الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: تحويل رواتب المغتربين.. اقتراحات استعراضية

لا أعرف من الذي أوعز لعضو مجلس النواب المصري، أحمد عاشور، بالخروج علينا باقتراح استعراضي فارغ من المضون وفاقد للأهلية والمنطق ومدمر للسمعة ومثير لعشرات من علامات الاستفهام من حيث التوقيت والهدف.

اقتراح النائب والذي أعلنه على الملأ يقضي بإلزام المصريين العاملين في الخارج بتحويل نسبة 50% من قيمة رواتبهم التي يتقاضونها وذلك عبر البنوك المصرية والطرق الشرعية إلى داخل البلاد، بهدف زيادة تحويلات المغتربين، وحل أزمة نقص العملة الصعبة.

عاشور، الذي يشغل منصب مقرر مساعد لجنة القضية السكانية في جلسات الحوار الوطني، يبرر اقتراحه الملفت والمثير بأنه “يأتي في ضوء تراجع تحويلات المصريين بالخارج بنسب كبيرة خلال الفترة الماضية، رغم ما يمر به اقتصاد البلاد من أزمة بسبب نقص الدولار، الأمر الذي يستدعي مساهمتهم في توفيره بصورة أكبر خلال الفترة المقبلة”، حسب قوله.

تطبيق اقتراح استثنائي وغريب مثل هذا قد يثير مخاوف وقلق شريحة من المصريين العاملين في الخارج، وبالتالي يحرم الدولة من مليارات الدولارات التي يحولها هؤلاء برضاهم وعن طيب خاطر إلى ذويهم في مصر، سواء عبر القنوات الرسمية كالبنوك وشركات الصرافة، أو عبر طرق أخر منها التحويل المباشر مع أشخاص عائدين إلى مصر.

مصر لديها أزمة كبيرة تتمثل في شح النقد الأجنبي مع ضخامة الالتزامات الخارجية من سداد أعباء ديون وفاتورة الواردات، والتراجع الحاد في تحويلات المغتربين أحد أسباب الأزمة، خاصة أن نسبة التراجع بلغت أكثر من 26% في أول 9 أشهر من العام المالي الماضي 2022 – 2023، أي ما يعادل 6.1 مليارات دولار، وهو رقم ضخم مقارنة بإجمالي الإيرادات الدولارية.

كما تراجعت حصيلة مصر من 5 مصادر أساسية للنقد الأجنبي بقيمة 3.75 مليارات دولار خلال الفترة من يوليو 2022 وحتى مارس 2023، وهذا التراجع أصاب أيضا أهم مورد للنقد الأجنبي وهو الصادرات الخارجية التي انخفضت بنسبة 4%، وبما يعادل 1.4 مليار دولار رغم رهان الحكومة القوي على زيادتها، خاصة وأنها تمثل أكثر من 44% من الإيرادات الدولارية.

وبالتالي، فإن السلطتين التشريعية والتنفيذية يجب أن تبحثا عن كيفية الخروج من تلك الأزمة، والعمل على تحسين موارد النقد الأجنبي، لا مفاقمة المشكلة وسكب الزيت على نارها عبر اقتراحات ومبادرات استعراضية ليس أكثر.

هل يعلم النائب أن ما يتبقى من راتب المصري المغترب قد يصل إلى نحو 25% من إجمالي الدخل، وربما أقل، بعد خصم المصروفات الثابتة والالتزامات الكثيرة المتغيرة، ومنها تكلفة إيجار السكن والمواصلات وتكاليف المعيشة ونفقات الصحة والتعليم والاتصالات ورسوم الإقامة وتذاكر السفر السنوية.

وبالتالي، لا أعرف من الذي أبلغ النائب أن المغترب يدخر كل راتبه ويحوله كاملا لذويه داخل مصر، وأن النصف يجب أن يحول عبر البنوك، وماذا تستفيد البنوك هنا إذا كانت فقط ممراً لتوصيل الأموال من دون تنازل المستفيد عنها برضاه؟

وهل يعلم النائب أن استقرار سوق الصرف وإعادة الاعتبار للجنيه المصري والتوقف عن تعويمه من وقت لآخر ستدفع المغترب لتحويل كل فوائضه المالية وليس النصف فقط إلى مصر وعبر البنوك والطرق الرسمية؟

وهل يعلم النائب أن عدم تحقق ذلك الاستقرار، وفرض البنوك قيوداً شديدة على تمويل الواردات ساعدا في وجود سوق نشطة لتجار العملة والمستوردين بين المغتربين في الخارج، وإقناعهم بتحويل الأموال من خلالها.

خاصة وأنها تقدم مزايا وعروض مغرية لا يستطيع غيرها تقديمها، منها مثلا شراء الدولار بسعر السوق الموازية وليس بسعر البنوك، وتوصيل الأموال حتى منزل المستفيد، وعدم الحصول على عمولة تحويل، وغيرها؟

استقرار سوق الصرف، ومكافحة التضخم الجامح، وترشيد الاقتراض الخارجي، ومعالجة أزمة العجز في أرصدة النقد الأجنبي في البنوك والبالغ قيمتها نحو 27 مليار دولار وفق أحدث الأرقام الرسمية وغيرها، هي مدخل طبيعي لإعادة أموال المغتربين إلى البنوك والقنوات الشرعية.

أما في ما عدا ذلك فسنظل ندور في حلقة مفرغة، وما يجرى تقديمه من اقتراحات استعراضية أضراره أكثر من نفعه، بل ويثير الريبة والشك، خاصة أن البعض لا يأخذها بحسن نية.

Please follow and like us:
مصطفى عبد السلام
كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي
قناة جريدة الأمة على يوتيوب