23 مارس 1919م: “جمهورية زفتى”.. القصة كاملة

1- (جمهورية زفتى) اسم الجمهورية التي أعلنتها مدينة زفتى بمحافظة الغربية، عقب استقلالها عن المملكة المصرية المحتلة من بريطانيا، في 23 مارس، أثناء ثورة 1919م، وتم تنصيب يوسف الجندي رئيسًا لها. واستمرت 10 أيام

2- في سنة 1998م، تم بث مسلسل (جمهورية زفتى) على شاشة التليفزيون المصري، وعرف العامة لأول مرة حكاية زفتى المستقلة، وهو تأليف يسري الجندي، وإخراج إسماعيل عبد الحافظ…

الحكاية:

3- في 8 مارس 1919م، تم اعتقال سعد زغلول، وبعض مرافقيه: أحمد باشا الباسل، ومحمد باشا محمود، وإسماعيل صدقي، وسينوت حنا، ومكرم عبيد، وفتح الله بركات، وعاطف بركات، وتم نفيهم إلى جزيرة سيشل،

4- خرج المصريون: مسيحيون ومسلمون في مظاهرات صاخبة لتسجيل غضبهم ضد هذا الإجراء التعسفي، ولأول مرة في تاريخ مصر خرجت السيدات في مظاهرات، وكان ذلك في 16 مارس 1919م.. ولأن خروج سيدات مصر في مظاهرات كانت مفاجأة مدوية في هذا الزمان، لهذا كان لها أثر بالغ الأهمية عند جموع المصريين في ربوع مصر..

5- في بلدة صغيرة على ضفاف النيل تُدعى (زفتى) كانت هناك مجموعة من الشباب الجامعي والفلاحين والتجار تفكر في عمل شيء يساعد في الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، وكان من ضمن أفراد تلك المجموعة: المحاميان: يوسف الجندي، وابن عمه عوض الجندي، وكان معهم الشيخ عمايم، والشيخ الكفراوي، وسويلم، والفخراني، ومحمد أفندى عجينة صاحب مكتبة ومطبعة،

وكانت تلك المجموعة تلتقى في مقهى (مستوكلي) لصاحبه اليوناني، بميدان بورصة القطن، واتفقوا على الانفصال عن المملكة المصرية، وإعلان الاستقلال، وإنشاء جمهورية زفتى.

6- كان المقصود من هذا العمل هو لفت أنظار العالم لمدى التأييد الشعبي لسعد زغلول ورفاقة. وبعد أن تبلورت الفكرة؛ بدأت تلك المجموعة في التحضير لإعلان الاستقلال صباح يوم 18 مارس 1919م، حيث تجاوب معهم جميع أهالى البلدة من فلاحين وأعيان وشباب، حتى مجموعات الخارجين عن القانون انضمت للأهالي، وساندت يوسف الجندي ورفاقه

7- ذهب القائد يوسف الجندي ومعه بعض أهالى البلدة إلى ضابط النقطة في البلدة، الذي انضم لهم، وفتح لهم السلاحليك (مخزن السلاح)وشارك معهم في التخطيط،، ولأول مرة يجتمع رجل الشرطة وزعيم العصابة على هدف واحد: محاربة الإنجليز.

8- في صباح يوم 18 مارس 1919م، تم تكوين المجلس البلدى الحاكم، برئاسة المحامي الشاب: يوسف الجندي، وذهب المحامي عوض الجندي، شقيق يوسف الأكبر، إلى القاهرة، وأبلغ الصحف لنشر الخبر المُزلزِل، ووصل الخبر إلى مدينة لندن، وتحدثت الصحف البريطانية عن استقلال زفتى التي رفعت عَلما جديدا.، ونجح الثوار في السيطرة على عربات القطار التي كانت مشحونة بالقمح لإرسالها إلى السلطات الإنجليزية.. وجمع يوسف أعيان القرية وطلب منهم التبرع ليصبح للدولة خزانة، وبالفعل تمت التبرعات، وكان هدف يوسف من ذلك أن يجد المال الذى يشغل به الأيدي التي تعطلت نتيجة لظروف الثورة، فلا تتحول هذه الأيدي للسرقة والنهب.

9- قام المجلس البلدي للجمهورية الجديدة بتكوين عدة لجان:

– لجنة التموين والإمداد.. وكانت مهمتها حصر المواد التموينية وتوزيعها بالعدل على أهالى البلدة.

– لجنة النظافة.. وكانت من أنشط اللجان، حيث كانت تنظف كل شوارع البلدة، وترشها بالماء، وإنارة الطرقات ليلا.

– لجنة الإعلام.. برئاسة محمد أفندي عجينة، وكانت تقوم بطبع المنشورات السريعة لتوضيح الوضع العام في البلدة، كما قامت اللجنة بإصدار جريدة يومية، وكان اسمها (جمهورية زفتى)

– لجنة الأمن والحماية.. يقودها “حمد أفندي” الضابط الشاب الذي فتح لهم (السلاحليك)، وبمعاونة قاطع الطريق التائب: سبع الليل.. فجمعوا الرجال من الخفر ورجال سبع الليل والأهالي من القادرين على حمل السلاح، وقسموهم إلى مجموعات، كل مجموعة تتولى حماية إحدى مداخل البلدة.

10- في مساء يوم 18 مارس 1919م، علمت القيادة الإنجليزية بما حدث، فكان القرار الفوري بإرسال قوة كبيرة للاستيلاء على البلدة، عن طريق كوبري ميت غمر، ولكن رجال زفتى نجحوا في التصدّي لهم ببسالة، وهزموهم، فتقهقرت القوات الإنجليزية إلى بلدة (ميت غمر).. وعندما علم اللص التائب “سبع الليل” بأن هناك قطار قادم إلى البلدة محمل بمئات الجنود والعتاد العسكري، قام هو ورجاله بقطع قضبان السكة الحديد على مسافة من خارج البلدة.. (تقول بعض الروايات 15 كيلو متر وتقول روايات أخرى أن القضبان قطعت من أمام قرية (سعد باشا) فعجز الإنجليز عن دخول البلدة للمرة الثانية)

 11- ولتهدئة الأوضاع في مصر، قامت إنجلترا بتغيير حاكمها (المعتمد البريطاني) في مصر، وعيّنت الجنرال اللنبي في 21 مارس 1919م،

12- انتقلت الثورة من مدينة زفتى إلى باقي مدن ومحافظات مصر، فقام المصريون بتخريب الطرق، وقطع خطوط السكك الحديدية، وخطوط الاتصالات وأسلاك التلغراف وأعمدتها.

13- في فجر يوم 29 مارس 1919م، فاجأت إنجلترا أهالى زفتى بعشرات المراكب التي تحمل مئات الجنود الإستراليين، وقاموا بمحاصرة زفتى تماما.. واحتلوها

ونجح الأهالي في تسريب رئيس جمهورية زفتى (يوسف الجندي) الذي كانت تبحث عنه القوات البريطانية، وجميع رفاقه، إلى عزبة سعد زغلول في قرية مسجد وصيف، واستقبلتهم صفية زغلول، وقامت بإخفاء يوسف الجندي ورفاقه، في أماكن مختلفة، حتى تم الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه يوم 17 أبريل من عام 1919م.

14- ظل المحامي الثائر يوسف الجندي (1893م – 1941م) مختبئا، حتى عودة سعد زغلول من المنفى والذي قام باختيار يوسف الجندي وزيرا، ولكن الملك فؤاد رفض ذلك، وبعدها تم انتخاب يوسف الجندي عضوا بمجلس الأمة، وتولى منصب نائب زعيم المعارضة،

 توفي في عام 1941م، وعمره 48 سنة، وتم إطلاق اسمه على العديد من الشوارع في القاهرة وزفتى..

نهاية جمهورية زفتى:

– بسبب الغضب الشعبي العام في مصر تجاه الإنجليز، لم تستخدم بريطانيا العنف، ولم ترسل جنود بريطانيين لزفتى، بل أرسلت قوات إسترالية، ولذا قامت القيادة العامة في زفتى بطباعة منشور بالإنجليزية وتوزيعه على الجنود الإستراليين، جاء فيه:

 (أيها الجنود، أنتم مثلنا، وإننا نثور على الإنجليز لا عليكم أنتم. إننا نثور من أجل الخبز والحرية والاستقلال. والإنجليز الذين يستخدمونكم في استعبادنا يجب أن يكونوا خصومكم أيضًا).

وكان لتلك الكلمات مفعول السِحر، ويقال إن الجنود الإستراليين رفضوا اقتحام زفتى، ولم يعتدوا على أحد، واكتفوا بحصارها..

وأرسلت بريطانيا مبعوثا للتفاوض وتسوية الأمور، بشرط أن يُسلّم أهل زفتى 20 رجلا منهم للجلد، حفاظا على هيبة بريطانيا، وبعد مناقشات طويلة، قررت إدارة زفتى تسليم 20 رجلا..

لكنها اختارت الوشاة والخونة وعملاء الإنجليز!! وتم تنفيذ حُكم الجلد

– كان يوسف الجندي سابقا عصره في كل شيء، حتى في اختيار المسميات، وفن الإدارة، واستخدم كلمة: جمهورية، رغم أنها لم تكن منتشرة، ولا يعرفها العامة في ذلك الوقت..

– قصة جمهورية زفتى طويلة جدا، وتحتاج لمجلدات في الحرية والبطولة والرجال العظماء الذين صنعوا تلك الملحمة التاريخية الخالدة..

……….

يسري الخطيب

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights