بحوث ودراسات

مشاريع الصادات الثلاث وحروب الردة التي تستهدف مشروع نهضة الأمة

ستنكسر على أرض الشام

مضر أبو الهيجاء

لم تكن سورية هي بداية ساحات حروب الردة التي صنعها ورعاها الغرب على عينه، بل إن جزءا كبيرا من هذا المشروع العدائي القديم الجديد قد أتلف ليبيا وأحبط تونس وأفشل اليمن ونحر مصر وهو ماض بإهلاك السودان كما أهلك وفتت العراق العظيم بالأمس القريب، فكيف بأرض الشام اليوم وقد اجتمعت عليها مشاريع الصادات الثلاثة (الصليبي والصهيوني والصفوي)؟

إنّ ما يجري على أرض الشام من حروب الردة التي يرعاها الغرب ويدير تفاصيلها من خلال مشاريعه الوظيفية (المشروع الإيراني الطائفي- المشروع الكردي الانفصالي- المشروع العلماني المعادي)

ومن خلال أدواته القديمة والرخيصة (الفرق والطوائف غير المنتمية)، يستهدف افشال نهضة الأمة، والتي لا يمكن أن تنهض اذا لم تتعافى دمشق والقاهرة وبغداد.

إِن خطورة سورية بالنسبة للمشروع الغربي الصهيوني المهيمن على الدنيا بأسرها، هو أن نجاح تجربتها يمثل بداية صعود للأمة وبداية انكسار وتراجع في مشروع هيمنة الصليبية،

والتي هيمنت منذ قرنين على عوالم الدنيا من خلال أشكال سياسية ووسائل اقتصادية وأدوات عسكرية ومناهج فكرية وجماعات وفرق وطوائف محلية.

إن الأمل الواعد بنجاح التحدي الحضاري السياسي والثوري الجهادي على أرض الشام هو أمل كبير وراجح،

وذلك لعدة أسباب ومميزات هي:

1/ وعد الله الحق لعباده المؤمنين المجاهدين بالنصر، إن هم استقاموا على الطريقة التي يحبها الله، والتي تحفظ قيم الدين وتحقق منافع المسلمين.

2/ خصوصية أرض الشام وما ميزها الله به من بركة تتوزع على أرضها والانسان. ولذلك فقد قدر الله أن تكون رحلة معراج النبي صلى الله عليه وسلم الى السماء منها، وهو سر نزوح كثير من الصحابة رضوان الله عليهم إليها.

3/ أهمية موقعها الجيوسياسي بين القارات والأقاليم، والذي جعل حيويتها مرتفعة في كل منحى وكل حين، كما جعلها مطمعا للمشاريع الدولية الغازية.

4/ ارتباط شعوب الأمة عقديا بأهم جيوبها الثائرة وامتدادها الطبيعي التاريخي وهي أرض فلسطين، والتي تشكل أحد أهم جيوب الشام.

5/ حجم التضحيات المليونية التي قدمها كرام الشعب السوري في مقارعة مشاريع الصادات الثلاثة (صليبي- صهيوني- صفوي)، وهي تضحيات جليلة أهرقت في سياقها دماء أحفاد التابعين والصحابة، والذين لم يرفعوا راية غير راية الإسلام، ولم يعتزوا بغير منهج القرآن، ولم ينحازوا إلا لأمة المسلمين الأحرار.

اجتماع عناوين الإثم الخمسة المستهدفة لأرض الشام

ليس غريبا ألا يلتقط السوريون أنفاسهم بعد جهاد وصمود أسطوري دام عقدا ونصف، حتى تباغتهم المشاريع المعادية -والمتخادمة في اطار المشروع الغربي الأمريكي الصليبي- بحروب الردة التي جمعت بين عناوين الإثم الخمسة المستهدفة لأرض الشام وهي، (إسرائيل- ايران- الدروز الباطنيين – النصيريين الطائفيين- الأكراد الانفصاليين).

والسؤال المطروح اليوم إزاء هذا التحدي الكبير والواقع المضطرب ومستقبل الأيام الساخنة والحبلى بالمفاجآت، ما هو واجب الوقت؟ وما هي مقومات كسر هذه الحملة الدولية والإقليمية التي تستهدف كسر إرادة ومشروع نهضة الأمة في أهم معاقلها التاريخية والجغرافية والعقدية؟

إن واجب الوقت يقضي بتوحيد جهود الأمة وطاقاتها لمواجهة هذه الحملة (الصليبية اليهودية الطائفية)، والتي تستهدف -بتنسيق وتفاهم وتخادم بين أطرافها- نحر التجربة السورية وإجهاض مولود الأمة على أرض الشام المباركة، كما تم إجهاضها وإعدامها من قبل في أرض الكنانة مصر الأبية وفي العراق والسودان الجريح.

بلورة تصور شرعي سياسي جهادي وحضاري

إن واجب الوقت يستدعي العلماء والسياسيين والمفكرين لنظم وبلورة وتعميم تصور شرعي سياسي جهادي وحضاري حول معارك حروب الردة، التي اندلعت في شهر رمضان على أرض سورية المجاهدة في إقليم الشام، ليشكل مرتكزا وأرضية متماسكة وقوية،

ولتصبح منطلقا لتفاعل شعوب الأمة العربية والإسلامية في التفاعل مع ما يجري على أرض الشام، لاسيما والأمور مرشحة للتشظي في محيط سورية،

فالغرب الصليبي والصهيونية وايران الصفوية لن يتراجعوا عن سعيهم لكسر مشروع الأمة، الذي أطل برأسه في الشام،

مشيرا إلى نهضة واعدة وصحوة للعملاق الذي تنتظره الأمة ويخشاه الغرب في مصر، كما خبرته المشاريع الصفوية في العراق وتركيا العثمانية.

لا شك بأن بلورة التصور الناظم والمحرك لمواجهة تلك الحملة الصليبية اليهودية الطائفية هو ركيزة لازمة ولابد منها لاستيعاب جهود الأمة وطاقاتها وتفعيلها في اتجاه مسؤول، لكن ما هي مقومات المواجهة المفضية لكسر تلك الحملة وتحقيق الانتصار على الأعداء؟

إن مقومات النصر كثيرة ومتعددة، وهي بين أيدينا، وتحتاج منا فهما صحيحا ونضجا متقدما وروحا فدائية للتعامل معها بالشكل السليم والقويم، لاسيما وأن المعارك في أرض الشام هي معركة الأمة وهويتها ومستقبل أجيالها.

إن كل من يفرق اليوم بين القدس ودمشق فإنه غائب عن الوعي وغافل عن حقائق التاريخ وغير مدرك للمصير المشترك، أو أنه يعبد الأرض ولا يعي معاني وانعكاسات عقيدة التوحيد، ولا دلالات الانتماء لأمة الإسلام العظيمة.

تتوزع مقومات النصر على خمسة مرتكزات هي:

أولا: الركيزة الأساس

الايمان بالله سبحانه وأنه مدبر الكون وهو العظيم القهار الذي لا تخفى عليه خافية، وهو صاحب الوعد الحق بالنصر للمؤمنين الذين يستمسكون بالعروة الوثقى ويثبتون خلف طالوت حتى يعبروا النهر موقنين بأنه كم فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.

ثانيا: الركيزة البنيوية

هي الدولة السورية الجديدة الموحدة التي امتلكها المسلمون بعدما فقدوها لقرن كامل ذاقوا فيه الذل والمهانة بسبب غيابها.

إن الدولة هي احدى الوسائل والمقومات العظيمة التي تعين على النصر، وهي فاعلة بقدر ما يتم بناء أركانها بشكل قوي يعبر عن طموح وآمال ومطالب أهلها وناسها، وبقدر ما تعبر عن الهوية الثقافية لشعبها وحاضنتها وذلك عبر دستورها وإيقاع سياساتها، للدرجة التي لا تبقي أي فجوة بينها وبين شرائح شعبها.

إن بناء الدولة كأحد مقومات النصر لن يأخذ شكله السليم ولن يتحقق الا من خلال ثلاثة عناصر، هم الحكام والشعب والعلماء، الأمر الذي يفرض على حكام سورية المخلصين والمقررين التنازل عن عقدة اللون الواحد، وتبني عقيدة الطيف الواحد الواسع، الأمر الذي يشكل تصورا وأرضية تستوعب المتمايزين في جوانب عديدة، ولكنهم جميعا أبناء عقيدة واحدة عناوينها وأهدافها البعيدة منسجمة وواحدة، وإن تحقق هذا الشكل فسنجد تحالفا وتآلفا وتعاونا بين السلفي والصوفي والاخواني والتحريري والسروري والجهادي، وذلك بعد أن يجد هؤلاء جميعا أن الأبواب أمامهم مفتوحة، وأنهم شركاء حقيقيون في صناعة القرار لمواجهة التحديات وتقرير مصير مشترك.

ثالثا: الركيزة الداخلية

إن خامة النصر الحقيقية في أرض سورية الشام هي الشعب السوري، وقد أثبت الشعب السوري نساء ورجالا شيبا وشبابا استعداده العظيم للتضحية لأجل حماية ثورته والمحافظة على مكتسباته المهددة، وذلك رغم جراحة النازفة منذ عقد ونصف -والتي لم تبرأ بعد- للدرجة التي فاق فيها تصور الدولة الجديدة وقدرة حكامها، وهو كنز عظيم لن يهزم من يحسن التعامل معه والبناء عليه، الأمر الذي يتطلب عدة أمور:

1/ الاقتراب من هموم ومطالب شرائح الشعب السوري حد الالتصاق ومعاينة الآلام.

2/ توحيد وتنظيم صفوف الثورة والثوار في لباس وإطار دولة، والاقلاع عن مقولة انتهاء الثورة.

3/ إطلاق يد العلماء وتعزيز دورهم.

4/ شفافية نظام الحكم.

رابعا: الركيزة الخارجية

التحالف السياسي والعسكري مع تركيا الصاعدة، في ظل توجهات قيادتها الحالية إزاء قضايا الأمة المصيرية، والتي أثبت فيها الرئيس رجب الطيب أردوغان ثباته في رؤيته تجاه قضايا الأمة والدين وفلسطين، كما برهن فيها سعيه الحقيقي لتحصيل منافع المسلمين والمحافظة على هويتهم الثقافية، وذلك بغض النظر عن جوانب ضعفه واخفاقه نتيجة صراع الهوية الثقافية التي يعاني منها شعبه بعد نجاح التغريب في اختطاف نصفه، وبغض النظر عن اخفاقاته في ملفات جزئية نتيجة الموازنات الدولية والإقليمية القاهرة، ونتيجة التحديات القائمة والمخاطر المحيطة.

وفي ظل النظام العربي الرسمي وأدواره الوكيلة والوظيفية تجاه الغرب والمشروع الأمريكي، فواجب الحذر كبير تجاه الثعابين العربية الرسمية التي تسعى لخنق وقتل نهضة سورية عبر الاحتضان والترغيب والترهيب.

خامسا: الركيزة الإنسانية وحقيقة الأمة

إن عدالة القضية السورية لا تقل عن عدالة القضية الفلسطينية اللصيقة بها، لاسيما أن الذي زرع كيان إسرائيل على أرض الشام في فلسطين، جاء مستهدفا بشكل مباشر لأرض الشام والعراق ومصر والجزيرة، وعينه على كل بلاد العرب والمسلمين ترقبها وتتابع أوضاعها الداخلية في كل مناحيها الرئيسية.

من واجب السوريين أن يظهروا عذابات شعبهم بشكل متقدم ووسائل مختلفة وحديثة لتعبر عن حجم آلامهم للعالمين.

كما أن رصيد الأخوة الايمانية بين جميع الشعوب المسلمة هو كنز ينبغي أخذه بالاعتبار والبناء عليه من خلال التواصل معه، لاسيما ولهب حريق الشام سيكوي القريب ويلسع البعيد.

إن ما فشلت به تجارب الساحات العربية والإسلامية -في الحقبة القومية- من تحقيق الوحدة بين مكونات وأعراق الأمة يمكن أن تنجح في تحقيقه تجربة الشام المباركة، لاسيما وهو تاريخ الأمة والمعبر عن دينها، كما يمكن الاستفادة وتعزيز ذلك من خلال تاريخنا المجيد الذي جمع بين العرب والأتراك والأكراد والبربر والشراكسة، حتى كون منهم أمة واحدة متماهية ومضحية، حفظت الأمة وهويتها الثقافية ودينها ومقدراتها.

فلولا العرق التركي لتشيع نصف أهل الأرض، ولما حفظت الأمة ومذاهبها الإسلامية السنية، ولولا العرق الكردي لما استرد المسلمون أقصاهم ولما تحررت أرض مصر والشام من الصليبيين، ولولا العرق العربي لما حفظت الهداية ونقلت عبرهم للعالمين.

