مضر أبو الهيجاء يكتب: هل يمكن أن تستبدل أمريكا الأداة الشيعية بأداة إسلامية سنية؟
الجواب الدقيق والمعقد: لعم، فلا هو نعم ولا هو لا!
لم يعرف التاريخ المعاصر والقرون الأخيرة إبليسا كما عرف أمريكا التي تشكلت وتكونت منذ قرنين على دماء عشرات ملايين الهنود الحمر والأفارقة.
ومنذ الحرب العالمية الثانية تقود أمريكا الدنيا بمنطق الطاغوت الذي يعبد شهواته ويسجد في محراب القوة والبطش.
إن قوة أمريكا المعاصرة هي في مرونتها العالية، والتي لم تتوفر عند المشاريع الأخرى لاسيما الاتحاد السوفييتي والنموذجين الروسي والهتلري.
أمريكا الثعبان المرن الذي يكتسب قوة عضلية ومرونة فظيعة، فكلما التهم لحوم المشاريع الأخرى، زادته الدماء انتعاشا وبطشا وقوة.
ومما لاشك فيه أن المكون الإنجليزي البروتستانتي الأبيض يشكل عصب الدهاء في السياسة الأمريكية، حيث يستفيد من صواب مشاريع الخصوم والمخالفين له، كما يستفيد من أخطائهم.
ولعل تجاربنا العربية والإسلامية تشير لذلك بوضوح لدرجة التكرار الممل، فمن تجربة جمال عبد الناصر إلى صدام حسين مرورا بالجهاد الأفغاني ضد السوفييت، حتى تمتلئ الكتب بصور مشاريع منطقتنا التي بذلت فيها الأموال والدماء وتعطلت فيها مشاريع النهضة مرات ومرات ليستفيد السيد الأمريكي من خطوات الموالين والمعارضين ضمن تصوره المرحلي في كل حقبة!
فما الذي أكسب أمريكا البشرية تلك القدرة على الاستفادة من دمائنا ومشاريعنا وثوراتنا وجهادنا المشروع؟
إن الذي مكن -ولا يزال- أمريكا من الاستفادة من مشاريعنا وحركاتنا وجهادنا هو نفس السبب الجوهري الذي أفقدنا القدرة على البناء التراكمي الذي يقوم على حصيلة حراكنا الدعوي والسياسي والقتالي وهو، التصور الشامل الصحيح والدقيق الذي تفتقده مشاريعنا.
إن كل حراك ثوري أو سياسي ناعم أو خشن يقوم به أحد مكونات منطقتنا العربية والإسلامية دون رؤية شاملة تعبر عن آمالنا وآلامنا وتطلعاتنا وأهدافنا القريبة والبعيدة، مستهدفة تحقيق هدف جزئي مرحلي بشكل تراكمي منسجم مع التصور الكلي، سيفضي لا محالة إلى اهراق دماء مجاهدينا وهدر طاقات أجيالنا في صالح مشاريع الخصوم الكبرى، والتخادم معها من حيث ندري أو لا ندري، وهي صورة مؤلمة جسدتها كثير من تجاربنا في القرن الأخير!
لابد من التوقف مليا أمام كل محاولة أمريكية لاستقطاب أهل الديار العربية والإسلامية الثائرة والساكنة، وذلك لأجل وعي هدف أمريكا بتشكيل سد أمام الثعبان الصيني الزاحف بصمت، لصالح المحافظة على نفوذها في منطقتنا وسد ثغراته وشقوق الحائط التي يمكن أن ينفذ منها الثعبان الصامت.
نعم إن الصين تحد قادم سيستهدف الجميع، وهو في هذا يشبه الحالة السوفييتية في تطلعاتها نحو نفوذ خطر ومقلق، لكنه ليس سببا وجيها لكي نستدرج كدعاة على المنابر ومجاهدين على الثغور فنكون حطبا مرة تلو مرة، نحترق ليزداد الوحش الأمريكي دفئا، وينمو ويتضخم ويزداد حيوية بدمائنا في كل مرة، وأفغانستان خير الشاهدين.
أقولها بوضوح، إن المشروع الإيراني الطائفي شكل لأمريكا فرصة عظيمة وأداة فاعلة لطحن شعوب منطقتنا ودولنا وحركاتنا النهضوية، ولكنه لا يقوى ديمغرافيا على مواجهة الزحف الصيني، الأمر الذي لا تجيده إلا الأمة الإسلامية السنية، بالذات إذا هيج مشاعرها الدعاة بالحديث عن الشيوعية والإلحاد والكفر بالله، وذلك دون الإشارة في نفس الخطاب لحجم الفحش والمخاطر في الثقافة الأمريكية الأوروبية التي أتلفت الفطرة!
ندائي اليوم أوجهه للعقلاء والمهمومين ليعيدوا قراءة المشهد ويعقلوا أن الإدارة الأمريكية قتلتهم مرتين، الأولى عندما انتقمت منهم لمحاولتهم التحرر من التبعية مستخدمة المشروع الإيراني الطائفي القذر ليحرق مدنهم ويقتل أبناءهم، والثانية من خلال احتضانهم في المقال ودفعهم للموت في مواجهة خصومها القريبين والبعيدين، ليكونوا حطبا تستهلكم مرحليا كما استهلكت ملالي إيران الأنجاس!
إن كل فعل ثوري قتالي أو سياسي يتحرك دون تصور شامل منسجم مع تطلعات الشعوب، ويكتسب معقولية سياسية عسكرية واقعية في إنجاز تراكمي يحقق نقلة حقيقية في مشروعه الكلي، لن يجاوز صورة حالة استهلاكية مرحلية، وحزب الله خير الشاهدين.
لن يتماهى المسلمون مع المشروع الأمريكي كما تماهى معه ولي الفقيه، ورغم تحقيقه إنجازات تاريخية له، فقد ضربه ضربة على الرأس أفقدته توازنه، دون أن يتخلص منه، وذلك انطلاقا من رؤية أمريكا لمشروعها الذي يجيد استخدام الجميع بشكل متكرر، غير عابئة بمشاريع وحسابات الآخرين.
لعم وليس لا ولا نعم، فإن أمريكا تجيد ربط واستخدام الجميع، وتنفشهم لتقدمهم نحو الأمام كما تضعفهم لتؤخرهم نحو الوراء، وذلك ليتحقق لها دوام طاغويتها في الأرض.
أيها الثوار السوريون الأحرار، إياكم ثم إياكم أن تكرروا أخطاء غيركم، لاسيما من وقفتم على أخطائهم بالليل والنهار، وذلك غيرة عليكم وعلى مشروع الأمة الذي لا يجد اليوم مكانا له أشد خصوبة من أرض الشام.