من المؤسف القول إن كثيرا من العقول تقوم بنفسها -وبشكل تلقائي- بتحجيم نظرها وتقييد تدبرها، وذلك نتيجة ضغط الواقع الجماعي والاجتماعي، ونتيجة للعاطفة التي تبحث عن الفرح وتحقيق الآمال، وتميل لاستبعاد الحقائق مستمتعة بالأوهام، ونتيجة للارتباطات التنظيمية والمرجعية!
الرواية الحقيقية والكاملة لعملية 7 أكتوبر!
منذ لحظة انطلاق المعارك مع عملية 7 أكتوبر 2023 كتبت في عشرات المقالات عبارة (حتى تظهر الرواية الحقيقية والكاملة لعملية 7 أكتوبر ومعركة طوفان الأقصى)!
وقد رد عليها بعض الكرام في الحركة وصدروا وثيقة منشورة باللغة العربية والانجليزية تحت عنوان: روايتنا الكاملة لعملية 7 أكتوبر ومعركة طوفان الأقصى!
وقد اضطرني هذا التفاعل المنقوص الذي لم يلتقط المعنى المقصود إلى تدعيم الفكرة بعبارة مكررة هي (حتى يتبين الخيط الرفيع الموصول بين أمريكا وإيران مرورا بإسرائيل)!
لم أكن أقصد بالرواية الحقيقية لعملية 7 أكتوبر ومعركة الطوفان هو ما يعرفه المجاهدون الكرام وبصدق رووه، وإنما هو ما لا يعلمه الاخوة الكرام وستكشفه أطراف إقليمية ودولية أخرى عندما تتوسع الدائرة وتتدحرج الكرة في الملعب الإقليمي والدولي.
الخيط الرفيع!
إن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية ومن قبله الشيخ الشهيد صالح العاروري واقعتان تلامسان الخيط الرفيع الواصل بين أمريكا وإيران وإسرائيل، وهو ما جعلني أرفض فكرة الرواية الإيرانية باكتشاف عميل إيراني من الحرس خلف عملية الاغتيال، معتبرا مقصود تلك الرواية تبرئة إيران، ومصرا على أن الخلل في إيران بنيوي يتصل بالمنظومة والنظام القائم -منذ زمن الخميني المجحوم-، الأمر الذي عززته أشكال الضربات الإسرائيلية الابتدائية من داخل إيران.
مسرحي غزة وطهران.. وكاهن واحد!
وبكلمة يمكن القول إن الذي رسم الفخ في 7 أكتوبر وقاد إليه المجاهدين في غزة من غير علم ولا وعي، هو نفسه الذي قاد إسرائيل المنفذة والحقيرة لضرب إيران في 12 يونيو عن وعي، وكما شكلت 7 أكتوبر مفاجأة لكثيرين فإن 12 يونيو فاجأت الإيرانيين بنوع العملية من داخل إيران، وتوقيت الضربة حيث كان الكاهن الأمريكي يتحدث بصوت مرتفع عن تفاهمات في الملف النووي!
وإذا كنت أقول منذ البداية إن غزة نافذة أمريكا لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة إقليميا، فيمكنني القول اليوم إن طهران نافذة أمريكا لإعادة هندسة الأوضاع الدولية، من خلال تهيئة المسرح الإقليمي والدولي قبل حضور التنين الصيني.
وفي خطوة نظر للوراء لابد من التوقف مليا أمام الحكومة العالمية التي استحضرت رجلا هشا مختلا يمشي عكس الطريق ويغرد فجأة منفردا بشكل منفصل عن الواقع.. هو بايدن!
إن النتيجة الطبيعية والتلقائية لوضع رجل أهبل -مهسهس- فاقد للسيطرة على نفسه على رأس الولايات المتحدة الأمريكية حاكمة الدنيا، هي صعود اليمين الأمريكي وتربعه على عرش أمريكا، والذي شكل صعود ترامب فيه بأعلى نسبة أصوات في أمريكا، بداية لمسار سيحسم خيارات ويقوم بخطوات عالمية كثيرة، حتى في داخل أمريكا ومنظومتها ونظامها، والذي سينتهي للفشل والدمار ككل المستكبرين الذين شهدهم تاريخ البشرية وفق سنن الله الغلابة.
مفعول به مجرور وعلامة جره الضمة!
أما من يعتقدون ويفسرون المعارك القائمة على أن نتنياهو فعلها ليجر أمريكا للحرب، أو أنه ماض في حروب محلية واقليمية ودولية هروبا من المثول أمام القضاء الإسرائيلي فهؤلاء ليسوا بعيدين عن نموذج بايدن الذي أصابه المس في عقله.
حري بالمسلم فردا وجماعة أن يرتقي بفكره ونظره وتدبره وبحثه عن الحقائق ووعيه للوقائع، لكي يخرج من حالة المفعول به التي ارتضاها لنفسه بسبب تقدم عواطفه على عقله، وبسبب فصله النكد بين وجوب الإيمان بعالم الغيب ووجوب النظر بحقائق عالم الشهادة، لاسيما ونزيف غزة المؤلم ينذر بتوسع مجنون سيطال كل المشاهدين والمتعاطفين، ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، فمتى سنعيد ترميم إيماننا المنقوص بوعي متقدم ونظر راشد؟
الجواب:
حتى اللحظة لا توجد مراجعة ومواقف جماعية جريئة وواعية، ولعل قطيع الحمقى والمغفلين الطيبين من العرب والمسلمين الذين أعادت نظمهم أمريكا خلف إيران يشير إلى حقيقة مرة مفادها، إن أمريكا حتى اللحظة تمتطي الجحش الشيعي تارة، وتمتطي البغل السني تارة! وهذا لا يليق بأتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأبناء مدرسة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن الوليد خالد، فمتى ستنتظم المراجعة الجماعية وتصدر المواقف الفاعلة لتخرج الأمة وحركاتها وشعوبها من دائرة المفعول به سواء أكان منصوبا أم مجرورا؟
اللهم إياك نعبد وبك نستعين، فأعنا يا ربنا وأرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
مضر أبو الهيجاء جنين-فلسطين 22/6/2025