مقالات

يوسف الدموكي يكتب: ما معنى النزوح؟

أن يكون أمامك تسع دقائق مثلًا، فقط، لتودع بيتك، وشقا عمرك، وذكريات حياتك، والغرف التي تتنقل بينها مغمض العينين، والجدران التي تحفظها وتعرف أماكن نقَر الطلاء فيها، وحمامك الصباحي، وأماكن حاجاتك التي تمد يدك لها دون مجهود كلما أردت، والسفرة، والثلاجة، والمكتب، والسلالم، والبيت.

أن تغادر وفوق ظهرك كل ما استطعت جمعه من همٍّ، ومتاع لا يكفي حاجة إنسان واحد لكنه مخطط لكفاية عشرين فردًا مرة واحدة، ونصفه لدق خيمة أو لافتراش صف في مدرسة أو غرفة في منزل مع عشرين نفرًا آخرين، وبيديك عائلة كاملة تتشتت، وفي عينيك دموع ونار غضب وحمم مكتومة، وألم لا يطاق في رقبتك، كأنك تحمل جبلًا فوقها.

ثم بعدما تصل تعيش فاجعةً شخصيةً في كل شيء، لا يسع أي مجال لحكايتها، لكنك ستفاجأ بعد ذلك كله، بنداء جديد، وحزام ناري آخر، وطائرات كواد كابتر، وأشلاء تتطاير على وجهك، ودماء تصل حد السحب في السماء، كلها تأمرك بالنزوح من جديد، وفي كل مرة تنزح تترك خلفك عددًا من أهلك، ونصف متاعك، وثلاثة أرباع قدرتك على التكيف، وتسقط قطعة جديدة منك، حتى تسير لنزوحٍ جديد من دونك أنت!

يوسف الدموكي

كاتب وروائي مصري، مهتم باللغة والأدب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى