تمکن الشعب الأفغاني المجاهد، بعد عشرين عامًا من احتلال وطنه وأراضيه، أن يحصل على حريته واستقلاله والسيطرة الکاملة على بلاده وذلك ببذل تضحيات هائلة ودماء زكية وأرواح طيبة من شباب الأفغان وشيوخهم وأطفالهم.
مضت سنتين على تحرير أفغانستان أرض الغزاة والفاتحين من دنس الاحتلال الأجنبي الغاشم والاستعمار المتغطرس الذي کان يدعي أنه هو الرب الأعلى وأنه هو يدبّر الأمور ويقضي.
نعم! قبل اثنين وعشرين سنة من الآن وفي عام 2001م وعد بوش الابن العالم بالقضاء على حرکة طالبان وإمارة أفغانستان الإسلامية نهائيًا، وأنه ليس أمام هذه الفئة المظلومة إلا الموت أو السجن،..
فبدأت تلك اللحظات المظلمة من سفك الدماء وتخريب البلد وقتل الأبرياء لمدة عقدين من الزمن.
ولکن انقلب الأمرُ وحقّق الله مقولة تاريخية قالها الزعيم المؤسس لإمارة أفغانستان الإسلامية المجاهد المجدّد الملا محمد عمر مجاهد (رحمه الله)؛ ..
حيث قال: «أمريكا وعدتنا بالهزيمة والله وعدنا بالنصر؛ فسننظر أي الوعدين أصدق، ولا شكّ أنّ وعد الله سيتحقق وننتصر بإذن الله».
وفي نهایة المطاف حقق الله وعده ونصر عباده المخلصين وهزم الأحزاب وحده.
وفي 31 من أغسطس عام 2021م، أي بعد قرابة عشرین سنة من الجهاد والمقاومة ضدّ المحتلّ الأجنبي تمّ طرد العدوّ مهزومًا مخذولا، وحصلت أفغانستان الأبیة وشعبها البطل علی الحریة والاستقلال.
وها نحن الیوم في شهر أغسطس عام 2023 م، بعد سنتین من حکم إمارة أفغانستان الإسلامیة علی الأراضي الأفغانیة نتحدّث عن إنجازات حققتها الإمارة الإسلامیة رغم أنف العدوّ والتحدیات التي خلّفها أمام حکم الإمارة الإسلامیة.
هزيمة العدوّ وتحقق الاستقلال والحرية
إمارة أفغانستان الإسلامية عادت إلی الحکم بعدما هزمت ثالث إمبراطوریات العالم في أفغانستان وهي الحلف الأطلسي (النیتو) بقيادة فرعون العصر؛ الأمريکان.
وهذه الهزیمة تُعد من أکبر الإنجازات التي حققتها إمارة أفغانستان الإسلامية؛ حیث أحيت روح النّصر والقوّة والإيمان بالله سبحانه وتعالی وبنصره لعباده المؤمنين، کما أحيت روح الفرح والظفر في نفوس أبناء الأمة الإسلامية جمعاء..
الذين ربّما یئسوا من أن يروا في حیاتهم وبأم أعینهم هزیمة للعدوّ المتكبر الجبار (الذي لا یری منافسًا له في میدان الحرب والقتال)، ولكن الله حقّق هذا الإنجاز الکبیر علی أیدي أبناء الإمارة الإسلامیة الأبطال.
العفو العام
من ضمن الإنجازات الکبیرة جدًّا خلال السنتین الماضیتین التي حققتها إمارة أفغانستان الإسلامیة أنها أحیت التاریخ النّبوي، في أوّل خطوة خطاها زعیم الإمارة الإسلامیة الشیخ هبة الله آخوندزاده (حفظه الله)؛…
وذلك بإعلان العفو العام عن کل من تعاون مع الاحتلال الأمریکي الغاشم وساند الاستعمار الأجنبي الظالم؛ تأسّياً بما فعله النبي صلی الله علیه وسلم بعد فتح مکة لمَّا قال لأشد أعدائه؛ لا تثریب علیکم الیوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
حتی إنّ أکبر متعاون مع الاحتلال الأمریکي المدعوّ بحامد کرزاي، نتیجة لهذا العفو العام من قبل زعیم الإمارة الإسلامیة، يعيش الیوم في العاصمة الأفغانیة کابول في أمن وأمان ورخاء، هو وعدد هائل من عملاء الاحتلال الکبار.
والأهم من ذلك أن جمیع منسوبي الإمارة الإسلامیة تعهدوا بالالتزام بهذا القرار تجاه كل من كان بجانب القوات الأجنبیة المحتلة.
تشكیل الحكومة والاحتفاظ بالكوادر والمتخصصین
العالم بأکمله، خاصة الغرب وأمريكا، كانوا في بدایة الأمر يظنون أنّ الإمارة الإسلامیة غیر قادرة علی احتواء الحكومة وإدارتها، ولكن أثبتت الإمارة الإسلامیة وقادتها خلال السنتین الماضیتین أنهم جديرون بإدارة الحکومة..
وتصريف أمورها السیاسیة والاقتصادیة، كما كانوا قادرين علی الجهاد والمقاومة خلال عشرين سنة.
نعم! قامت الإمارة الإسلامية في بداية سيطرتها علی أفغانستان، بعد طرد المحتلين وعملائهم من الأراضي الأفغانیة، بتشكيل حكومة تضمّ كافة أبناء شعبها جنوبًا وشمالًا، شرقًا وغربًا،..
والاحتفاظ بالكوادر والمتخصصين في كافة المجالات، وإبقاء الموظفين الإداريين من إدارة كابول السابقة الذين يصل عددهم قرابة 800 ألف موظف حكومي مع صرف رواتبهم الشهریة في وقتها دون أي تأخير.
استقرار الأوضاع الأمنية في كافة أنحاء البلاد:
أفغانستان بعد أربعة عقود من الحروب المستمرّة وعدم الاستقرار فيها، تمكّنت أن تحقق الاستتباب والاستقرار الأمني؛ حيث يمكن لأي مواطن أن يسافر آمناً مطمئناً في أرجاء البلد لیلًا ونهارًا،..
بينما كان هذا الأمر شبه مستحيل لاسيما أيام الاحتلال الأجنبي المظلم. واليوم بفضل الله تعالی ثم بعودة الإمارة الإسلامية يعیش الشعب الأفغاني في أمن وثبات واستقرار. حيث تمكنّت القوات الأمنية في الإمارة الإسلامية في مدة زمنية قصيرة…
أن تخلق أجواء من الأمن والأمان في كافة أنحاء البلاد وذلك بحماية الأراضي والحدود، والقتال ضد تنیظم داعش وما یسمى بمجموعة المقاومة الوطنیة التابعة لأجندات المخابرات الفرنسية الصهيونية وتعزيز الأمن الوطني والقضاء على الجرائم الجنائية.
السياسة الخارجية المعتدلة لـ الإمارة الإسلامية
بعد تشكيل حكومة الإمارة الإسلامية، تم تعيين المولوي أمير خان متقي وزيراً للخارجية بالوكالة، والذي بدوره أعلن أنّ سياسة الإمارة الإسلامية قائمة علی أساس “السياسة الخارجية المعتدلة” مع جميع الأطراف،
وأن التعامل سيكون علی أصل الاحترام المتقابل وعدم التدخّل في شؤون أفغانستان كما أنّه لا تسمح الإمارة الإسلامية لنفسها التدخّل في شؤون الدّول الأخری. وفي إطار هذه الاستراتيجية يمكن توصيف اتّجاه النظام الدبلوماسي للإمارة الإسلامية على النحو التالي:
التعاون مع المجتمع الدولي
أعلن السيد ذبيح الله مجاهد يوم 28 أسد الثلاثاء 1400، في أول مؤتمر صحفي له في کابول: بأن الإمارة الإسلامية تؤكد في السياسة الخارجية على ضرورة التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق خططها التنموية، وتتطلّع إلى التعاون الودي مع جميع دول العالم.
بالإضافة إلى ذلك، أكد أيضاً زعیم الإمارة الإسلامية الشیخ هبة الله آخندزاده في رسالته بمناسبة حلول عيد الفطر لنفس العام على على ضرورة التعاون مع المجتمع الدولي، فقال: “إن لأفغانستان دور مهم في السلام والأمن العالمي، ولهذا السبب التعاون مع المجتمع الدولي أمر حيوي،..
كما أنّ الاعتراف بإمارة أفغانستان الإسلامية مهم أيضا لأنه يوفّر الأساس لمزيد من التعاون بين الإمارة الإسلامية والمجتمع الدولي، وهو ضروري لتعزيز السلم والأمن الدوليين”. وهذا يدلّ على أنّ الإمارة الإسلامية ملتزمة بالتعاون وتعزيز العلاقات مع دول العالم.
التركيز على الدبلوماسية متعددة الأطراف
ومن أجل تحقيق الأهداف والمبادئ المحدّدة في السياسة الخارجية، أعطت الإمارة الإسلامية الأولوية للدبلوماسية متعددة الأطراف للتفاعل مع العالم والمنطقة والجيران. وفي هذا الصدد فإنّ إنجازات الإمارة الإسلامية مقبولة.
وما كان اجتماع قطر، واجتماع أنطاليا، واجتماع أوسلو، واجتماع إسلام آباد، واجتماع سمرقند، وغيرها، إلا أمثلة واضحة على الدبلوماسية متعددة الأطراف التي اهتمّت بها الإمارة الإسلامية. وهي من أبرز إنجازاتها السياسية في هذا المجال.
الدبلوماسية الثنائية
بالإضافة إلى التركيز على الدبلوماسية متعددة الأطراف، فقد تمّ أيضًا أخذ التفاعلات والاجتماعات الثنائية بعين الاعتبار من قبل قادة الإمارة الإسلامية، وتم اعتمادها للتوصل إلى توافق وتفاهم مع مختلف البلدان في المنطقة.
فاجتماع طهران، واجتماع إسلام آباد، واجتماع الصين، والاجتماع مع ممثلي الدول المختلفة في مقر وزارة الخارجية في كابول وغيرها، أمثلة على الجهود المبذولة للتوصل إلى التفاهم من خلال الدبلوماسية الثنائية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإنجازات..
التي تحققت في هذا القطاع مهمة أيضًا، حيث أعلنت وأوضحت الإمارة الإسلامية بأنها تتعامل مع الجميع حتی مع الغرب وأمريكا التي حاربتها لمدة عقدين کاملين، وأنها تفتح أبواب التعامل مع الجميع علی أساس احترام السيادة والتعاون في المجال السياسي والاقتصادي.
خلق بيئة آمنة لفتح السفارات الأجنبية
بعد الأمن والاستقرار في أفغانستان، حاولت الإمارة الإسلامية بناء الثقة من أجل الحفاظ على أمن الممثلين والوكالات السياسية للدول الأجنبیة في أفغانستان.
وبفضل الجهود المتواصلة التي تبذلها وزارة الخارجية، تمّ إعادة فتح 30 سفارة وممثلية سياسية للدول الأجنبية في كابول والأقاليم الأفغانية الأخری.
وتشمل هذه الوكالات: إيران وباكستان والصين وروسيا وتركيا وقطر وقيرغيزستان وأوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان وإيطاليا والإمارات العربية المتّحدة والاتحاد الأوروبي ومصر وسويسرا وألمانيا والنرويج والمملكة العربية السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، أعادت عدد من الدول فتح قنصلياتها في عدة محافظات. وتشمل هذه القنصليات: تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان وإيران وباكستان وتركيا في مزار الشريف،..
وقنصليات باكستان وإيران في ننجرهار، وقنصليات إيران وباكستان وتركمانستان وتركيا في مدینة هرات غربي البلاد.
تقديم الخدمات القنصلية
رغم عدم الاعتراف دولیًا، يعد تقديم الخدمات القنصلية للمواطنين الأفغان إنجازًا آخر لوزارة خارجية إمارة أفغانستان الإسلامية.
وفي هذا الصدد، كان إصدار جوازات السفر وحلّ مشاكل الإقامة والتفاوض مع سلطات الدول المجاورة من أجل منع الترحيل القسري للمواطنين الأفغان محل اهتمام مسؤولي وزارة خارجية الإمارة الإسلامية.
كما تم التركيز على متابعة قضايا السجناء الأفغان في الخارج وإعادتهم إلی أفغانستان والسجناء الأجانب في أفغانستان لدى الممثلين السياسيين والقنصليين لإمارة أفغانستان الإسلامية والسفارات الأجنبية المقيمة في كابول والإدارات ذات الصلة.
إدارة الأمور الاقتصادية وازدهارها:
رغم کافة التحديات الموجودة التي خُلقت من قبل أمريكا والمجتمع الدولي من وضع العقوبات الاقتصادية الظالمة وتجميد الأموال الأفغانية في البنوك الأميرکية؛ فإن إمارة أفغانستان الإسلامية تولي النمو الاقتصادي والازدهار أولوية؛
من خلال تنفيذ مشاريع البنية التحتية المختلفة داخل البلاد. وفي السياق ذاته، افتتح نائب رئیس الوزاراء للشؤون الاقتصادية لإمارة أفغانستان الإسلامية، مطلع العام الجاري 1402هـ، الموافق لـ عام 2023م، أحد عشر مشروعاً وطنياً کبيراً في أنحاء البلاد.
وعلى الصعيد الداخلي؛ تلتزم الإمارة الإسلامية بمحاربة زراعة وتهريب المخدرات وإنتاج الأفيون. بالإضافة إلى ذلك، تم تجمیع قرابة عشرة آلاف مدمن مخدرات وإيداعهم مستشفيات علاج الإدمان.
كما تحاول الإمارة الإسلامية -من خلال علاج المدمنين- خلق مجتمع صحي وخالي من المخدرات التي تسبب بها الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.
وعلی مستوی المنطقة؛ تم افتتاح مركز التجارة الأفغاني-الإيراني بین إمارة أفغانستان الإسلامية وجمهورية إيران الإسلامية
والمعرض الدائم في كابول كخطوة أساسية لتطوير العلاقات التجارية الإيرانية-الأفغانية، والتي بدورها تزيد من العلاقات التجارية بين البلدين. كما أنه بدأ العمل علی إنشاء سكة حدیدیة لربط البلدين؛ في غرب البلاد بين مدينتي هرات الأفغانیة وخواف الإيرانية، وذلك لتسهيل التجارة والنقل.
ومن منظور الاقتصاد الخارجي؛ فإن نهج إمارة أفغانستان الإسلامية هو “السياسة الخارجية المعتدلة ذات التوجه الاقتصادي”. وفي هذا الصدد، حاولت الإمارة الدخول في تفاعل بناء وإيجابي مع كافة دول العالم؛
حتى توفر أفغانستان طريق عبور آمن لربط جنوب آسيا بآسيا الوسطى في المجال الاقتصادي على المستوى الإقليمي. كما أنّ هناك مفاوضات جادة مع دول آسيا الوسطى لربط هذه المنطقة بجنوب آسيا وزيادة العلاقات الاقتصادية في المنطقة عبر أفغانستان.
إضافة إلی ذلك فإن الإمارة الإسلامية عازمة على تحقيق المشاريع الاقتصادية الإقليمية الكبری مثل؛ تابي، تاب، كاسا ألف وغيرها، التي سوف تغير وجه البلاد وتساهم في نمو الاقتصاد في المستقبل.
وأخيراً!
رغم کل العوائق الموجودة علی واقع الأرض الأفغانية من الجفاف المستمر لعدة سنوات، وتغير المناخ الاقليمي، والبطالة وانعدام الأمن الغذائي، وعدم الاعتراف السياسي بحكومة إمارة أفغانستان الإسلامية،..
وخلق التحديات الاقتصادية بوضع العقوبات الاقتصادية علی البنوك الأفغانية وتجميد الأموال الأفغانية من قبل أمریکا، وعدم التعاون والاعتراف من قبل الدول الإسلامية والعربية والمجتمع الدولي؛ ..
فإن الإمارة الإسلامية وقیادتها عازمة علی خدمة شعبها وازدهار اقتصادها وبناء بلادها؛ لأنها متيقّنة بأنّ الله لا یغير ما بقوم حتی یغيروا ما بأنفسهم.
نحن نری مستقبل أفغانستان مزدهرٌ مشرقٌ بإذن الله تعالی وما ذلك علی الله بعزيز.