عبد العليم شداد يكتب: الإسلام.. والـ 73 فرقة
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
هذا الحديث قوي الدلالة شديد التحذير فهل ينبغي علينا أن نبتعد عن جماعات المسلمين واحزابهم ايثارا للسلامة، مع العلم بأنه ومما لا خلاف عليه أن دين الإسلام هو دين الاجتماع والالفة بلا منازع، فقد جاء ألأمر بالجماعة والتعاون علي اعمال الخير في الكثير من آيات القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، ويتجلى الحث على الجماعة في الكثير من العبادات التي فرضها الله تعالى علي المسلمين، فالصلاة أمر نبي الله تعالى ان تؤدى في جماعة (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)،
وصلاة الجمعة لا تقوم الا بجماعة، وقد جاءت الأوامر الصريحة بالجماعة كما في الحديث (عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية)، وعظم الإسلام صلة الرحم وحرم قطعها فهي أمر للاجتماع والجماعة، فالمسلم يعيش في جماعة اينما حل، فهو في مكان سكنه علي صلة بجيرانه، وفي مكان عمله ودراسته مأمور بحسن الصلة مع زملائه، فالمسلم طيب النفس يألف ويؤلف يجتمع دائما مع الجماعة التي تعينه علي دينه ودنياه وتساعده علي التقرب من ربه وذلك بما يتناسب مع مقدراته ومواهبه وما يسره الله تعالي له ووفقه للسير فيه، فإن كان من أهل القران وحفظه وتجويده ودراسته كان مع جماعة الحفظ والتجويد والدراسة، وان كان من الذين يسر الله تعالي عليهم فهم سنة رسوله والعمل بها ونشرها بين الناس كان مع أهل السنة في جماعتهم، وجماعات المسلمين كثيرة تتسع لتشمل جميع أبواب الخير، فالجماعة التي تتفرغ لرعاية المرضي وتيسير احتياجاتهم من علاج ودواء هي في باب من أبواب الخير، والجماعة التي تجتمع لرعاية الفقراء أو الايتام أو لنظافة الشوارع هي على خير كذلك، فهي كلها جماعات طيبة ينتفع بها الناس وبها ينفعون بعضهم البعض، والذي يجب أن يربط المسلمين بالجماعة التي ينتمون اليها هو (محبتهم لله تعالي ومحبتهم لرسوله ومحبتهم لبعضهم البعض)، وأعظم محبة عند المسلم هي محبة الله، فالله تعالي احب اليه من كل شيء واعظم من كل شيء.
تصبح الجماعة مذمومة عندما تتحول الي (فرقة)، وتتحول الجماعة الى فرقة عند التعصب لها وعندما يصبح ولاء افرادها لها ولتعاليمها وليس لله تعالي ولرسوله فيرفضون الواضح الصحيح من كلام الله تعالي وحديث رسوله ويصبح همهم هو الدفاع عن فرقتهم بكل ما اوتوا من حجة ومنطق فيعادون كل مسلم ينتقص من فرقتهم وربما يصل الامر بهم الى قتل الناس دفاعا عن فرقتهم زودا عنها ورفعة لشأنها، فعصبية الفرقة تجمد العقل وتمنع التعلم الصحيح، فالأنسان يخرج من بطن امه وهو لا يعلم شيئا ثم يظل يتعلم ويتعلم ويبحث عن العلم النافع طوال حياته أما أصحاب الفرق فعقولهم مغلقة لا تقبل الا ما وجدوه عند زعماء فرقتهم، ولهذا فقد نهي الإسلام وحذر من اتخاذ الفرق أشد التحذير على نحو ما تقدم في الحديث الذي يحذر الامة من الافتراق الى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة هي التي ما كان عليها رسول الله واصحابه، فما كان عليه رسول الله واصحابه أن ولاؤهم لله تعالي ولرسوله ما امرهم به أتوا منه ما استطاعوا وما نهاهم عنه تركوه، وحتي المذاهب الأربعة المعروفة التي بقيت وحفظت وحررت بين المسلمين قد نبه علماء المسلمين الي انه (مع جواز) الانتساب والتمذهب بأي منها الا أنه لا يجوز للمسلم ان يتعصب لها، فالواجب عليه أن يأخذ ما كان صوابا في مذهبه وما علم أنه خطأ فلا يجوز له العمل به، فحيثما ظهر له القول الراجح وجب عليه الأخذ به سواء كان في مذهبه الذي ينتسب إليه أو في مذهب آخر، لأن من وضح له امر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يتركه لقول أحد، ولكن اليوم نجد من المسلمين من جعل بالتعصب من مذهب الامام مالك مثلا (فرقة المالكية)،ذ ونجد أن من بين الجماعات السلفية من جعل من السلفية (فرقة)، والحقيقة أن الكثير من الجماعات الإسلامية التي كانت طيبة عند نشأتها أتى من داخلها من حولها الي فرق إسلامية.
ان الفرقة ينتج عنها التقاطع والتناحر وانفصام الصف الواحد، وقد حذر الإسلام من ذلك ودعا إلى توحيد الصف وجعل ذلك من قواعد الدين العظام، وأموره الجسام، فقد أوجب ائتلاف أهل الإسلام، ونهي عن تفرقهم، فيجب السعي إلى تحقيق هذا الأصل والعمل على الوصول اليه ما أمكن. وذلك مما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه ومن ذلك قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) وعن قتادة في معنى قوله تعالى (ولا تفرقوا) أنه قال (إن الله عز وجل، قد كره لكم الفُرقة وقدم إليكم فيها، وحذركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة، والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضي الله لكم إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله)، كما ان قوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) قد دل على مبدأ التآخي بين المسلمين، لما لهذا التآخي من عظيم الأثر في وحدتهم وتعاونهم وتساعدهم، وهو الثمرة الجنية العملية للحب في الله. ومن الاحاديث التي تأمر بالائتلاف والاعتصام بحبل الله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال (إن الله يرضى لكم ثلاثاُ: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تُناصحوا من ولاّه الله أمركم)، ومن أشد الاحاديث التي تنهي عن التعصب والعصبية التي ينتج عنها الفرقة والتفرق قوله صلى الله عليه وسلم (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل؛ فقتله جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده؛ فليس مني ولستُ منه)
ختاما ينبغي أن ننتبه لان الكثير من الفرق الإسلامية ذات الأصل الطيب بها أشخاص صالحون ينتمون اليها بلا عصبية وانما انتماؤهم لتلك الفرق والجماعات طلبا ومحبة للخير وحيثما وضح لهم أمر الله ورسوله فهم أهله المتبعون له وفي ظني أن هؤلاء هم الفرقة الناجية الذين عناهم رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث، فليس بالضرورة أن تكون الفرقة الناجية هي جماعة باسمها، بل يمكن ان يكونوا مسلمين موزعين في كل جماعات المسلمين وولاؤهم ومحبتهم هي لله ورسوله لا الى غيره من الفرق والجماعات.
وأخيرا نرجو ان نكون قد وفقنا في شرح وتناول هذه المسألة المهمة والخطيرة ونختم بقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب حين تحدث عنها وقال: (فهذه المسألة من أجل المسائل فمن فهمها فهو الفقيه ومن عمل بها فهو المسلم، فنسأل الله الكريم المنان أن يتفضل علينا بفهمها والعمل بها).