وبكلمة يمكن القول إن رصيد الوحدة الثقافية في شعوب الأمة عظيم ويكفي ليشكل أرضية مؤازرة حقيقية للتجربة الشامية الواعدة، وإن العرب والمسلمين الذين كانوا يتقاطرون على أفغانستان إبان الاحتلال السوفييتي لها، لا يحتاجون لأكثر من خطوة إلا ربع للوصول لأرض الشام، وذلك إذا ما استهدفتها المشاريع المعادية للأمة بالتمزيق والتقسيم والاحتلال، سواء أكان اسمه احتلال وتخريب إسرائيلي أم إيراني، فكلاهما مشروع وظيفي يعمل لصالح الغرب ويطلب رضا الإدارات الأمريكية المتجبرة والمستكبرة، طامعا ومتطلعا لمزيد من النفوذ والمتعة الحرام، وذلك على حساب شعوب المنطقة وآلامها وعذاباتها المتعاظمة.

الخلاصة:

لقد من الله على عموم الأمة بتحرير الجزء الأكبر من أرض الشام المباركة، وقد تحقق هذا التحرير في سياق التدافع السنني، وذلك عندما وجد إعداد وتنظيم متقدم عند ثوار الشام الكرام، ولما توفر من جاهزية عند عموم شعبه المكلوم.

وبعد كل التدمير الذي أنجزه المشروع الغربي لمحاولات النهضة والثورة والتحرر العربي والإسلامي، مستعينا بالمشاريع الوظيفية التي أقامها كالمشروع الإسرائيلي،

أو أوصلها ومكنها من الحكم كالمشروع الإيراني الطائفي،

فقد وجد نفسه أمام حقيقة انعتاق جزء حيوي مهم في أرض الشام الفاعلة والمؤثرة،

الأمر الذي دفعه بشكل عاجل لتحريك أدواته الكبرى كإسرائيل وايران، وأدواته الصغرى كالطوائف الباطنية (النصيريين والدروز) والفرق المتمردة والمفارقة لهوية الأمة وتطلعاتها (قسد).

إنه من غير الممكن في سياق الانتقال من نجاح الثورة عبر تحقق التحرير، الى نجاح التجربة الثورية عبر تحقق التمكين، تجاوز التحديات الكبرى المتعلقة بالتغيير الحضاري الحقيقي وتدافع المشاريع الكبرى.

رحل الوكيل وحل الأصيل

في سورية اليوم قد رحل الوكيل (بشار الأسد) وحل الأصيل (أمريكا والغرب) الأمر الذي يشير بوضوح، إلى معارك قادمة سيديرها الغرب مستعينا بأدواته الأربعة (إسرائيل وإيران والطوائف الباطنية والأكراد الانفصاليين)،

وذلك بعد أن كان المحرك والمحرض المدير لفرعون الشام الوكيل، والذي ما إن ضعف وتهلهل حتى تخلى عنه،

بخلاف ملالي إيران الذين لا يزالون متماسكين وأقوياء وجاهزين لإعادة التوظيف في مشروع متعة حرام لصالح الأمريكان.

وكما نجح أهل الشام وثوارها المسلمون المجاهدون الأحرار، باقتلاع الوكيل، فإنهم سينجحون بمعية الله القوي العزيز، بكسر الأصيل على أرض الشام المباركة، ليبدأ سلم الصعود في التغيير الحضاري، وتنعتق تباعا الشعوب العربية والمسلمة من هيمنة الغرب الصليبي المتغطرس.

إن ما تملكه أرض الشام وثوارها الأحرار اليوم من عناصر تحقق النصر وظروف موضوعيه تعين عليه، هي أكثر مما كان متوفرا خلال ربع القرن الأخير.

وحتى يتجسد هذا الإرث وتظهر الكنوز المتوفرة في معادلة الصراع على أرض الشام الواعدة، لابد من البحث عن كل عناصر وجوانب الخير ووعيها والتعامل معها بشكل سليم يضع كل شيء في مكانه ويحسن توظيفه.

إن أمتنا المؤمنة بالله والحافظة لكتابه الكريم والمقتدية بالنبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الأوائل المعدلين بنص القرآن الكريم … أمة حية قد تضعف ولكنها لا تموت، ما بقيت آيات الله تتلى وأذان بالحق يصدع.

يقول سبحانه وتعالى: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص. الصف:4

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights