السبت أكتوبر 26, 2024
الشاعر محمود شحاتة الأمة الثقافية

“في وادي الصقور”.. شعر: محمود شحاتة

مشاركة:

عِش كالصُّقورِ على ذُرَى الأوكارِ .. مُترَفِّعًا مِثلَ النَّسيمِ السَّاري

ترنو إلى سَقطِ المَتاعِ وما بِهِ .. من حَسرةٍ ومَذلَّةٍ وإسارِ

لو تعلم الغربان آخر أمرها .. لم تُلق أعيُنَهَا إلى الأغوارِ

وإذا رأيت الموتَ أقبل كالحًا .. فاصبر لهَولِ المَوتِ كالأشجارِ

واترك وراءك كُلَّ من أَلِفَ الدُّجَى .. وارتاب من صُبحٍ وضَوءِ نَهَارِ

شَهِدَ العدُوُّ بأنَّ عزمَك صَادقٌ .. والدَّهرُ، أنك كالهِزَبرِ الضَّاري

لم تَسْبِكَ الدنيا وقد عاينتَها .. ما بين ذُلٍّ شَائنٍ وصَغَارِ

بذلوا له الأموالَ وهي كثيرةٌ .. والأصفرَ الرَّنانَ بالقِنطارِ

مثلُ العَبيدِ تَكادُ تُبصرُ دَمعَهُم .. يتصَنَّعونَ حَمِيَّةَ الأحرارِ

سِرٌّ بدا لك في الجهادِ وحُسنِهِ .. والنفسُ تَعشَقُ غَامضَ الأسرارِ

فرأيتَ من آلائِهِ وصِفاتِهِ .. ما كان مَحجوبًا عن الأبصارِ

خَوَرٌ أصَابَ النَّاسَ بعد زَوالِهِ .. وسَقامُهُ قد دبَّ في الأقطارِ

لا يُطبَعُ السَّيفُ الصَّقيلُ مُهنَّداً .. حتى يمرَّ على لَهيبِ النارِ

إن الشدائدَ لا تزالُ حَكيمةً .. تُهدي النفوسَ جَواهرَ الأعمارِ

كم نالت الأيامُ منك ولم تزل .. كالطَّودِ ، ما نالته من عَمَّارِ

كم بين (مؤتة) والحِصارُ يلفهم .. وكتائبُ القسَّام من أخبارِ

دمُكَ المُطهَّرُ قد أضاءَ لنا المَدَى .. كدماء زَيدٍ أو دَمِ الطَّيارِ

عشرون عامًا من حياتك قد مضَت .. رهنَ العذابِ وخلفَ ألفِ جدارِ

تشكو إلى الرحمن ما كابدتَ من .. بطشِ الجُنَاةِ وقِلَّةِ الأنصارِ

أرض الحقيقة ليس يسلك دربَها ..  إلى السُّراة إلى شفير هارِ

وبها يَحومُ الموتُ فوق رؤوسِهم .. وقنابلُ الفوسفورِ كالأمطارِ

ماضَرَّ من خذلوك أن فارقتَهم .. ومضَيتَ نحو الحُورِ والأنهارِ

وتركتَ خلفك سيرةً محمودةً .. مثلَ الأريجِ يَضوعُ من أزهارِ

من أجل عَاهرةٍ سَميكَ قد قَضَى .. وقضيتَ مَخذولاً من الفُجَّارِ

فعليك يايحيى سلامٌ عاطرٌ .. يسقى القلوبَ بوابلٍ مدرارِ

جَمَعَ السَّماحَةَ والجراءةَ والنَّدى .. وسَنَا النجومِ ورِفعةِ الأقمارِ

ما طافت الآسادُ في غاباتها .. إلا ذكرتُ شجاعةَ السنـ ـوارِ

لم يبك إلا الأتقياءُ أولو النُّهى .. السائرون على خُطى المختارِ

نامت عيونُ الغافلين ولم تنم .. عينُ الجريحِ الخائفِ المتواري

الجوعُ ينهشُ قلبَهُ وصِغارَهُ .. لهفي على مستضعفين صِغارِ

لا يملكون سوى الدُّموعِ سَخيًّة .. يترقبون مشيئةَ الأقدارِ

ماذا جنيتُ لكي أعيش مشردا .. وبأي ذنبٍ تُستباحُ دياري

عن أي مَوجَدةٍ أُلامُ على المَلا .. وأُسَبُّ جَهراً من شُيوخِ العَارِ

يا أُمَّةَ الإسلام هل من عَاقلٍ .. حتى يُبَيِّنَ للوَرَى أعذاري

إني ابتليتُ بكافرٍ يَغتالُني .. وبمُسلمٍ خلفي يُسيءُ جواري

لم يَبقَ لي إلا السَّماءُ تمدُّني .. بعزيمةِ القَعقَاعِ في الأخطارِ

وهُناكَ في الوادي البَعيدِ أئمَّةٌ .. تَرَفُ النَّعيمِ أحاطهُم بِوَقارِ

تركوا جِهادَ النفسِ ثمَّ تَفرَّغوا .. للفاتناتِ الشُّقرِ والأبكارِ

حتى غدا شَيخُ الشيوخِ حِكايَةً .. تُروَى لنا من ألسُنِ السُّمَّارِ

لم يَكفِهِ الجَاهُ العَريضُ وَمَا جَنَى .. من عَسجَدٍ وَجَواهرٍ وعَقَارِ

فدَعَا الوَرَى للفسقِ في بَطحائِهَا .. من غير مَغضَبَةٍ ولا إنكارِ

قل للحَجيجِ وقد تَعَاظَمَ جَمعُهُم .. يا أيُّها الجَمعُ الكَريمُ حَذارِ

من كافرٍ بالحَقِّ يَهتِكُ شَرعَكُم .. ويُعيدُ قِبلَتَكُم إلى الكُفَّارِ

ويَبيعُ مَكَّةَ والمقامَ وزمزمًا .. والرَّوضَةَ الفيحاءَ بالدينارِ

ويعودُ جَهرُكَ بالصَّلاةِ جَريمَةً .. فتمرُّ سِرًّا من أمَامِ الغَارِ

وغداً سَتلقَى أجرَ مَا قدَّمتَهُ .. وَعليكَ ما حُمِّلتَ من أوزارِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *