بحوث ودراسات

هجوم حزب الله على إسرائيل بين التهويل والتهوين وموقف أهل السنة

بقلم: عبد المنعم منيب

جاء هجوم حزب الله اللبناني على إسرائيل أمس وكان هذا الهجوم منتظرا منذ نحو شهر عندما نجح استهداف الطيران الإسرائيلي لقائد أركان القوى العسكرية لحزب الله واغتياله وهو أحد مؤسسي حزب الله وثاني أهم شخصية قيادية في الحزب بعد الزعيم حسن نصر الله، وكان كل محبي غزة وفلسطين يتمنون أن تخرج جثث وأشلاء بني صهيون من تحت الأنقاض التي تخلفها صواريخ ومسيرات حزب الله بالضبط كما تخرج أشلاء وجثث عشرات الآلاف من أطفال ونساء غزة كل يوم، وكما خرجت جثة فؤاد شكر ورفاقه في الضاحية الجنوبية ببيروت، ولكن جاءت الضربة الشيعية اللبنانية دون مستوى أحلامنا رغم أنها كانت ضربة واسعة ومركزة ومخططة بإتقان.

لقد خرج حسن نصر الله – بعد عصر الأحد- ليشرح تفاصيل ضربة الحزب وعندما شرح الضوابط التي وضعها الحزب للرد على اغتيال فؤاد شكر خيل إلى أنه يسرد الضوابط التي وضعها وفد الاستخبارات الأمريكية الذي زار طهران سرا بعيد اغتيال إسرائيل للقائد إسماعيل هنية من حيث عدم إصابة مدنيين ولا استهداف مدنيين وحصر الرد في أهداف عسكرية محدودة ثم تنبهت واستفقت من تخيلي وأدركت أن حسن نصر الله يوضح القواعد التي بنى عليها حزب الله اللبناني خططه للرد.

زعيم حزب الله حسن نصر الله عادة يتكلم بهدوء ولباقة ويفصل ما يطرحه تفصيلا مطولا كي يقنع مستمعيه بما يطرحه، وهكذا صار الأمر بشأن سرده لخطة الضربة العسكرية التي وجهها حزب الله اللبناني بدءا من فجر الأحد وحتى ظهره، والخطة مقنعة بشأن رد محدود ومؤثر يوجع إسرائيل لو كان نجح ولم تحبطه الدفاعات الجوية المتقدمة المدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا و فرنسا وألمانيا وغيرها، وحتى لو كانت نجحت الضربة فإن نجاحها لم يكن ليؤدي لاندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، إن الهجوم بمسيرات على أي مبني استخبارات فى أي دولة متوسطة لم يكن ليتسبب في أي خسائر كبيرة لأن المبنى عادة يكون مجهزا لتحمل الضربات الجوية المباشرة كما أنه تكون مرافقه غالبا محصنة تحت الأرض لمنع تضررها من أي هجوم.

لكنني كمسلم مراقب للأحداث بمفرده دون امتلاك أجهزة منظمة لتقصي المعلومات بدقة فإنني لن تقنعني طلاوة حديث حسن نصر الله ولا دلائله المنطقية بأن ضربة حزب الله لم تأت تحت السقف الأمريكي الموضوع أصلا لحفظ أمن وسلامة وهيمنة إسرائيل وأمريكا على المنطقة العربية والإسلامية، لن اقتنع بغير هذا الا لو رأيت إيران وحزب الله اللبناني يفعلان بتل أبيب وحيفا وعكا كما فعلوا بسوريا والغوطة وحلب وإدلب…الخ.

إن الأصوات تتعالى ضد إيران ومحورها لأنهم يناوشون إسرائيل والولايات المتحدة مناوشات محسوبة بدقة تمنع الدخول في حرب كبيرة، ويعتبرون هذا برهانا على أن إيران ومحورها عملاء لإسرائيل وأمريكا، فأقول لهم: إذا كانت مناوشة إسرائيل وأمريكا عسكريا هي عمالة لهما فماذا يكون التحالف والتنسيق الأمني والعسكري معهما هل هي عداوة ومقاومة وبطولة؟!؟!؟!.

وهذه الأصوات هي لفريق ممن ينتسبون لأهل السنة ويزعمون الإخلاص للتسنن وأهله ومعاداة التشيع وأهله، هذه دعواهم ومنهم الصادق والمنافق والله أعلم بهم وهو حسبنا و حسيبهم، كما أن نفس هذا الفريق السُني يذمون أردوغان وحزبه بنفس دعاوى ذمهم لإيران ومحورها الشيعي فهو عندهم أيضا لم يفعل شيئاً لفلسطين ولا لغزة وهو أيضا -بحسبهم- عميل للتحالف الصهيوصليبي المهيمن على العالم وأداة له.

ولاشك أن كلا من «تركيا/أردوغان» و«إيران ومحورها الشيعي» يعملان تحت سقف النظام الدولي الراهن الذي صنعته وهيمنت عليه المنظومة الصهيوصليبية منذ اكثر من 300 عاما، وهذا أوضحناه في تحليل سابق هنا منذ أسابيع، فكلاهما يناكف ويشاغب ويناوش النظام الدولي بالقدر المسموح به لكل منهما من المنظومة الصهيوصليبية، وهدف إيران والمحور الشيعي الأسمى هو تحقيق مشروعهم الاستراتيجي إقليميا ودوليا ولن تحرف بوصلة مشروعهم انفعالات عاطفية أو حماسية أو شعبوية، ولا خلاف بيننا على فهم ماهية الاستراتيجية الإيرانية، وقد عاصر جميعنا اغتيال أمريكا لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس فضلا عن الحادث الغامض لمقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي كان المرشح الأول والأمثل لخلافة علي خامنئي المرشد الأعلى للدولة والثورة الإيرانية.

