تقاريرسلايدر

مكاسب المقاومة الفلسطينية بعد عيدين

أبوبكر أبوالمجد| دفع الشعب الفلسطيني ثمنًا باهظًا لنقل القضية الفلسطينية من دفاتر الأرشيف الدولي إلى موائد المفاوضات الأممية، ودفاتر اللقاءات الرسمية، ووضع نهاية لهذا الاحتلال البغيض.

 

وبينما يقف البعض في صفوف المثبطين بدعوى الإنسانية، والانزعاج من كم الدماء وعدد الضحايا؛ لكن هناك من يدرك أن ثمنا ما سيدفع وأنت تضع هذا المحتل في حجمه الطبيعي، وتكشف وجهه الحقيقي أمام العالم.

 

التخطيط والتنفيذ

المقاومة في مقدمتها حركة حماس قدمت عرضا استثنائيا يوم السابع من أكتوبر الماضي، في اختيار التوقيت (يوم السبت في ختام الأعياد اليهودية)، وفي ذروة الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى، وبراعة التنفيذ التي بددت الشعور الزائف الذي طالما شعر المحتل معه بالاطمئنان والثقة في أنه لن يدفع ثمن جرائمه.

 

الفشل الاستخباراتي

بطبيعة الحال عملية بحجم ومستوى الأهداف والتنفيذ كعملية السابع من أكتوبر احتاجت لتخطيط شهور، وإجراء تدريبات ومناورات، ورغم ذلك فقد فشلت الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” في توقعها!

كما أن العملية أظهرت قدرة فائقة للمقاومين الفلسطينيين في الاختراق والتسلل نحو مستوطنات غلاف غزة والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، بعد تحييد عدد من القواعد والنقاط العسكرية على الحدود وإخراج بعض منظومات التواصل من الخدمة.

إضافة إلى أن العملية الفلسطينية شملت استخدام البر والبحر والجو بما في ذلك الطائرات الشراعية التي استخدمت بحرفية فائقة في الساعات الأولى للهجوم واستطاعت تضليل الرادارات.

مكاسب إستراتيجية

 

١- كسر هيبة دولة الاحتلال ومؤسساتها العسكرية والأمنية بشكل غير مسبوق وكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر والجندي المدجج بالسلاح المتفوق على الآخرين.

إظهار المحتل وقواته بهذه الصورة المخزية سيكون لها أثرها الكبير على معنويات كل من المقاومة الفلسطينية وجمهورها من جهة وجيش الاحتلال وجبهته الداخلية من جهة ثانية بشكلين متعاكسين بطبيعة الحال.

٢- زرع الرعب في مستوطنات غلاف غزة، وإرسال رسالة لكل مستوطن أنه سيدفع ثمنًا باهظًا لبقائه على الأراضي المحتلة. إن أحد النتائج المتوقعة لمعركة طوفان الأقصى ألا تعود تلك المستوطنات لحالتها السابقة وربما تفكيكها عمليا وإن لم يحصل ذلك على شكل إعلان رسمي وتنفيذ مباشر من الدولة، وهو ما يشبه من زاوية ما تفكيك المستوطنات داخل القطاع بعد الانسحاب منه.

٣- عرضت المقاومة الفلسطينية مرارا عقد صفقة تبادل أسرى مع الاحتلال عبر وسطاء دون أن تجد تجاوبا. الآن، وفي يد المقاومة الفلسطينية عشرات الأسرى بات من الممكن تحرير مئات الأسرى من سجون الاحتلال.

مكاسب أخرى

التغير الكبير في مواقف الغرب تجاه القضية الفلسطينية

 

مع ارتفاع الأصوات الرافضة لجرائم الاحتلال، والمظاهرات الكثيرة التي غزت كل شوارع أوروبا، وزيادة الوعى في العالم حول القضية، واستخدام البعض حقوقهم في الضغط على ممثليهم لوقف الحرب والجرائم بحق سكان غزة، بدأت بعض الأنظمة الأوربية والغربية تراجعها عن الدعم المطلق لإسرائيل مع تزايد ضغط شعوبهم.

الموقف الأمريكي

 

التغير في الموقف الغربى في العموم، يتضح بشكل أكبر في الموقف الأمريكي، الذى كان رافض منذ البداية لوقف إطلاق النيران، بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلا أنه مؤخرا يعمل بكل قوة لمدة الهدنة الإنسانية في غزة، لضمان إدخال المساعدات وتحرير العدد الأكبر من الأسرى.

وتغيرت نبرة الرئيس الأمريكي جوبايدن في الحديث عن حق الوجود، فيما يتعلق بدولة فلسطين، وكتب في تغريدة عبر إكس :” “حل الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان الأمن على المدى الطويل للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، ولضمان تمتع الإسرائيليين والفلسطينيين بقدر متساو من الحرية والكرامة، لن نتوانى عن العمل لتحقيق هذا الهدف”.

الموقف الأوروبي

 

تثير القضية الفلسطينية فى الآونة الأخيرة جدلًا واسعًا وانقسامًا فى الدول الأوروبية، خاصة بعد اعتراف كلا من إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية.

وفى يناير الماضى، طرح رئيس الدبلوماسية المجتمعية الإسبانى جوزيبى بوريل، خارطة طريق من 12 نقطة لإحلال السلام فى هذا الصراع الذى يحظى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كمحور مركزى له، كما أنه فيما يتعلق بالسيناريو الفلسطينى، أبدت الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى تباينا فى المواقف.

 

أما الحالة الأصعب فهى حالة ألمانيا بسبب علاقتها الخاصة مع إسرائيل، الأمر الذى يجعل الاعتراف بفلسطين أمرًا غير وارد تقريبًا.

وظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في موقف المتهم، خلال زيارته لمصر نهاية أكتوبر الماضى، وفى مؤتمر في الرئيس عبد الفتاح السيسى، قال ماكرون مدافعا عن بلاده، إن بلاده لا تمارس معايير مزدوجة في مسائل القانون الدولي، وعلى الرغم من أن حديث خطاب ماكرون من البداية تضمن الحديث عن حل الدولتين وحماية المدنيين، إلا أن حرص حرصا شديدا على عدم إدانة الكيان الصهيوني، وظل بشكل مستمر يدافع عن حقها في الدفاع عن نفسها بشكل اعمى، وإن كان الثمن أرواح الألاف من المدنيين الأبرياء.

إلا أن حدث تغير في الموقف الفرنسي، وظهر هذا جليا، في إدانة ماكرون لقصف المستشفى المعمدانى والذى أوقع مئات من الشهداء، وقال :” “لا شيء يمكنه أن يبرر قصف مستشفى أو استهداف المدنيين”.

وقال في تغريدة على موقع إكس: “فرنسا تدين بقوة الهجوم الذي استهدف مستشفى المعمداني في غزة والذي تسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين في غزة”، مشدداً على ضرورة “تسليط الضوء” على هذا الهجوم.

البروباجندا” المضادة لتشويه المقاومة

 

“اكذب حتى يُصدقك الآخرون” مقولة تنسب لوزير الإعلام النازى جوزيف جوبلز، ويبد أنه الشعار الذى رفعه الإعلام الغربى الفترة الماضية، يمتلك الاحتلال الصهيوني، آلة إعلامية ضخمة، قادرة على قلب الحقائق وتزييفها، وكانت دائما ما تظهر حماس والفلسطينيين دائما بمظهر القتلة، فيما دائما تكون النبرة عن إسرائيل، وكأنها الضحية الوحيدة، وهو الأمر استطاعت حماس بكل ذكاء تجاوزه، وكشفت التغييب الممنهج للوعى العالمى بخصوص القضية الفلسطينية.

قدرتها على التأثير وفضح البروباجندا الغربية، أحد أهم مكاسب عملية طوفان الأقصى، ووصل الأمر لذروته في مشاهد تبادل الأسرى مع بداية الهدنة الإنسانية في القطاع، وهى المشاهد التي أصبحت حديث الجميع على منصات التواصل الاجتماعى على اختلافها، على الرغم من محاولات الإعلام الغربى تزييف الحقائق.

فكل المحاولات باءت بالفشل مع انتشار صور الأسرى، فالصورة أبلغ من ألف كلمة، فمشهد وداع الأسري لسجانيهم، يقول الكثير والكثير عن مدى المعاملة الطيبة التي لاقاها الأسرى الأجانب والإسرائيليين مع حماس، وجعل البعض يقارنون بين المعاملة الإسرائيلية للأسرى الفلسطنيين، وبين حماس، وساهموا في تغيير الصورة النمطية للعرب بشكل عام ومقاتلو القسام بشكل خاص، وأظهر ذكائهم الشديد في إدارة المعركة الإعلامية، وهو ما اتضح في الفيديهات التي يحرص الإعلام العسكرى للقسام على نشرها.

المقاومة الفلسطينية VS جيش الاحتلال

رغم البعد الكبير عن تحقيق انتصار عسكرى حاسم في الحرب على قطاع غزة، من كلا الطرفين، إلا أن حماس استطاعت تحقيق مكاسب لا يستهان بها خلال مشهد عنيف وفوضوى في ظل عنف اسرائيلى متصاعد على القطاع، وعملية أخرى منتظرة بعد انتهاء الهدنة، رغم مساعى لمدها فى غزة.

خسائر مادية استثنائي للمحتل

واستطاعت المقاومة الفلسطينية، إلحاق خسائر كبيرة واستثنائية ضمن صفوف جيش الاحتلال، بكل إمكانياته وأسلحته المتطورة، واستطاعت قذائف “الياسين 105″، والتي تعتبر من أخطر الأسلحة التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية في حربها، ونجحت في تدمير أو تعطيل العديد من دبابات “ميركافا” التي تمتلك أفضل أنظمة الحماية، حيث أنها أول دبابة في العالم تحتوي على نظام متقدم من الذكاء الصناعي يدير مهام الدبابة ويساعد في تحديد الأهداف بدقة عالية.

كما استخدمت أسلحة محلية الصنع، وأظهرت حركة حماس أحدث أسلحتها التي لم تكن أعلنت عنها من قبل وهو “الطوربيد العاصف” والذي وصفه البعض بأنه “جحيم تحت الماء”، وخلال الحرب الدائرة حاليا نشرت كتائب القسام مشاهد حية للحظة لإنزال الطوربيد إلى المياه للتنفيذ وقالت إنه جرى إطلاقه تجاه عدد من الأهداف البحرية للعدو الإسرائيلي.

كل هذا جعل الأسلحة الثقيلة لجيش الاحتلال الإسرائيلي تبدو وكأنها هشة رغم قيمة إمكانياتها الضخمة وتكلفتها المادية الباهظة جدا والتي تصل لمئات الملايين من الدولارت، أمام الأسلحة اليدوية محلية الصنع لكتائب المقاومة، حيث ظهر في أكثر من مشهد استهدافها بكل سهولة ويسر وبأدوات أقل ما يقال عنها أنها “بسيطة وتافهة”.

الورقة الأمريكية

وصلت واشنطن -متأخّرة عمدًا- بسبب بسالة المقاومة ودماء وتضحيات شعبها التي فاقت كل خيال، إلى قناعة بأنّ إسرائيل لن تستطيع سحق المقاومة في وقت قريب ولن تستطيع الحصول على أسير واحد من أسرى المقاومة حيًا، كما تتضاءل فرص الوصول إلى السنوار وباقي قادتها الكبار يومًا بعد الآخر، ورغم أنّ هذه القناعة هي فعليًا خسارة كبيرة لأمريكا وإسرائيل، فإنّ واشنطن عملت على بلورة ميزان قوى محيط بورقتها الأخيرة لإنهاء الحرب، وتحاول من خلالها محو هذه الخسارة المرسومة على وجه المحتل أو جعلها في أضيق الحدود.

 

التطبيع الأقل كلفة

انتصارات المقاومة جعلت الكيان في أوهن صوره التي طالما سوقها عبر عقود لنفسه وبمساعدة صانعيه العربيين، ومواليه العرب، وبات التطبيع مع الكيان ليس خيارا استراتيجيا، ولا هو الخيار الأوحد لوضع الكيان في حجمه واستعادة الحقوق العربية منه.

وفي جميع الأحوال فإنه ورغم صعوبة تسويق التطبيع مع الكيان أو تبريره للشعوب العربية؛ غير أنه حال اضطرارية ذلك فسيكون بأقل كلفة من دون شك عن نظيره قبل عملية السابع من أكتوبر!

واخيرًا وبعد الاحتفال بعيدين في ظل حرب شرسة وخزلان دولي لا يقل شراسة تأتي كل هذه المكاسب لتؤكد أن انفراجة كبيرة آتية، وأنه ليس بعد كل هذه الآلام إلا النصر.

أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى