بحوث ودراسات

عبد العليم شداد يكتب: هيا بنا نعرف رسول الله ﷺ (2)

وصف شكله ﷺ

كان رسول الله ﷺ في شكله حسن الجسم إذ لم يكن ضعيفا ولا سمينا فكما وصفته أم معبد (حسن الخلق لم تعبه ثجلة) أي ليس له (كرش) وقد ذم صلوات الله وسلامه عليه التسمن وزيادة الوزن كما في الحديث (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُونَ وَيُحِبُّونَ السِّمَنَ)- (سنن الترمذي) وقد ذكر أهل العلم أن المراد بذلك (الذين يعتنون بأسباب السمن من المطاعم والمشارب والترف، فيكون همهم إصلاح أبدانهم وتسمينها أما السمن الذي لا اختيار للإنسان فيه، فلا يذم عليه، كما لا يذم الإنسان على كونه طويلاً أو قصيراً أو أسود أو أبيض، لكن يذم على شيء يكون هو السبب فيه)،

وقد ثبت أن رسول الله قد اكتسب شيئا من الوزن في آخر عمره كما في الحديث (إِنِّي قَدْ بَدنْتُ، فَإِذَا رَكَعْتُ فَارْكَعُوا.. الخ) وعن أُمّ قَيْسٍ بِنْت مِحْصَنٍ، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ، اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ). وكان رسول الله ﷺ معتدلا في طوله (كان ربعه من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير-البخاري) ورجلٌ ربعه أو مَرْبُوع أي ليس طويلاً ولا قصيراً، فهو معتدل الطول وهو الطول الذي إن وقف بجانبه الشخص القصير لم يشعر بالحرج لقصره وان وقف بجانبه الطويل لم يشعر بالعلو لطوله فكما ورد أنه لم تكن تشنؤه عين من طول (لا يٌبغض لفرط طوله)، ولا تقتحمه عين من قِصر (لا تتجاوزه إلى غيره ازدراء له وإعراضا).

وكان رسول الله ﷺ (بعيد ما بين المنكبين) أي عريض أعلى الظهر او عريض الكتفين، كما أنه كان (ضخم الكراديس) أي واسع العظام عند المفاصل وهو ما يشير إلى بنية جسمانية معتدلة قوية، ولتقريب الفهم فبالنظر إلى الأوصاف الواردة ومن ثم النظر إلى تقسيمات خبراء الأجسام المعاصرين الذين يقسمون الأجسام البشرية الى ثلاثة أنواع ولكل منها خصائصه وشكله ومواصفاته أولها الجسم النحيل Ectomorph ومواصفاته أنه ضيق الكتفين والحوض ولصاحبه وجه رفيع وأذرع وأرجل رفيعة ويكون ضيق الصدر والوسط وصاحبه قليل الشحم في  الجسم، ثانيا الجسم باطني البنية Endomorph ويكون لصاحبه خصر عريض مع اكتاف ضيقة ويحمل صاحبه الكثير من الدهون في جميع أنحاء جسمه بما في ذلك الفخذين والأذرع ويكسب صاحبه الوزن بسرعة ويفقده ببطء، أما الجسم المثالي والذي يتطابق مع الأوصاف الواردة عن رسول الله ﷺ فهو الذي يسمى بالجسم معتدل البنية Mesomorph ومواصفاته العامة رأس كبيرة، أكتاف عريضة وسط ضيق، جسم عضلي مع أذرع وأفخاذ قوية، جزع طويل مع صدر عريض وتناسب جميل بين الكتف والوسط.

كان لون بشرة رسول الله ﷺ هو الأبيض المشرب بالحمرة أو هي (البشرة البيضاء المحمرة) او هو (اللون الأزهر) كما جاء في الحديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مشربًا بياضه بحمرة) وورد أيضا (كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا آدم. رواه البخاري ومسلم)، (كان أزهر اللون – البخاري)، والبشرة البيضاء المحمرة بلا شك هي درجة جميلة من درجات اللون البشري وكل ألوان البشر جميلة ولكن هي من الدرجات التي تعكس جودة النظام الغذائي لصاحبها من عدمه، فإذا كان نظاما فقيرا سيئ التغذية فستكون بشرة باهتة سيئة تؤثر عليها أشعة الشمس فتصبح المناطق المعرضة للشمس كالوجه والأذرع بلون وبقية الجسم بلون مختلف وهذا ما لم يكن عند رسول الله فقد كان وجهه مثل القمر من حسنه وبهائه، وهذا بخلاف البشرة البنية الداكنة أو البشرة السوداء إذ من الصعب أن تظهر عليها آثار سوء التغذية ورداءة النظام الغذائي، فكأنما يريد الله تعالى ان يعلمنا أن نتبع هديه صلوات الله وسلامه عليه في طعامه وشرابه ونومه حتى نكتسب تمام الصحة والعافية، فحتى نوم رسولنا فمع قيامه الدائم لساعات من الليل كل يوم فقد كان في أتم الصحة وأفضل حال، واليوم أصبحنا ندرك أن هناك فرق بين (كمية النوم) و(جودة النوم )، فالنوم الجيد ولو كانت مدته قصيرة يتفوق على النوم غير الجيد ولو كان لفترة طويلة، أما أجسامنا اليوم التي تعاني من تراكم السموم بسبب الأطعمة غير الصحية فقد أصبحت تحتاج للكثير من ساعات النوم حتى تتخلص من التعب وحتى يتمكن الجسم من إصلاح نفسه.

أما وصف شكل وجهه ﷺ فكما جاء في وصف أم معبد له أنه كان (وسيما قسيما)، وهو ما يتوافق مع جميع الروايات الواردة في ذلك، وقد روى الترمذي من حديث أنس ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجها، وأحسنهم صوتا) وعن البراء بن مالك رضى الله عنه قال (كان رسول الله ﷺ أحسن الناس وجها) وقد لخصت أم بعد ذلك في قولها (رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق)، وأبلج الوجه أي وضي مشرق الوجه والوضاءة هي صفة من أهم صفات الجمال وهي التي تبعث الراحة في النفوس فالوجه الوضيء هو وجه مشرق ظاهر الحسن والجمال وهو الوجه الذي إن نظرت إليه شعرت بالراحة والفرح، أما عن شكل وجهه ﷺ فقد جاء في وصف البراء بن مالك عندما سئل (أكان وجه النبي ﷺ مثل السيف، قال: لا، بل مثل القمر)،  وهذا يحتاج الى تفصيل فالوصف المذكور لا علاقة له بشكل الوجه الذي يسمى اليوم طبيا بـ(وجه القمر moon face) وهو الذي ينتج عندما تتراكم الدهون حول الفك والذقن ومنطقة الرقبة والخدين، وعموما فإن طريقة وصف أشكال الوجوه تتغير من زمان إلى زمان ففي زمن قسمها بعضهم اثنين ومنهم من قسمها إلى أربع وبعضهم إلى تسعة، والشائع اليوم تقسيمها إلى سبعة أشكال هي (المستطيل، الدائري، البيضاوي، شكل القلب، الوجه الماسي، المثلث، والمربع)، فالواضح أن وجهه ﷺ كان معتدلا في طوله وعرضه ووصف الوجه بالقمر في الشعر والأمثال العربية ارتبط بالحسن والجمال، يضاف إلى ذلك أن فمه صلوات الله وسلامه عليه لم يكن صغيرا دقيقا بل كان متسعا اتساعا يتناسب مع الوجه وحجم الرأس فرأسه عليه السلام لم يكن صغيرا (وَلَمْ تُزْرِ به صُعْلَةٌ – أي ليس به صغر في الرأس) بل كان كبيرا بما يتناسب مع عرض منكبيه، وكانت أسنانه بيضاء جميلة بين أسنانه الامامية فرجة (فلجة) كما في حديث ابن عباس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلج الثنيتين)، (وتعتبر الفلجة بين الأسنان علامة من علامات الجمال اليوم)، يزين رأسه شعر جميل وكان يسدل شعره (أي ينزله على جبهته) مخالفة للمشركين وموافقة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى ثم أصبح يفرقه على الجانبين بعد أن أسلم الكثير من المشركين، وكان يتعهد شعره بالعناية والرعاية ويسرحه ويدهنه بالزيت وقد أمر بالادهان بزيت الزيتون، ولم يكن اهتمامه بشعره مبالغا فيه فقد نهى عن كثرة الترجل (تسريح الشعر) كما في حديث عبدالله بن مغفل (أن النبي صلى الله عليه وسلم -نهى عن الترجّل إلا غبّا- أي بين الحين والآخر)، وكان رسول الله يغطي رأسه بعمامة بيضاء وتحت العمامة قلنسوة بيضاء (طاقية)، كما كانت له عمامة خضراء وسوداء (يوم فتح مكة كانت عليه عمامة سوداء)، وكان يلبس القلنسوة (الطاقية) بغير عمامة، ويلبس العمامة أحيانا بغير قلنسوة (طاقية)، وكان إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه كما رواه (مسلم في صحيحه)، وقال ابن القيم (لم تكن عمامته صلى الله عليه وسلم  كبيرة يؤذي الرأس حملها، ولا صغيرة تقصر عن وقاية الرأس، بل كانت وسطًا بين ذلك، وخير الأمور الوسط).

