تقارير

هكذا تستطيع الحكومة السورية إحباط تمرد فلول نظام الأسد

مع إشراقة فجر السادس من مارس 2025 في سوريا، تداولت وسائل التواصل الإعلامي بيانًا منسوبًا للعميد غيث الدالا، أحد ضباط نظام بشار الأسد المخلوع، يعلن فيه تشكيل “المجلس العسكري لتحرير سوريا”.

ولم تكد بحسب ورقة لمركز أمد للدراسات السياسية  شمس ذلك اليوم تغرب إلا ونقاط جهاز الأمن العام السوري ووزارة الدفاع تتعرض لهجمات متزامنة، تركزت في محافظتي طرطوس واللاذقية وتبنتها مجموعة “لواء درع الساحل” التي أسسها المدعو مقداد فتيحة، أحد عناصر النظام المخلوع.

كما تبنت ما تسمى بـ “المقاومة الشعبية السورية” حتى 24 مارس كمائن وعمليات اغتيال مماثلة، في ريف دمشق الشمالي وريف حمص الغربي وريف حماة الغربي وريف إدلب الغربي ووادي نهر الفرات في شرق سوريا.

 

أسفرت عمليات التمرد هذه عن مقتل أكثر من 172 عنصراً من قوات الأمن العام والجيش السوري و211 مدنياً، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، واستطاع المتمردون أسر عشرات العناصر من جهاز الأمن العام الذين قتل بعضهم ميدانيًا وأحرقت جثثهم كما حصل في محيط قاعدة حميميم الروسية في ريف اللاذقية.

في المقابل، شن الجيش السوري سريعًا عملية عسكرية موسعة في اللاذقية وطرطوس استهدفت مجموعات المتمردين، فاستطاع تحييد العشرات منهم واعتقال آخرين وتحرير من كان في أيديهم من الأسرى، فيما فرت المجموعات الأخرى إلى مناطق حرشية وجبلية أو إلى داخل لبنان.

وإلى جانب الجيش السوري وقوات الأمن العام، شاركت مجموعات شعبية رديفة غير منظمة في التصدي للمتمردين، ما أدى في كثير من الأحيان لارتكاب تجاوزات بحق سكان المنطقة المدنيين المنتمين للطائفة العلوية، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 420 منهم.

وعلى إثر ذلك، تعهد الرئيس السوري أحمد الشرع بمحاسبة مرتكبي التجاوزات، وأعلن عن تشكيل “لجنة لتقصي الحقائق حول أحداث الساحل”، والتي أعلنت في 25 مارس تدوينها 95 إفادة قانونية وتلقت أكثر من 30 بلاغًا وعاينت 9 مواقع في مدينة اللاذقية.

وستجري اللجنة تحقيقات مماثلة في طرطوس وحماة، كما ستشكل محكمة خاصة لمقاضاة المتورطين في هذه الأحداث وفق تصريح المتحدث باسم اللجنة ياسر الفرحان.

وفي هذا السياق تختلف طبيعة مواجهة قوات النظام والميليشيات الداعمة له قبل تحرير دمشق عن مطاردة فلوله “المتمردين” والقضاء عليهم، وجوهر هذا الاختلاف يتعلق بالمدنيين الذين يُعتبرون ساحة المعركة الرئيسية في عمليات مكافحة التمرد، لا ميدان المواجهة العسكرية فحسب.

ولذا، تقرر دراسات مكافحة التمرد قاعدة تقضي بأن “المدنيين هم هدف المعركة الرئيسي”، وأن القوات الحكومية التي لا تحسن التعامل والتواصل مع هؤلاء محكوم على جهودها الميدانية بالفشل الذريع.

وفي هذا المقام، يقول ماو تسي تونغ: “إن قوانين الحرب الثورية مشكلة يجب على أي شخص يواجه أو يخوض حربًا ثورية أن يدرسها ويحللها”.

وقد وقع بعض من حاربوا الثورات وحركات التمرد في فخ الاستغراق في العمل العسكري المجرد، على المستويين التكتيكي والاستراتيجي فانتهت محاولاتهم بالفشل، كما في الجزائر وفيتنام وأفغانستان وسوريا نفسها التي لم يستطع فيها نظام الأسد ترجمة إنجازاته العسكرية بين عامي 2017 و2019 إلى نصر متكامل، فانتهى الأمر بسقوطه أمام عملية “ردع العدوان” المباغتة في أكتوبر 2024.

من جانبه تدرك الإدارة السورية أن فلول النظام سعوا في بداية تمردهم لإيجاد حاجز بين الأقليات في سوريا، تحديدًا العلويين في الساحل، والقوات الحكومية والحصول على دعمهم، لأن النفوذ السياسي في المحصلة النهائية يأتي نتيجة اتفاق أو عقد ضمني أو صريح مع السكان أو رضوخهم لسلطة الأمر الواقع في أسوأ الأحوال.

ولذا، سارعت إدارة الرئيس الشرع لتدارك ما حصل ورأب الصدع، حيث زار محافظ اللاذقية محمد عثمان برفقة عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي حسن صوفان قرى العلويين في اللاذقية وطرطوس وقدما العزاء لذوي الضحايا المدنيين.

كما جال مسئول الأمن في مدينة بانياس داخل حي القصور الذي تقطنه أقليات، وطلب من الأهالي العودة لمزاولة حياتهم الطبيعية مع التأكيد لهم على حفظ أمنهم وحقوقهم.

كما أعاد جهاز الأمن العام الممتلكات التي نُهبت من منازل المواطنين أثناء الاشتباكات، وقامت وزارة الدفاع بتأمين الطلاب الدروز في جامعة اللاذقية ونقلهم إلى منازلهم في جرمانة والسويداء لحمايتهم، وعممت على جميع وحداتها النظامية بمنع دخول أية مجموعات شعبية رديفة إلى اللاذقية وطرطوس منعًا للتجاوزات.

يتسم أي تمرد أو ثورة بحالة من الفوضى التي يسهل على المتمردين افتعالها، لكن منع هذه الفوضى مكلف للغاية بالنسبة للسلطات. فبإمكان المتمردين استهداف حاجز أو خطف جندي أو تفجير جسر أو قطع طريق بكلفة بسيطة نسبيًا،

بينما تحتاج السلطات في المقابل لحراسة كل جسر وتأمين كل طريق وتعزيز كل حاجز وتفتيش كل شخص، فهي لا تستطيع التهرب من مسئولية حفظ النظام على عكس المتمردين الطامحين للتخريب.

والمتمرد يتميز بكونه مرنًا سهل الحركة، إذ لا مسؤولية منوطة به ولا مقدرات بين يديه يحتاج لحفظها، أما السلطات فتتسم حركتها بالجمود وتشكل بذلك أهدافًا ثابتة، وهذا ما يفسر سقوط العدد الكبير من عناصر الأمن العام ووزارة الدفاع في بداية التمرد.

يلخص الباحثون شروط نجاح التمرد في شرطين أساسيين هما: القضية العادلة، وضعف السلطة وقواتها، ويضيفون إلى ذلك شرطان مساعدان هما: البيئة الشعبية غير المعادية، والدعم الخارجي في المراحل المتوسطة واللاحقة من التمرد.

وبتتبع الوقائع، يتضح أن المتمردين حاولوا تلفيق قضية عادلة أمام الرأي العام لكسب البيئة الشعبية إلى جانبهم والتي تتسم بكون معظمها من الطائفة العلوية.

وأما الدعم الخارجي، فرغم حديث وزارة الدفاع عن دعم قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي للمتمردين، إلا أن التمرد أُخمد في مراحله الأولى، كما أن الدعم المؤثر لا يقتصر على الجانب العسكري المادي، بل يشمل الجانب السياسي كذلك.

في المقابل، اتبعت إدارة الرئيس أحمد الشرع خطتين لمواجهة فلول النظام، على المستويين المباشر وغير المباشر.

فعلى المستوى المباشر، نجحت قوات الأمن العام ووزارة الدفاع مباشرة في قطع الطرق الرئيسية والفرعية بين مدن وقرى اللاذقية وطرطوس، وبينها وبين سائر المحافظات، بما يضمن حصر التمرد ومنع تمدده وقطع أي إمدادات قد تصل إليه.

أما على المستوى غير المباشر، فتواصل الإدارة السورية سياستها لحرمان المتمردين من القضية (العادلة) التي حاولوا الترويج لها، بزعم حماية الأقلية العلوية وصون حقوقها وحريتها.

في ضوء ما تقدم، ستكون فلول النظام المتمردة عاجزة عن إحداث أي تغيير مؤثر على أرض الواقع، لكنها في المقابل ستكون قادرة على شن هجمات متفرقة تزعج الإدارة السورية وتستهدف دورياتها وكوادرها ما يستوجب منها مزيدًا من الحذر ورفع الجاهزية.

وقد صرح قائد لواء درع الساحل مقداد فتيحة في 12 مارس أن التمرد سيبدأ في استهداف قوات الحكومة المؤقتة بالعبوات الناسفة والاغتيالات. وبالفعل، قُتل عدد من عناصر الإدارة السورية في عمليات منفصلة بمحافظة إدلب، كما عُثر في 19 مارس على عبوتين ناسفتين بدائيتين على طريق جبلة- اللاذقية.

لكن وزارة الدفاع وجهاز الأمن العام يتمتعان بخبرة عالية في متابعة الخلايا الأمنية وإحباط عملياتها، حيث واجهت في إدلب بين عامي 2017 و2024 خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وخلايا النظام وحققت في مواجهتهم نجاحات كبيرة.

كما حققت الإدارة السورية نجاحًا على مستوى العلاقة مع المكون العلوي في منطقة الساحل، حيث سلم وجهاء القرداحة ما لا يقل عن 70 طائرة مسيرة انتحارية، فضلًا عن العديد من مستودعات السلاح المتوسط التي تسلمتها وزارة الدفاع، مما يشير إلى امتناع العديد من الوجهاء والأعيان العلويين عن دعم فلول النظام المتمردين.

تجدر الإشارة إلى أهمية الحسم السريع الذي تتبعه الإدارة السورية مع حالات التمرد هذه، وهو ما سيجنبها أزمات خارجية أيضًا، حيث لا يمكن لأي تمرد أن يظل شأنًا داخليًا في ظل الاستقطاب الذي يشهده العالم اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى