
انعكس قرار وقف إطلاق النار في غزة، إيجابيا على سوق الأسهم، ليعدل مسارها الخاسر الذي دام خمسة أيام، وبدأ في اتجاه تصاعدي استمر طيلة جلسات التداول الثلاث التالية. وكانت السندات الحكومية المصرية المتداولة دولياً في ارتفاع في الأيام التي سبقت الاتفاق وسط توقعات بأن يؤدي انتهاء الحرب إلى تحسين تصورات المستثمرين للمخاطر الجيوسياسية التي تواجهها مصر.
على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، عانى الاقتصاد المصري من تداعيات الحرب في غزة. وكانت عائدات قناة السويس الأكثر تضرراً حيث تسببت الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن على السفن في البحر الأحمر في تحويل شركات الشحن للسفن. وفي الربع الأول من عام 2024-2025، انخفضت عائدات عبور قناة السويس بنسبة 61.2 في المائة إلى حوالي 931 مليون دولار مقارنة بـ 2.4 مليار دولار لنفس الفترة من العام السابق. ووفقًا لبيان صحفي صادر عن البنك المركزي المصري حول ميزان المدفوعات، فإن الانخفاض كان بسبب انخفاض بنسبة 68 في المائة في الحمولة الصافية، و51 في المائة في عدد السفن العابرة.
وبحلول منتصف سبتمبر/أيلول 2024، سيكون حجم شحن الحاويات عبر قناة السويس أقل بنسبة تزيد على 70% عن مستويات ما قبل الصراع، وفقاً لتقرير التوقعات الاقتصادية الإقليمية لصندوق النقد الدولي لشهر أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ورغم أن انخفاض عائدات قناة السويس ربما كان الأكثر وضوحا، فإنه لم يكن النتيجة الوحيدة للحرب. فقد تعطل الأداء الاقتصادي الإجمالي، مما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دعوة صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية إلى تخفيف مطالبها بمصر في تنفيذ برنامجها الإصلاحي.
قال علي متولي، المستشار الاقتصادي في شركة آي بي آي إس الاستشارية، لصحيفة الأهرام ويكلي المصرية، إن وقف إطلاق النار في غزة من المتوقع أن يؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد المصري، وخاصة فيما يتعلق بتدفقات العملة الصعبة من قطاعي قناة السويس والسياحة. ومع ذلك، يظل متولي حذرًا بشأن طريق التجارة في البحر الأحمر: “بينما قد يعيد وقف إطلاق النار الثقة تدريجيًا بين شركات الشحن، فمن المتوقع أن يكون تعافي عائدات قناة السويس إلى مستويات ما قبل الصراع عملية تدريجية في السنة المالية 2025-2026، بشرط الاستقرار الإقليمي المستدام والتحسن الأمني الملموس”.
وتتوقع سارة سعادة، الخبيرة الاقتصادية البارزة في شركة سي آي كابيتال، أن نشهد استعادة 50% من إيرادات القناة المفقودة بحلول عام 2025، مع الاستعادة الكاملة بحلول عام 2026، على الرغم من وجود بعض الإمكانات لحدوث ذلك بمعدل أسرع.
ويشير متولي إلى أنه على الرغم من أن قطاع السياحة أظهر قدرة على الصمود طوال الصراع في غزة، فإنه لديه القدرة على تحقيق نتائج أفضل مع وقف إطلاق النار.
وقال متولي إنه على الرغم من المخاطر الجيوسياسية، سجلت مصر 7.1 مليون سائح في النصف الأول من عام 2024، مع نمو متوقع بنسبة 6% خلال عامي 2024 و2025. وفي حين يمثل هذا تباطؤًا عن النمو البالغ 26.9% في عام 2023، فإن مساهمة القطاع في تدفقات العملات الأجنبية تظل قوية، بدعم من التسويق الاستراتيجي وتنويع أسواق المصدر.
وفيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، يتوقع متولي أن يؤدي وقف إطلاق النار إلى تخفيف بعض المخاوف الجيوسياسية، وتقليص تصورات المخاطر وتحسين معنويات المستثمرين، على الرغم من أن مدى أي تأثير إيجابي سيعتمد على التزام الحكومة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتحسين الشفافية وضمان تكافؤ الفرص للشركات الخاصة نظرا لأن القضايا الهيكلية مثل البيروقراطية وهيمنة الجهات المرتبطة بالدولة لا تزال تشكل حواجز.
وأشار إلى أن هناك بعض التقلبات في الاستثمار الأجنبي المباشر، مع تدفقات بقيمة 11 مليار دولار في عام 2022 تليها 9.8 مليار دولار في عام 2023 (انخفاض بنسبة 13 في المائة) وأكثر من 45 مليار دولار في عام 2024، وذلك بفضل صفقة رأس الحكمة إلى حد كبير.
وقال متولي إن “التوترات الجيوسياسية المطولة أثرت أيضًا على جاذبية الأصول المملوكة للدولة، مما ردع المستثمرين عن الالتزام بعمليات شراء كبيرة”. ويعتقد أن وقف إطلاق النار قد يجعل هذه الأصول أكثر جاذبية للمستثمرين من خلال الحد من المخاطر الجيوسياسية، وبالتالي علاوات المخاطر، رغم أنه يضيف أن أي تحسن حقيقي في التقييمات والمعاملات الناجحة سوف يعتمد على قدرة الحكومة على معالجة القضايا البنيوية مثل الشفافية المالية والعقبات البيروقراطية.
وتعطي المرحلة الثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار الأولوية لإعادة إعمار غزة، حيث من المتوقع أن تساهم قطاعات البناء ومواد البناء المحلية بشكل كبير في جهود إعادة الإعمار واسعة النطاق. وبحسب تصريحات مسؤولين، تستعد مصر لاستضافة مؤتمر لإعادة إعمار غزة بحضور المانحين الدوليين.
وأشار سعادة إلى أن إعادة الإعمار يمكن أن تمثل انتعاشا لقطاع البناء في مصر.
وبحسب وليد جمال الدين عضو مجلس إدارة مجلس تصدير مواد البناء، فإن مصر شاركت في مشاريع محدودة للبنية التحتية التنموية في صفقات إعادة إعمار غزة السابقة، ولكن هذه المرة “حجم المشاريع التي يحتاجها القطاع ضخم وسيتكلف ما بين 40 و80 مليار دولار”.
لقد أدت خمسة عشر شهراً من القصف الإسرائيلي إلى تدمير ما بين 72 و80 في المائة من محطات الكهرباء والمياه والمنازل والمدارس والمستشفيات في القطاع.
وقال جمال الدين إن «حجم العمل المخصص لشركات البناء المصرية يعتمد على قرارات المانحين وعلى الاعتبارات السياسية».
وأكد أن الشركات المصرية ستكون في أغلب الأحيان الخيار الأفضل من حيث الجدوى الاقتصادية.
“إن قرب مصر من غزة من شأنه أن يجعل نقل العمال والمعدات عبر معبر رفح أسهل وأقل تكلفة. وهناك الكثير من شركات البناء المحلية التي تتمتع بسجلات ممتازة. والعمالة المصرية رخيصة نسبيا وهناك إمدادات كبيرة من مواد البناء عالية الجودة، وخاصة الأسمنت والصلب والسيراميك. ويتمتع قطاع مواد البناء في مصر بطاقة إنتاجية كبيرة غير مستغلة يمكن توجيهها إلى القطاع”.
“لدينا طاقة غير مستغلة بنسبة 30% في مصانع الصلب، و43% في مصانع الأسمنت، و50% في مصانع السيراميك”.
ورغم أن صادرات مواد البناء وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 10.6 مليار دولار في عام 2024، إلا أن تباطؤ تنفيذ المشروعات الحكومية أدى إلى عمل القطاع بأقل من طاقته، بحسب جمال الدين.
ولكن جهود إعادة الإعمار في غزة سوف تستغرق وقتاً طويلاً، حيث يتعين أولاً إزالة كميات هائلة من الأنقاض. وتقدر الأمم المتحدة أن الحرب خلفت 50 مليون طن من الأنقاض، وهو ما يتطلب 100 شاحنة تعمل بدوام كامل لمدة 15 عاماً لإزالتها.
وتوقع متولي أن تظهر تأثيرات وقف إطلاق النار على الاقتصاد المصري على المدى المتوسط والطويل.
“ورغم أن التحسن الفوري في معنويات المستثمرين والسياحة قد يحدث، فإن الفوائد الاقتصادية الكبيرة، بما في ذلك زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر والخصخصة الناجحة للشركات المملوكة للدولة، من المرجح أن تستغرق عدة أشهر إلى بضع سنوات، وذلك رهنا بالسلام المستدام والإصلاحات السياسية المتسقة”.