أما وصف عينيه فكانت سوداء كبيرة سوادها شديد السواد وبياضها شديد البياض (في عينيه دعج.. أحور) وكانت في عينيه عروق حمراء رقيقة (مشرب العين بحمرة -حديث علي رضي- الله عنه)، وكان في جفون عينيه سواد يظن من ينظر إليه كانه كحل (أكحل العينين وليس بأكحل حديث جابر بن سمرة)، وقد اكتحل رسول الله وأمر بالاكتحال لما فيه من صحة للعين وحفاظا عليها، يقول ابن عثيمين (الاكتحال نوعان: أحدهما اكتحال لتقوية البصر وجلاء الغشاوة من العين وتنظيفها وتطهيرها بدون أن يكون له جمال، فهذا لا باس به، بل إنه مما ينبغي فعله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل في عينيه، ولا سيما إذا كان بالإثمد الأصلي.

ومنها ما يقصد به الجمال والزينة، فهذا مطلوب للنساء؛ لأن المرأة مطلوب منها أن تتجمل لزوجها،)، أما شكل رموش عينيه فقد كانت سوداء جميلة، يعلوها حاجبين طويلين دقيقين ممتدين بينهما مسافة كما في حديث هند بن أبي هالة (سوابغ في غير قرن) وحديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه البيهقي في الدلائل، قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزج الحاجبين، سابغهما من غير قرن بينهما، وكان أبلج ما بين الحاجبين، حتى كأن ما بينهما الفضة المخلصة..). وقد زينت وجه رسول الله لحية جميلة عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. كَثَّ اللِّحْيَة)، روى الطبراني (كان حسن السبلة..  أي اللحية) والكثاثة تعني غزارة الشعر والتِفَافَه مِن غير طول، وكان شاربه طبيعيا على الفطرة يقص ما زاد منه (حف الشارب)، والى حين وفاته لم يزد الشيب في شعر رأسه عن عشرين شعرة.

كان صلى الله عليه وسلم أنظف خلق الله تعالى بدناً، وثوباً، وبيتاً، ومجلساً، فلقد كان بدنه الشريف نظيفاً وضيئاً. عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال (مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فهو صلى الله عليه وسلَّم كان أنظف خلق الله بدناً، وأنقاهم ثوباً، وكان صلى الله عليه وسلَّم يعتني بنظافة فمه، ويُكثر من استخدام السواك، حال إفطاره وصومه، وعند وضوئه أو صلاته، وعند استيقاظه من نومه، وحين دخوله لمنزله، حتى في لحظاته الأخيرة أمر أم المؤمنين عائشة أن تأتيه بالسواك ، ليلقى ربّه بأطيب رائحة. وكان دائما طيب الرائحة نظيف البدن والثياب فكما جاء في البخاري عن جابر (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه) وكان أحب ألوان الثياب إليه -الثياب البيضاء- فكان يؤثرها على غيرها من الثياب، قال صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم) رواه الترمذي، وقد ارتدى ملابس مصبوغة بالزعفران ونهى ان يلبس الرجل لبس المرأة وان تلبس المرأة لبس الرجل ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل) رواه أبو داود. واتخذ صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة، وكان يضعه في خنصر يده اليسرى، وتارة يضعه في يده اليمنى وقد اتخذه ختما ليختم به الرسائل التي كان يُرسلها إلى الملوك والأمراء.. اللهم صل على محمد وعلى أله وصحبه وسلم.

ونواصل …

*تنبيه واجب: ورد في الجزء الأول من هذه المقالة سهوا أن قريش من العرب العاربة والصحيح ان قريش من العرب المستعربة وهو ما يشير اليه السياق انف الذكر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى