هل كان «مُجمَل اللغة»..أول معجم مرتب ألفبائياً؟
اللُغَوِي أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (329هـ – 941م / 395هـ – 1004م)، إمام في الأدب، ولد بالقرب من قزوين، ولقب بألقاب كثيرة، منها ما يعود إلى البلدان التي أقام فيها، ومنها ما يرجع إلى العلوم التي برع فيها، فلقبوه بالرازي، والقزويني، والهمذاني، والزهراوي، والأستاذ خرذي (وهي قرية في الري)، واللغوي، والنحوي، والمالكي، وكان أبوه لغوياً كذلك وفقيهاً شافعياً.
تتلمذ ابن فارس في صغره على والده، واهتم بطلب العلم، وكان يسافر من مكان إلى آخر في سبيله، فدرس منذ شبابه على الشيخ علي بن إبراهيم القطان بقزوين، وأحمد بن طاهر بن النجم، ورحل لاحقاً إلى بغداد وتتلمذ على العالم الكبير محمد بن عبد الله الدوري. واكتسب من رحلاته علماً غزيراً في اللغة وعلوم القرآن والحديث، ثم انتقل إلى همذان حيث برز كظاهرة علمية وأدبية تجمع إتقان العلماء وظرافة الكتاب والشعراء، وتتلمذ عليه كثيرون، من بينهم بديع الزمان الهمذاني، وأبو القاسم الجرجاني، وأبو الفتح الرازي، وكان ابن فارس يناظر الفقهاء والمتكلمين والنحويين فيغلبهم، فأصبح أحد أشهر علماء اللغة في زمنه وذاع صيته، ف(حُمل)، من همذان إلى الري ليتتلمذ عليه صاحبها مجد الدولة أبو طالب بن بويه الديلمي، والصاحب بن عباد، وأقام في الري حتى توفي.
ألف ابن فارس مؤلفات كثيرة منها: «معجم مقاييس اللغة»، و«أوجز السير لخير البشر»، و«الصاحبي»، و«أفراد كلمات القرآن العزيز»، و«الليل والنهار»، و«حلية الفقهاء»، و«الاتباع والمزاوجة»، و«مأخذ العلم»، و«متخير الألفاظ»، و«مجمل اللغة».
أول معجم رُتّبت مفرداته ترتيباً ألفبائيا
يؤكد الباحثون أن معجم «مُجمل اللغة» هو أول معجم رُتّبت مفرداته ترتيباً ألفبائيا، في الحروف: الأول والثاني والثالث من الكلمة، بعد أن كانت طريقتا الخليل في الترتيب الصوتي، والجوهري في التقفية (أي الترتيب الألفبائي من الحروف الأخيرة للكلمات)، شائعتين في المعاجم حينها، فحقق ابن فارس بذلك ريادة.
ويقول ابن فارس عن معجمه في مقدمته: «إني حقاً شاهدت كتاب العين الذي صنفه الخليل بن أحمد ووعورة ألفاظه، وشدة الوصول إلى استخراج أبوابه، وقصده إلى ما كان يطلع عليه أهل زمانه الذين جُبلوا على المعرفة، ولم تتصعب عليهم وعورة الألفاظ، ورأيت كتاب الجمهرة الذي صنفه أبو بكر بن دريد، وقد وفى بما جمعه الخليل وزاد عليه، لأنه قصد إلى تكثير الألفاظ، وأراد إظهار قدرته، وأن يعلم الناظرون في كتابه أنه قد ظفر بما سقط عن المتقدمين، وإن كان قصبُ السبق مسلمًا لهم، لأن بناء المتأخر على ما قدموه،… وسميته «مجمل اللغة»، لأني أجملت الكلام فيه، إجمالًا، ولم أُكثِّرهُ بالشواهد، والتصاريف، إرادةَ الإيجاز».
ينقسم الكتاب إلى ثمانية وعشرين كتاباً، بعدد حروف الهجاء، وينقسم كل كتاب إلى ثلاثة أبواب رئيسية، أولها: باب الثنائي والمطابق، وثانيها: باب الثلاثي، وثالثها: باب ما زاد على ثلاثة أحرف.
بقي معظم هذا المعجم مخطوطاً رغم أهميته، فلم يُنشر منه غير جزء صغير يبدأ بحرف الهمزة وينتهي بباب الدال واللام، حيث طبع مرتين: الأولى بمطبعة السعادة في مصر عام 1914م، والثانية بالمطبعة نفسها أيضاً عام 1944م، وهما طبعتان غير محققتين، ثم حقق هادي حسن حمودي بعد ذلك جزءاً منه، وهو الذي يبدأ بحرف الهمزة وينتهي بنهاية حرف الحاء، ونال به شهادة الماجستير من كلية الآداب في جامعة بغداد عام 1977م، وقد بقيت رسالته مخطوطة أيضاً كما أنه لم يكمل تحقيقه، ليُحققه كاملاً الباحث العراقي زهير عبد المحسن سلطان سنة 1982م وتطبعه وتنشره مؤسسة الرسالة ببيروت.
مؤلفات
وإذا كان «مُجمل اللغة» هو أول سفر لغوي عظيم يؤلفه ابن فارس، فإن كتابيه «مقاييس اللغة» و«الصاحبي» يعتبران أيضاً من أمهات كتب اللغة العربية، فمعجم «مقاييس اللغة» يهدف إلى إثبات دوران صيغ المادة المختلفة حول معنى أصليّ مشترك، وبيان أن أكثر الكلمات الرباعية والخماسية منحوتة، واشتهر أكثر من «المجمل»، رغم تقارب منهجيهما، أما كتاب «الصاحبي» الذي سماه نسبة إلى صديقه الصاحب بن عباد الذي أهداه إيَّاه وأودعه في خزانته، فيدور حول اللغة العربية ومنشئها.
المصدر: الخليج