أمة واحدة

مفتي أستراليا ينعى الإعلامية المصرية “أميرة الحجاب” كريمان حمزة

 

 الأمة : اصدر الدكتور إبراهيم ابو محمد العالم الأزهري والمفتي العام لقارة أستراليا نعيا قال فيه :

أنعى إلى نفسي وأهلي وأصدقائي وكل شرفاء العالم في الأمتين العربية والإسلامية فقيدة القيم والمبادئ والخلق الرفيع ” كريمان هانم حمزة.”

فهناك من الناس من يعرفون بعراقة عائلاتهم وانتمائهم الطبقي والإجتماعي، وهناك من يعرفون بمواقعهم ومناصبهم فهم يستمدون مكانتهم من منصب تولوه.

 وهناك نوع أخر من الناس ترتفع بهم المواقع، لأنهم يصنعون للموقع تاريخا جديدا بمجيئه لهم وإسناده إليهم، ولقد كانت الفقيدة العظيمة من ذلك النوع الفريد الذي أضاف وأضفي على العمل الإعلامي في مصر طابع العزة العلمية والعفة الأخلاقية .

التي تعرف كيف تقود الأزمات، وكيف توجه مسارها وتتحكم في مصيرها بخبرة جسورة واقتدار علمي وأخلاقي عظيم.

أميرة الحجاب في “ماسبيرو”

“ماسبيرو” هو مبني إتحاد الإذاعة والتليفزيون في القاهرة بمصر في ذلك الوقت (١٩٧٠م) لم يكن مجرد مبنى حكومي يضم كل العاملين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وإنما كان حصن النظام وأداته المؤثرة والفاعلة في تكوين الوجدان والعقل الجمعي للمصرين والعرب.

 ومن ثم لا يدخله ولا يعمل فيه إلا أصحاب النفوذ والسلطة والوجاهة الإجتماعية ألعظيمة، وكل شيء فيه تحت السيطرة ويمشي في الإتجاه المرسوم بدقة.

كان من الطبيعي لشابة مثل “كريمان” في متقبل العمر من أسرة تتمتع بالحسب والنسب ووجاهة علمية وشرف العائلات الكبيرة أن تجد لها مكانا وسط مذيعات ومذيعين حالفهم الحظ واختارتهم أجهزة النظام ليكونوا عنوانا للمرحلة.

غير أن مفاجأة قد حدثت وهي أن ” المذيعة الأرستقراطية الشابة قررت أن ترتدي الحجاب وأن تطل على المشاهدين من شاشات التلفزيون في ماسبيرو بلباسها الإسلامي المميز.

 مخالفة بذلك عرفا مستقرا لعقود، ومتمردة على تقاليد راسخة ومسيطرة لفترات طويلة، وكأنها محرمات من الكبائر لا يجوز حتى الحديث عنها أو الإقتراب منها. 

وهنا بدأت تحديات كثيرة ومعوقات في العمل، غير أن المذيعة مصرة على التمسك والبقاء في دائرة العراقة والأصالة والعظمة – رغم السقوط المدوي في العالم كله خلال تلك الفترة.

 ورغم صعوبة تلك التحديات إلا أن الإعلام المصري وبخاصة التليفزيون عرف بوجودها فيه امتدادا طبيعيا لعصر العمالقة الكبار وبخاصة في عالم النساء – رغم انحدار كل شيء في الأمة-

فكان غريبا أن تطل من الشاشة صورة امرأة بحجابها الإسلامي تملك من اللباقة واللياقة والأدب والخلق الرفيع ما يجبر الجميع على احترامها.

علو الهمة وعظمة المهمة  

وما يؤكد في العين والوجدان دوما بأن جمال الصورة يمكن أن يستبدل به أو يضاف إليه في مكونات ومؤهلات المذيعة علو الهمة وعظمة المهمة.

 وأن عطاء العقل ومساحة الوعي وبصيرة الإدراك يمكن أن تضفي على الذات مهابة وجلالا يخسئ كل عين تتلصص، وتخرص كل من كان في قلبه مرض. 

إطلالة الفقيدة بشكلها وهيأتها الإسلامية المتميزة من شاشة ماسبيرو كان تأكيدا وتذكيرا بأن الإنسان – ذكرا كان أو أنثى- قد ورث عن أبويه أدم وحواء خصائص أخرى إنسانية أرفع وأزكي وأطهر وأجل من خصائص الذكورة والأنوثة.

 وأن تلك الخصائص لم تنعدم أو تمت، وإنما ظلت ممتدة في عمق الفطرة الإنسانية حتى بعث الرسول الأعظم ﷺ ليجعل منها منظومة حياة لكل شريف يؤمن بالإستقامة قبل أن يبدأ العمل لأنه لا خير في جهد زاملته الخطايا.

  • الإيمان بهذا المبدأ العظيم جعل من وجود “أميرة الحجاب “كريمان حمزة “في ماسبيرو” علامة على أن الأمة لا تزال حية ومدركة، وأن لها من أبنائها نساء ورجالا من لا يزال على عهده بالترفع والسمو والأدب العالي والثقافة المتفردة كمًا ونوعًا وميدانًا.
  • كما كان وجودها رمزا ودليلا أن من أبناء العروبة والإسلام من لا يزال محتفظا بقيمه الحضارية، ثابتا في خطوه ومدركا بوعيه لما يؤخذ وما يترك، في ظل العولمة والإنفتاح والإنبطاح والسداح المداح.
  • بعض الناس يرتفع كما ترتفع الفقاقيع، وبعضهم يسقط كما يرسب الطين، وقليل منهم من يقف بهامة مرتفعة وجبهة شامخة ليمنح أبناء الجيل الجديد في عالم الكلمة وعلى شاشة التلفاز “صوتا وصورة نموذجا يمكن الاقتداء به.

 وأنه ليس من الضروري أن تكون إمعة تسقط فيما ما تردى إليه إعلام الغواية، أو تردد ما يردده المهازيل، وكأنهم كورال في نوتة موسيقية شاذة.

 وإنما الواجب عليك أنت أن تعكس برأيك ورؤيتك الأصل الأصيل بعيدا عن التطبيل الهايف في فرح أنظمة العولمة العالمية العليلة، ولقد كانت فقيدتنا من هذا الطراز العالي.

اشخاص في حياتنا لهم مكانة ومكانا

  • نشارك أسرتها وكل من عرفوها وأحبوها مرارة الفقد وحزن القلب، ونشعر معكم بغربة الدنيا وغرابة ما يحدث فيها.

 وبرغم أنه يتكرر كل يوم، إلا أن أشخاصا بذواتهم يمثلون مركز الدائرة ورمانة الميزان، لهم في حياتنا مكانة ومكانا لا نتخيل أبدا أن يخلو منهم أو أن يغيبوا عنه .

 ارتبط بعطائهم القلب والعقل والوجدان وملأوا دفاتر حياتنا حبا وتقديرا وعطاءً بغير حدود ، لذلك يكون وقع الفقد – مع الرضا –  كبيرا في حجمه وواسعا في مساحته.

  لكن عزاءنا أن القلب المُعَنَّى بالألم مليء بالرضا أيضا، ومن ثم فهو قادر بحجم الإيمان فيه على امتصاص مصيبة الموت وما يصحبها من صدمات مزلزلة .

 وأحسب أن قلب إبنتها “داليا هانم”، وأخواتها د. جيلان حمزة ، ووجدان حمزة وأسرهم، وصديقنا العزيز الأستاذ يحي بك الخادم ، وأحفادها وبقية الأسرة الكريمة  صابرين  ومحتسبين يملأ قلوبهم الرضى بكل مقدور ومقضي، ويؤمنون أننا وما نملك – من الله، ونحن له، ونحن إليه راجعون.

  • كما أن الموت ليس هو النهاية الحتمية لقصة الإنسان، وما أبشعها من مأساة تدعو إلى القنوط وتقتل في الأحياء منا إرادة الحياة إذا كان الموت هو النهاية وانتهي الأمر.

الموت جسر يربط بين حياتين  

فيقيننا أن بعد الموت حياة، وما قصة الموت إلا جسر يربط بين حياتين نلتقي فيها بمن أحببناهم وأحبونا، وفقدناهم ووحشونا، وكنا من قبل فيهم مشفقين، وإليهم محتاجين، فمن الله علينا وجمعنا بهم في مستقر أعلى وأغلى، وأبقى وأخلد، ووقانا وإياهم عذاب السموم.

  • أخاطب أسرة الفقيدة العظيمة، وكل أصدقائهم وأحبابهم، فأقول: لستم من يحتاج للتذكير بما يقال في مناسبة الرحيل، فذلك محفوظ في ذاكرتكم ومسطور في عقولكم ووجدانكم.

وإذا كان خبر الرحيل يسيطر على الذات “كل الذات” عقلا ووجدانا، فإن المناسبة لإستدعاء الذاكرة لهذا المحفوظ تظل قائمة وبخاصة من صديق بعيد لأسرة الفقيدة في مثل هذه المناسبة.

 ولو في برقية عزاء ونعي بسيط، ليجسد به معنى الرحيل في مصيبة الموت، وليواسي به جراح المصابين بالفقد، حتى ولو كانوا من الراسخين في العلم وأصحاب الأقدام الثابتة في الملمات.

 وبخاصة إذا كانت الراحلة تشكل أصلا ممدود الظلال في العطاء بعمر طويل وكد جميل، ومساحات مملوءة بالكفاح الراقي.

  • استدعاء الذاكرة هنا لما تلقيناه من ربنا وخالقنا جلا وعلا ، وما أرشدنا إليه معلمنا وسيدنا ﷺ وما تعلمناه شرحا من فقيدتنا ، ليس مجرد درس في حلقة وعظ يجتمع فيها الناس، وإنما هو وعد بلقاء مع من أحببناهم وأحبونا، يهون علينا مشقات طريق بدأناه ونرجو من الله السلامة فيه.

 كما يجنبنا أشواك شوق قد يجور بالنفس عن قصد السبيل تحت ثقل الشعور بالحزن والإحساس بالفقد ، غير أن وجود هذا المحفوظ في الذاكرة لا يعني الإستغناء عن التذكير به.

 وبخاصة من أكاديمي مغترب حرمته أطوار الحياة وتقلباتها من رؤية من أحبهم وأحبوه في مثل هذه المناسبة.

  • خالص العزاء لكم سيداتي وسادتي ولكل أسرة الشمس الإعلامية التي غابت ،و{إنا لله وإنا إليه راجعون}.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights