عبد الرحمن عياش يكتب: الهجوم الإيراني على إسرائيل.. ما القصة؟
حضرت في جامعة ستانفورد دورة تدريبية حول الاستراتيجيات العسكرية، أدارها شخص ذو عقود طويلة من الخبرة، بما في ذلك الخدمة على أعلى المستويات في الجيش والحكومة.
أحد الدروس التي دومًا ما أتذكرها هو عندما سألنا: «لنفترض أن الولايات المتحدة قررت مهاجمة العراق بطائرة شبح جديدة لم تستخدمها من قبل واستطاعت الإفلات من كل الرادارات؟ كان الهجوم ناجحا في تحقيق أهدافه. لكن هل كانت استراتيجية ناجحة؟»
رفع العديد من طلاب الصف أيديهم قائلين «نعم، كانت استراتيجية ناجحة إذ حققت هدفها». لكن الأستاذ قال: «ربما لم تكن كذلك».
لماذا؟
«لأن خصمك يعرف الآن قدراتك، وهي مسألة وقت قبل أن يجد طرقًا للتغلب عليها. فإذا كان من الممكن تنفيذ هذا الهجوم بأسلحة تقليدية، فمن الأفضل الاحتفاظ بأسلحتك المميزة حتى تحتاج إليها. استخدامها قد يمثل تراجعًا حتى لو نجح الهجوم.»
تحليلي هو أن حجم الهجوم الإيراني، وتنوع المواقع التي استهدفها، والأسلحة التي استخدمت خلاله، أجبر إسرائيل على الكشف عن غالبية التقنيات المضادة للصواريخ التي تمتلكها هي والولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة.
لم يستخدم الإيرانيون أي أسلحة لم تكن إسرائيل تعلم بالفعل أنها تمتلكها، بل استخدمت الكثير منها فقط. لكن من المرجح أن الإيرانيين أصبح لديهم الآن خريطة كاملة تقريباً لما يبدو عليه نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، فضلاً عن الأماكن التي توجد بها قواعد ومنشآت أمريكية في الأردن والخليج. كما أنها تعرف كم من الوقت يستغرق إعدادهم، وكيف يستجيب المجتمع الإسرائيلي…إلخ.
هذه تكلفة استراتيجية باهظة بالنسبة لإسرائيل، في الوقت الذي تتعرض فيه الأنظمة العربية لضغوط من شعوبها، وخاصة النظام الأردني، لأنها لم تفعل شيئًا لحماية الفلسطينيين في غزة ثم بذلت قصارى جهدها لحماية إسرائيل.
ومن الأهمية بمكان أن تتمكن إيران الآن من إجراء هندسة عكسية لجميع المعلومات الاستخبارية التي تم جمعها من هذا الهجوم لتنفيذ هجوم أكثر فتكًا. بينما سيتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل إعادة تصميم نموذج دفاعي جديد مختلف عن نموذجهما الحالي الذي تم اختراقه. وبالتالي فإن نجاحها في وقف هذا الهجوم المخطط له لا يزال مكلفًا للغاية.
أيضًا، مع التهديد بحرب إقليمية لا ترغب الولايات المتحدة ولا الأنظمة العربية في حصولها، فمن المرجح أن تتزايد ضغوطها على إسرائيل للتراجع، مما يجعل وقف إطلاق النار أكثر جدوى.
إن من يفترض أن هذا الهجوم مجرد عرض مسرحي، يفتقد سياق كيفية تقييم الجيوش للاستراتيجية مقابل التكتيكات. الجانب الاستعراضي قد يكون جانبًا مهمًا، لكن جمع المعلومات الاستخبارية عن موقف «العدو» أكثر أهمية بكثير، خاصة إذا كان الطرفان يعتقدان أنهما في حرب استنزاف طويلة.
نتنياهو وحكومة إسرائيل يفضلان حرباً سريعة وساخنة وعاجلة يمكنهم فيها جر أمريكا إلى الصراع. ويفضل الإيرانيون حرب استنزاف أطول تحرم إسرائيل من قدرات الردع وتجعل من تحالفها مع الأنظمة العربية والولايات المتحدة أمرًا مكلفًا وعبئًا لا يمكن احتماله طويلًا.
في النهاية، إذا كنت شخصًا يكره الحرب، وإذا كنت تريد السلام، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي دعم النضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة والكرامة.
ولن يكون هناك سلام شامل ومستدام ما دام الفلسطينيون يعيشون في ظل نظام فصل عنصري قمعي.