“الماء والاستقرار القبلي..”..كتاب تأليف جون ويلكينسون، وترجمة محمد حمد الحارثي

ويأتي عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 480 صفحة من القطع الكبير، ويضم أكثر من مقدمة، للمؤلف والمترجم والتحرير، وعشرة فصول، إضافة إلى خاتمة وملحق للفصل العاشر وآخر للكتاب، مع ببيلوجرافيا للمصادر والمراجع،
مشفوعًا بعدد من الخرائط والصور التي بذل فيها المؤلف جهودًا حقيقية. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة الترجمات التي كرَّس لها المترجم محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي وقته وجهوده، مضطلعًا بتقديم صورة متكاملة لعمان تاريخيًّا في أعين العالم.
ويبدأ الكتاب بـ”تمهيد تحريري” وقَّعه التحرير العام «سي. دي. هاريس (C.D. Harris)، وإف. في. إيمري ( F.V. Emery)، وجاي. إيه. ستيرز (J.A. Steers)، وجاي. غوتمان (J. Gottmann) »، وجاء فيه:
“ﰲ إطار رَبط مراحل الاستقرار المُتَتالية بإمدادات المياه وإدارتها، سَعَى المؤلِّفُ للإضاءة على العلاقات المُتَطوِّرة والمُتَعدِّدة الأوجه بين «المياه والإنسان والأرض» التي سادت ﰲ عُمان قبل الظهور الأخير لاقتصاد النفط،
واستَقَى بياناته من مصادر عديدة بما فيها الأدبيات العربية والغربية المُعاصِرَة حول هذه المسائل، ووثائق قديمة، ودراسات مَسحيّة مُحكَمَة أُجريَت على الأرض. وفي تَعقُّبِه مجددًا لتاريخ عُمان السياسي والاجتماعي والاقتصادي أينما استطاع إلى ذلك سبيلًا، أثبتَ المؤلِّفُ التطوُّرَ الحتميّ للجغرافية البشرية للبلاد”.
وكذلك جاء في كلمة التحرير العام: “ويُقدِّمُ الكتابُ حالةً موَثَّقَة ﰲ جزء من العالَم قلّما شَهِدَ استطلاعًا واستكشافًا [يقصد ﰲ منتصف سبعينيات القرن الماضي] من أجل تحليل أوجه الاتّفاق والاختلاف بين مجتمعٍ يعتمد على الماء وهيكليّتِه الاجتماعية،
ويقترح المؤلِّفُ مَنهَجًا جديدًا ﰲ صَوغ دراسة إمدادات المياه، وأنماط الاستقرار والنّظام أو الهيكليّة القَبَليّة ﰲ بلدان مثل عُمان، ومن شأن فَهم أفضل لهذه الخصائص التقليدية للمجتمع المحلي أن يُساعِد على تَطوِّره السريع الحالي”.
ويقدِّر جون ويلكينسون مؤلف الكتاب الشعب العماني ومواقفه معه في أثناء جمع وتأليف مادة الكتاب في قائمة الشكر التي تصدَّرت الكتاب، قائلًا:
“لكنّني ﰲ نهاية المطاف إنّما أدينُ لشعب عُمان بأسمى معاني الامتنان والفضل، فلولا الطبائع الخاصة لهذه البلاد والصداقات الشخصية، وحُسن الضيافة واللياقة التي أُتحِفتُ بها هناك لَما تسنّى لي أن أُنجِز هذه الدراسة، وإنّني بالتالي أُهدي هذا الكتابَ للشعب العُماني، وأَستَميحُه عُذرًا ﰲ أي نقص أو تقصير”.
وعن بدايات مشروع الكتاب يقول جون ويلكينسون في مقدمته لطبعة دار نشر “جورج أولمز فيرلاغ” حين نشرت الكتاب للمرة الأولى، والتي أثبتها في هذا الكتاب: “وكتابُ «المياه والاستقرار القَبَلي» (Water and Tribal Settlement) هو دراستي الرئيسية الأولى حول عُمان، ويُحلِّلُ الجذورَ العميقة للشعب العُماني ﰲ الأرض التي مَنَحَتهم حِسًّا قويًّا بالهويّة الجغرافية،
وﰲ الوقت الذي بدأتُ فيه العملَ الميداني ﰲ العام 1965م، كان لا يزال تنظيمُ القرية والحياة الرَّعَوية الموصوفة أساسًا لمصادر الرزق الاقتصادية، بينما بقيت القبائلُ عاملًا نشطًا ﰲ العلاقات الاجتماعية، لكنّ ذلك أصبح اليوم، وبنسبة كبيرة من التاريخ،
ومع ذلك يبقى ثمة التصاقٌ شديد بمكان المنشأ وهويّة العشيرة، وخيرُ دليل على ذلك هو الازدحام الذي تشهده فترة نهاية الأسبوع ﰲ العودة من منطقة العاصمة إلى القرى ومَواقع الاستقرار التي لا يزال العُمانيون يعتبرونها مَوطِنًا لهم”.
وتأتي بعد ذلك كلمة كرسي اليونسكو بجامعة نزوى مُعرِّفة بالكتاب وكاتبه، وجاء فيها: “الكتاب الذي بين يدي القارئ يُعد من أوائل الدراسات التي تتناول تطور أنماط الاستيطان التقليدي ﰲ عُمان من خلال محاولة فهم العلاقة المتداخلة بين المياه، والأرض، والإنسان.
ظل الكتاب الذي صدر لأول مرة بلغة أجنبية، بعيدًا عن القارئ العربي الذي لا يجيد إلا اللسان العربي لمدة تقارب الخمسين عامًا، وها هو يرى النور لأول مرة مترجمًا على يد الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي، الذي كرّس جهده وماله لنقل الأبحاث والدراسات والتقارير التي كتبها البريطانيون منذ ظهورهم ﰲ منطقة بحر العرب وبره.
ومع أن هذا الإرث المعرفي البريطاني قد أُنتج ﰲ سياقات تاريخية لها ظروفها وطابعها الخاص، فإن الكتاب ظهر وتم إنتاجه ﰲ لحظة انتقالية كانت فيها عُمان على مشارف تغير شامل مسَّ كافة جوانب الحياة، فقد انتقلت عُمان من اقتصاد الكفاف والإنتاج إلى اقتصاد ريعي يعتمد على النفط، ما أدى إلى تغييرات جذرية ﰲ الهياكل الاجتماعية والاقتصادية التقليدية”.
وفي تعريف المؤلف تتابع كلمة كرسي اليونيسكو: “أما المؤلف، جون ويلكينسون، وهو موظف بريطاني ﰲ شركة النفط، فيُعد امتدادًا لفكر أسلافه مثل ريموند ويلستد ومايلز ولوريمر.
ورغم الطابع الأكاديمي والمنهجي الذي اتسمت به دراسته، فإنها لا تخلو من الرؤى والأفكار التي تتشابه مع تلك التي طرحها الموظفون البريطانيون السابقون ﰲ تفسيرهم لحركة المجتمع العُماني وتطوره الثقافي”.
ثم تأتي كلمة مترجم الكتاب حول موضوعه، والتي يعرف فيها بموضوع الكتاب، إذ يقول محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي: “يعد هذا الكتاب دراسة لتطور العلاقات التقليدية ﰲ عمان بين الأرض والتنظيم الاجتماعي، يبدأ المؤلف بموضوع الجفاف، وباستخدام الأدبيات الواسعة للجماعة الإباضية التي يعود تاريخها إلى 1200 عام لاستكمال عمله الميداني،
ويوضح كيف أثرت تقنيات استغلال المياه ﰲ التنظيم الاجتماعي للبلاد وأيديولوجيتها السياسية، ويصف كيف تطوَّر التنظيم الاستيطاني على مرحلتين:
الأولى ﰲ سنوات ما قبل الإسلام عندما كان الفرس يروون الأرض بالأفلاج أو قنوات المياه الأفقية، والثانية بعد أن أطاح العرب بالفرس، وأنشأوا، تحت تأثير الإباضية، مجتمعًا أكثر ديمقراطية تهيمن عليه البنية القبلية القوية ﰲ القرى، ويقوم بعد ذلك بفحص البنية القبلية بالتفصيل”.
ويتابع المترجم في مقدمته للكتاب: “واختُتِم الكتاب بإلقاء بعض الضوء على الجوانب التي تُؤثِّر ﰲ إعداد دراسات تنموية للمنطقة، وقد حذَّر المؤلف أنه بينما توحي الصورة الإجمالية العامّة بمنطقة تتَحسَّن فيها الأوضاع المادّية لجميع السُّكّان تقريبًا، تغدو فيها أيضًا جميعُ نواحي «نمط التوزيع» غير المتوازنة بازدياد،
وبالتالي فإنّ الإنفاق الباذخ يجري ﰲ دولها مع حَدٍّ أدنى من إمكانيات التنمية، بينما لم تُبذَل استثمارات إلّا قليلًا ﰲ المراكز القديمة المُكتَظّة بالسُّكّان، أمّا توزيعُ الدخل فإنه يوَسِّع الفجوةَ بين الأغنياء والفقراء، ويَستَحدِث هيكليّةً طَبَقيّة جديدة،
ويَتَسبَّب توزيع الفرص الاقتصادية والاجتماعية بنزوح سُكّاني من الريف ونمو طُفَيلي [عشوائي] للمستوطنات الساحلية حول أبوظبي، ودبي، ومَسقَط؛ ويقود توزيعُ السُّكّان إلى اختلال ﰲ التوازن الإقليمي،
ويؤدّي كُلّ ذلك إلى ثَورَة أساسيّة ﰲ الهيكليّة الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والسياسية والجغرافية للمنطقة”.