في ظل التصعيد المتواصل بين طهران وتل أبيب، نفذت إسرائيل، فجر الجمعة 13 يونيو 2025، عملية عسكرية نوعية استهدفت مواقع حيوية مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، شملت منشآت ومراكز أبحاث ومواقع تخصيب، وأوقعت قتلى من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين. أطلقت إسرائيل على العملية اسم “الأسد الصاعد” ووصفتها بأنها ضربة استباقية تهدف إلى تحييد التهديد النووي الإيراني.
وسط هذا التصعيد المتسارع، تعود إلى الواجهة تساؤلات حول مدى تقدم البرنامج النووي الإيراني، ومواقع منشآته، وطبيعة المواد التي ينتجها، والشكوك حول نوايا إيران في استخدامها لأغراض عسكرية.
في هذا الملف الشامل، نستعرض أبرز المنشآت النووية الإيرانية، والجدل الدولي حولها، وخريطة تخصيب اليورانيوم داخل الجمهورية الإسلامية.
خلفية: من أين بدأ المشروع النووي الإيراني؟
بدأ البرنامج النووي الإيراني عام 1974 بدعم غربي، وبمساعدة ألمانية في بناء أول مفاعل نووي في بوشهر. لكن المشروع تعطل بعد الثورة الإسلامية عام 1979، ليُستأنف لاحقًا بدعم روسي في التسعينيات. ومنذ ذلك الحين، تحول الملف النووي إلى محور رئيسي في العلاقات المتوترة بين إيران والغرب، وسط اتهامات لطهران بالسعي لتطوير سلاح نووي.
الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والدول الكبرى (5+1) حدّ مؤقتًا من نشاطات طهران النووية، لكنه انهار فعليًا بعد انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، مما دفع إيران إلى تسريع وتوسيع عمليات التخصيب.
منشآت تخصيب اليورانيوم ومراكز الأبحاث النووية في إيران
1. نطنز: القلب النابض للتخصيب
تقع منشأة نطنز جنوب طهران، وتعد الموقع الرئيسي لتخصيب اليورانيوم. بدأت عملياتها عام 2007 وتخضع لإشراف جزئي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تضم المنشأة نحو 14 ألف جهاز طرد مركزي، منها 11 ألفًا تعمل فعليًا. تنتج المنشأة يورانيوم منخفض التخصيب بنسبة 3-5%، لكنها تعرضت لهجمات إلكترونية وعمليات تخريبية متكررة، من أبرزها هجوم “ستوكسنت” عام 2010.
2. فوردو: التخصيب تحت الجبال
منشأة شديدة التحصين تقع جنوب طهران، تم الكشف عنها عام 2009. خُصصت لتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وتضم نحو 3000 جهاز طرد مركزي. رغم الاتفاق النووي الذي ألزم إيران بتحويلها إلى مركز أبحاث، استأنفت أنشطتها بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق.
3. محطة أصفهان لمعالجة اليورانيوم
تعمل هذه المحطة على تحويل الكعكة الصفراء إلى مواد صالحة للتخصيب، مثل غاز سداسي فلوريد اليورانيوم. كما تنتج الأكسيد والمعدن، الذي يمكن استخدامه في تصنيع عناصر الوقود وحتى القنابل النووية.
المفاعلات والمرافق النووية الكبرى
4. آراك (خونداب): مفاعل الماء الثقيل
يوفر إمكانية إنتاج البلوتونيوم، وهو مادة قابلة للاستخدام في تصنيع السلاح النووي. وبموجب اتفاق 2015، أوقفت إيران تطويره وملأت قلب المفاعل بالخرسانة. إلا أن طهران أعلنت نيتها إعادة تشغيله بحلول عام 2026.
5. محطة بوشهر النووية
المفاعل النووي الوحيد العامل في إيران. بدأ العمل فيه عام 2011 بقدرة 700 ميغاواط. واجه المشروع تأخيرات تقنية وانتقادات تتعلق بسلامته بسبب قربه من مناطق زلزالية.
6. محطة كارون الجديدة
أحدث المشاريع النووية الإيرانية. بدأ تشييدها عام 2022 في خوزستان، ومن المتوقع أن تستغرق 8 سنوات بتكلفة ملياري دولار. تشمل المشروع “جزيرة نووية” متكاملة لتشغيل المفاعل.
مصادر اليورانيوم والتصنيع المحلي
7. منجم غاشين لليورانيوم
أعلنت إيران عام 2010 إنتاجها المحلي للكعكة الصفراء من هذا المنجم قرب بندر عباس، مما قلل من اعتمادها على واردات خارجية. سمحت لطواقم التفتيش الدولية بزيارته مرة واحدة فقط عام 2014.
8. مصنع أردكان ومنجم ساغند
يستخدمان لاستخراج وتحويل اليورانيوم الخام، ويدعمان منشآت التخصيب في نطنز وفوردو.
المواقع المشبوهة والتجارب العسكرية
9. موقع بارشين العسكري
يُعتقد أنه شهد اختبارات على تكنولوجيا القنابل النووية. منعت إيران مفتشي الوكالة من زيارته مرارًا، مما أثار شكوكاً متزايدة حول الأنشطة غير المعلنة فيه. شهد الموقع انفجارًا غامضًا عام 2022 أسفر عن مقتل مهندس.
10. قم: منشأة تحت الأرض قرب المدينة المقدسة
أعلنت إيران في 2012 بدء التخصيب فيها، مؤكدة أنه لأغراض طبية. إلا أن طبيعة الموقع تحت الأرض وحمايته الشديدة تثير قلق الغرب.
مستويات التخصيب: أين وصلت إيران؟
بموجب اتفاق 2015، كان الحد الأقصى المسموح به لتخصيب اليورانيوم 3.67%. أما اليوم، فقد وصلت إيران إلى تخصيب بنسبة 60%، وهي قريبة من نسبة 90% اللازمة لصناعة قنبلة نووية.
وبحسب آخر تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب تضاعف بأكثر من 23 مرة عن المستوى المتفق عليه في الاتفاق النووي الأصلي.
هل تمضي إيران نحو إنتاج السلاح النووي؟
تنفي إيران سعيها لامتلاك سلاح نووي، وتصر على أن برنامجها سلمي. إلا أن التوسع المتسارع في أجهزة الطرد المركزي، وتراكم المواد المخصبة، والغموض حول الأنشطة في مواقع عسكرية، كلها مؤشرات تثير مخاوف من نوايا مزدوجة.
وقد حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراراً من أن إيران لا تقدم الشفافية الكافية، مما يصعّب تقديم ضمانات بأنها لا تطور برنامجاً عسكرياً موازياً.
في الختام: تصعيد أم تفاوض؟
بين ضربة إسرائيلية “استباقية”، ومفاوضات نووية متعثرة، يبقى مستقبل البرنامج النووي الإيراني غامضاً، وتظل المنطقة حبلى بالاحتمالات: من عودة إلى طاولة المفاوضات، إلى مواجهة مفتوحة قد تكون أكثر خطورة مما مضى.
