تداعيات قيادة مصر لقيادة القوات البحرية المشتركة لحماية البحر الأحمر

تولت مصر قيادة قوة المهام المشتركة 153 المعنية بالأمن الدولي في البحر الأحمر، في 7 أبريل 2025. بعد أن تسلمتها من البحرية الملكية الأسترالية، خلال حفل أقيم على متن سفينة الدعم البحري.
وقد تأسست قوة المهام المشتركة 153 رسميًا في 17 أبريل 2022 من قبل القوات البحرية المشتركة (CMF) لتعزيز الأمن البحري الدولي وبناء القدرات في هذه الممرات المائية الاستراتيجية.
تُعدّ قوات “سي أم أف ” بحسب دراسة لمركز أمد للدراسات السياسية نموذجا تنسيقيا متقدما يهدف إلى مراقبة البحار من الدول المشاركة في التحالف، ويتجمع نحو 46 دولة في إطار تنسيقي وهو إطار لا يفرض التزامات صارمة، لكنه يتيح للدول الكبرى إدارة الفضاءات البحرية الحساسة عبر شرعية متعددة الأطراف.
. ويقع مقر تحالف القوات البحرية في البحرين، تحت قيادة أميركية بريطانية، ويعمل التحالف على الحد من التهديدات الأمنية في عدد من المناطق البحرية الحيوية،
يجمع المقر بين العمليات الميدانية المباشرة وجهود بناء القدرات طويلة المدى، مما يعزز الأمن البحري الشامل في المناطق الأكثر استراتيجية حول العالم.
ويمنح التحالف مساحة للدول الإقليمية لممارسة أدوار قيادية فيه من خلال فرق العمل المتخصصة. وفي ظل التغيرات المتسارعة في البيئة الجيوسياسية العالمية،
وتبرز التحالفات متعددة الأطراف كوسيلة فعّالة لإدارة التهديدات العابرة للحدود والتنافس بين القوى الكبرى والتي تحتل القوات البحرية المشتركة موقعًا محوريًا لحماية الممرات البحرية الحيوية
. ويأتي تسلم مصر قيادة فرقة العمل المشتركة 153 التابعة لهذا التحالف في البحر الأحمر تأكيدا على موقع مصر في التحالف. وتنقسم القوات البحرية المشتركة إلى خمس فرق عمل متخصصة:
وتوزع مهام الفرقة 150 لمكافحة تهريب المخدرات والإرهاب في المياه خارج الخليج العربي فيما تعمل الفرقة 151 المتخصصة في مواجهة القرصنة قبالة السواحل الصومالية.
وتعمل الفرقة 152 على تعزيز الأمن البحري داخل الخليج العربي وكذلك تعني الفرقة 153 بأمن البحر الأحمر وهي الفرقة التي تسلمت مصر قيادتها
الفرقة 154 وهي فرقة لوجيستية تضطلع في مهام التدريب، حيث تعمل على تدريب القوات البحرية للشركاء الإقليميين.
يعكس هذا التوزيع الجغرافي تركيزا على منطقة الشرق الأوسط (الخليج العربي والبحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي)، وتهدف أمريكا وبريطانيا العمل على تأمين نطاق واسع من المياه يقدر بـ3.2 مليون ميل مربع.
ويشمل هذا التوسيع مضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس، وهي ممرات تمر عبرها النسبة الأكبر من التجارة والنفط في العالم. وبينما تُقدَّم هذه القوات كإطار لتعزيز “الأمن الجماعي”، فإنها عمليًا تمثل منصة لإدارة التنافس الجيوسياسي في نقاط الاختناق البحري، وعلى رأسها البحر الأحمر.
أما عن السياق الجيوسياسي للفرقة 153فيأتي في إطارالعمل على مستويين متكاملين: الأول احتواء التهديدات الصادرة من الجهات والتنظيمات شبه العسكرية عبر تقليص نطاق عمليات الحوثيين وتقويض انتشار جماعة الشباب، والثاني تعزيز الشراكات الإستراتيجية مع دول الممر مصر والسعودية لربط الأمن البحري بالمصالح الغربية بمنهجية غير تصادمية عبر تعزيز التنسيق والاندماج.
ولم يكن إنشاء فرقة العمل 153 عام 2022 مجرد رد فعل على الهجمات الحوثية أو تدهور الأمن البحري في البحر الأحمر، بل جاء كجزء من استراتيجية أوسع لمواجهة التنافس متعدد الأقطاب الذي تشهده المنطقة، حيث تتحرك قوى كبرى منافسة للغرب – مثل روسيا والصين وإيران – لملء الفراغات الاستراتيجية.
فمنذ أن أقامت الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي (2017) كذراع للحزام والطريق، بدأ التوازن التقليدي للقوى يتزعزع، خاصة مع تطلع بكين للسيطرة على مداخل البحر الأحمر المؤدية إلى قناة السويس، الشريان الحيوي للتجارة بين أوروبا وآسيا.
وفي المقابل، سعت روسيا لتعزيز نفوذها عبر مفاوضات لإنشاء قاعدة بحرية في السودان، وهو ما رأته واشنطن تهديداً مباشراً لمصالحها ومصالح حلف الناتو في أفريقيا والشرق الأوسط.

أما إيران، فاستخدمت دعمها للحوثيين في اليمن، ووصولها غير المباشر إلى السودان عبر تقديم الدعم العسكري، كأدوات لخلق نقاط ضغط تُمكّنها من تعطيل الملاحة الدولية عند الحاجة.
وخلقت هذه التحركات المُنسّقة للقوى الثلاث واقعاً جيوسياسياً جديداً، وتحوّل البحر الأحمر من منطقة هامشية إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين المحور الغربي ومحور موسكو-بكين-طهران، مما دفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى تحويل التهديد الأمني إلى فرصة استراتيجية عبر تأسيس تحالف بحري مرن يُعيد تركيز الهيمنة الغربية تحت غطاء الشرعية الدولية.
وتتحول الفرقة 153 إلى آلية استراتيجية لإعادة هندسة التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.
فعلى مستوى الاحتواء العسكري، تعمل الفرقة على سد الثغرات أمام التمدد الروسي-الصيني عبر تعزيز التعاون مع دول الممر، مثل مصر والسعودية، لتأمين القواعد والموانئ الحيوية، مما يحول دون تحولها إلى نقاط ارتكاز للقوى المنافسة.
على مستوى الدبلوماسية البحرية، تركّز فرقة العمل 153 على تفكيك الذرائع التي قد تستخدمها القوى المنافسة للتدخل في المنطقة، عبر تقليص التهديدات المتصاعدة، لتسحب البساط من تحت أقدام منافسيها الصين وروسيا والتي قد تبرر تعزيز وجودها العسكري في البحر الأحمر تحت حجة حماية الأمن البحري أو مكافحة القرصنة.
ويتجسد الدور المصري داخل هيكل قيادة “أس أم اف “تطورا في الاستراتيجية الأمريكية البحرية، فدمج مصر ذات العلاقات التاريخية مع روسيا في قيادة التحالف يُضعف احتمالية انزياحها نحو المحور المنافس، ويعزز شرعية العمليات الغربية في الإقليم.
وبهذا، تتحول الفرقة 153 إلى نموذج للهيمنة الإقليمية، حيث تُوظّف التهديدات الأمنية لتعزيز النفوذ الجيوسياسي، تحت غطاء تحالف متعدد الأطراف يُقدّم نفسه كضامن، بينما يعيد ترسيم حدود التنافس الاستراتيجي في واحدة من أكثر المناطق سخونةً في العالم.