إن قاسم سليماني في مشروع إيران الاستراتيجي الإقليمي والكوني هو أهم من إسماعيل هنية وفؤاد شكر ومع هذا لم تنفذ إيران ومحورها ردا حقيقيا على اغتيال سليماني، ونفس الشيء يقال عن “تركيا/أردوغان” فلهم مشروعهم الاستراتيجي إقليميا ودوليا ولن يضحوا بمشروع مخطط منذ عام 2000 بأهداف تمتد إلى عام 2050 من أجل الأحداث الجارية أو الجري وراء أهداف آنية يمكن أن تعرقل تحقيق هذه الاستراتيجية الكبرى.

وبعد هذا كله يجب علينا ان نوجه حديثنا لجموع أهل السنة ونخبتهم ونصدح بصوت عالى يصم آذان الجميع: هذا مشروع الشيعة الاستراتيجي وهذا هو «مشروع صوفية تركيا الاستراتيجي» وذاك هو «مشروع ديوبندية أفغانستان» (طالبان) الاستراتيجي فأين مشروعكم أنتم الاستراتيجي؟!؟!

هل مشروعكم الاستراتيجي هو توجيه النقد والجرح لشيعة إيران ومحورهم وحزب العدالة والتنمية التركي وطالبان أفغانستان فقط دون أي فعل استراتيجي حقيقي متكامل وشامل منكم؟!

أم أنكم تدعون لأن ينتحر أردوغان على النحو الذي فعلته «منظمة قاعدة الجهاد» وقادتها الذين اغتالتهم المنظومة الصهيوصليبية فلقوا حتفهم في سبيل استراتيجية ثبت فشلها طوال الثلاثين عاما الماضية؟!؟!

 بل إن بعضا من أكبر قادة وصانعي استراتيجية القاعدة أنفسهم لم يكونوا يعلمون ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستنجح أم لا وقتما أقدموا عليها وسنخصص مقالا منفردا نوثق فيه كلامهم بهذا الصدد إن شاء الله.

ليس لدى أهل السنة (من غير الترك والأفغان) سوى استراتيجيتين وكلاهما يشهد بفشلهما كل ذي بصر وهما:

استراتيجية الاخوان المسلمين التي بدأت بعد اغتيال الأستاذ حسن البنا منذ 1949 وحتى اليوم (لأن الأستاذ البنا كان لديه استراتيجية مهمة لكن تم التخلي عنها بعد وفاته).

استراتيجية «منظمة قاعدة الجهاد» التي بدأت منذ 1990 وحتى اليوم.

إن حركة المقاومة الإسلامية حماس لم تحقق نجاحات إلا بعدما تخلت عن استراتيجية تنظيم الإخوان المسلمين-فرع فلسطين، التي سار وفقها منذ تأسيسه عام 1946 وحتى تأسيس حماس عام 1987، ولو ظلت حماس تسير على استراتيجية الفرع الفلسطيني القديم للإخوان المسلمين لرأيناها اليوم متحالفة مع حزب الليكود أو حزب العمل الإسرائيلي مثلما تعاون عبد الرسول سياف وحزبه في أفغانستان مع الولايات المتحدة الأمريكية أثناء غزوها واحتلالها لأفغانستان، وهو المحسوب على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أو كما فعل الفرع العراقي لجماعة الإخوان المسلمين من التعاون مع الولايات المتحدة إثر غزو العراق 2003 واستمرارهم في المشاركة السياسية بالعراق منذئذ.

ومن هنا فإن نُخَبَ أهلِ السنة والجماعة (غير الترك والأفغان) يفتقرون لأي استراتيجية حقيقية قابلة للنجاح تعمل للتحرر من الإمبريالية الصهيوصليبية بينما يجب على أهل السنة شرعا وعقلا وواقعا أن يبذلوا جهدهم وعرقهم ودمائهم وأموالهم لصنع هذه الاستراتيجية وتنفيذها بدلا من الاكتفاء بمطالبة آخرين بالقيام بواجباتهم نيابة عنهم لأن هذه الفريضة لا تصلح فيها الإنابة.

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «إن أمام الدجال سنين خداعة يُكَذَّبُ فيها الصادق ويُصَدَّقُ فيها الكاذب ويُخَوَن فيها الأمين ويُؤتَمَن فيها الخائن ويَتكلمُ فيها ‌الرُويبضة» قيل وما ‌الرُويبضة؟ قال «الفويسق يتكلم في أمر العامة» رواه الامام أحمد في مسنده وقال مقبل بن هادي الوادعي هذا حديث حسن ([1])، وفي إحدى الروايات: “قيل: وما ‌الرويبضة يا رسول الله؟ قال: «السفيه يتكلم في أمر العامة» ([2]).

هوامش

([1]) انظر: الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين ج1 ص 420 حديث رقم 521، كما تكرر في عدة أجزاء أخرى من نفس الكتاب.

([2]) نفس الحديث وهو مروي عن أبي هريرة عند ابن ماجه وأحمد والحاكم وقال صحيح الاسناد انظر نفس المصدر ج12 ص349.

عبد المنعم منيب

كاتب صحفي وباحث في السياسة والدراسات الإسلامية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى