فوائد لغوية
قال ربنا: ﴿وَاسأَلِ القَريَةَ الَّتي كُنّا فيها وَالعيرَ الَّتي أَقبَلنا فيها وَإِنّا لَصادِقونَ﴾[يوسف: ٨٢]، هذا ما قاله إخوة يوسف الذين اتهموا بالسرقة.
يتخذ النحاة والبلاغيون هذي الآية، وتحديدا قوله: (واسأل القرية) دليلا على اﻻتساع واﻻختصار والتخفيف في الكلام، فيرون أن الآية تقديرها (واسأل أهل القرية ) فحذف المضاف (أهل ) وأقيم المضاف إليه مقامه (القرية)؛ لأنه من المستحيل أن يسأل المباني وما تحويه القرية ومن ثم فهو يسأل الساكن ﻻ المساكن … فالجملة مجاز مرسل بعلاقة المحلية أو المكانية بتعبير البلاغيين…
هذا ما قاله علماؤنا بدءا من سيبويه(ت:180 ) … وﻻ تضعيف لهذا ألبتة، غير أن النظر السياقي ربما يفسر لنا سبب حذف لفظة (أهل) المزعومة؛ لأن لنا أن نسائل: لم لم تذكر لفظة (أهل) هنا فيرتاح النحاة والبلاغيون من إشكالية التقدي؟
ظني أن السياق هو من يجيب؛ فإخوة يوسف لم يستطيعوا الدفاع عن أخيهم الآخر (بنيامين) بعدما بُذلت الحيلة لأخذه منهم … وهذا يعني أنهم أمام أبيهم مفرطون … فأرادوا أن يبرؤوا ساحتهم فقالوا لأبيهم (واسأل القرية ) أي سل الشجر والحجر وأهليها والغرباء والضيوف القادمين والبيوت والمساكن والعير وكل ما تحتويه القرية ومن تحويه … إن سألت كلا فلن تكون إجابتهم إﻻ واحدة (أبناؤك مبرؤون من الخيانة والخديعة هذه المرة)؛ لذا نراهم في تذييل الآية يؤكدون كلامهم بقوة قائلين (وإنا لصادقون) بـ (إن واللام والجملة اﻻسمية ) تبرئة لأنفسهم … وهذا يختلف عن قولهم في المرة الأولى عندما تآمروا على يوسف فقالوا لأبيهم “وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين”.
النتيجة: أن تقدير لفظة (أهل) هنا يحجر واسعا ويفوت بلاغة النظم القرآني.
والعلم عند الله.
د. أحمد درويش