمال، تلامس جوهر الجمال الحقيقي، بعيدا عن جمال الحسّ أو المظهر المخدوش، إن هدف الأدب الرّاقي في غاياته بعث روح اليقظة والحركة والترويح، أن هدف الأدب بكل فنونه أن يعيش تصوير واقع الناس آمالا وآلاما، فيصور الحياة الشّعورية في تفاعل مع الحياة، لا يختزله لتحريك النزوات والشهوات الرخيصة..

في أحيان كثيرة، يصاب أمثالي المغص، حين نصفق لأعمال لا ترقى أن تكون مشاريع تستحق الاحتفاء، قد يصنفها أهل الاختصاص من النقاد والأكاديميين والباحثين في رتب الفن الرخيص والفن المأجور، الذي لا يستحق أن تصنع له الأوسمة والنياشين.

في اعتقادي أن السّقوط الحرّ في الأدب والفنون؛ حين توزن الأعمال الكتاب والفنانين بموازين ذاتية لا تحترم معايير النقد العلمي المتخصص، الذي يفرض أن يوضع له مخابر تدقيق علمي رصين، حتى يكون الوزن حقيقيا، يكون التقييم حقيقيا، فلا يبخس حقّ الأعمال الجيدة حقها، فيعطى لكل ذي حق حقه.

إن المعيار الحقيقي للفن والأدب الرّسالي الهادف أن يوزن بنبل قصده، حين يكون له أثر، يحمل صلاحيات الديمومة والبقاء، وحين يكون له رسالة وغاية، فإن مثل هذا المنتج الأدبي والإبداعي يعمر ويكتب له أحقية الاستمرار.

حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights