مقالات

نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (8)

بقلم: مضر أبو الهيجاء

10/ الحلف مع إيران واحتمالات امتلاك السلاح النووي

من الصادم أن يتحدث الدكتور الشنقيطي في سياق تجويزه لحلف حركة حماس مع إيران عن احتمال امتلاك إيران للسلاح النووي دون قلق، ومن الصادم أكثر أن يتعامل مع نتائج الأمر بصورة التكهن، الأمر الذي تختل معه المسؤولية الشرعية والأخلاقية تجاه مستقبل شعوب منطقتنا ودولها وتجاه دماء أبنائنا النازفة والمحتملة في مساحة عريضة في كل محيط فلسطين اللصيق والمتوسط والبعيد.

كنت قد كتبت مقالا مقتضبا واستفحته بسؤال هو : هل ستسمح أمريكا لإيران بامتلاك السلاح النووي؟

وفي الوقت الذي أرجح فيه أن امتلاك السلاح النووي الايراني بات قريبا جدا وأنه سيأتي ثمرة لتفاهمات كبرى أمريكية إيرانية تكون فيها شعوب المنطقة ودولها العربية فرق حسابات لا وزن لها، يرى الشنقيطي أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيكون في صالح القضية الفلسطينية!

المذهل في مناقشة تلك النقطة هي منطق المقامرة والمغامرة بمستقبل الأمة والذي لا يعبر عن أدنى قلق وعن المسؤولية الشرعية والأخلاقية تجاه أنهار الدماء المحتملة انطلاقا من وقائع مرعبة عاشتها ولا تزال شعوب المنطقة نتيجة المشروع الإيراني ونفوذه المتصاعد، وهي أحداث وأهوال عاشتها الأمة ولا تزال في العراق واليمن والشام وفي الأحواز وبندر عباس ومناطق كثيرة في إيران التي لم تتوقف فيها اعدامات المسلمين بالجملة.

يقول الدكتور الشنقيطي ما نصه:

ولا أحد يستطيع التنبؤ بسلوك إيران السياسي مستقبلا، أو بعلاقاتها بالمقاومة الفلسطينية، بعد أن تنتج سلاح نوويا رادعا، يغنيها عن طوق النيران الذي تطوِّق به الدولة اليهودية، وتجعل منه ذريعة لاستباحة عدة بلدان عربية. فتحقُّق غايات الداعم قبل تحقق غايات المدعوم كثيرا ما يترتب عليه تغير في العلاقات بينهما في غير مصلحة المدعوم. اه

إن تصور الشنقيطي للمشروع الإيراني لا يمكن التعبير عنه بكلمة كارثي أو أخرق، بل يحتاج إلى جمل متصلة ليحيط بحجم الخلل والجهل المركب فيه، ومنه :

١- اعتباره امتلاك إيران للسلاح النووي في مصلحة القضية الفلسطينية!

٢- تصوره القاصر الذي لم يعتبر ولم يلتفت لمشروع إيران وأهدافه الثقافية وأفعاله السياسية والعسكرية في المنطقة منذ نشأته، حيث يعتبر أن امتلاك إيران للنووي سيعفيها من تطويق اسرائيل بأذرعها الشيعية السياسية وميليشياتها العسكرية التي تتذرع بحصار إسرائيل لتنفذ للمنطقة، غافلا عن أن المشروع الإيراني الثوري لم يخف مطلقا مبدأه في تصدير الثورة للخارج على وجه الخصوص في المحيط العربي والسني والذي وصل للمغرب والجزائر وتونس واندونيسيا وغيرها بعيدا جدا عن فلسطين وشماعة الاحتلال الإسرائيلي.

٣- اعتباره أن إيران تطوق إسرائيل من الخارج، وعدم وعيه بأن إيران تطوق الدول العربية أو بعضها وتضبط ساحاتها وفق معادلاتها ومدها وجزرها لتستفيد من وجود إسرائيل، علاوة على أن النفوذ المتقدم الذي حققته إيران في محيط فلسطين جاء ضمن الرؤية الأمريكية لتمزيق المنطقة وبمثابة مكافأة أمريكية للملالي على تفتيت إيران للعراق وحرقها لسوريا وإفشال ثوراتهما لصالح أمن واستقرار الكيان الإسرائيلي ولصالح بقاء دول وشعوب المنطقة خاضعة للسيادة الأمريكية.

٤- اعترافه في منطوق ومضمون الكلام أن القضية الفلسطينية ورقة رخيصة في المشروع الإيراني، وبالتالي على المقامرين الفلسطينيين أن يبحثوا عن أطراف وأحلاف أخرى عندما تنتهي إيران من استخدامهم النفعي المرحلي!

فأين الحكمة والسوية والعبقرية والرؤية البعيدة في هذا المنطق الذي يستغني عن المحيط العربي الاستراتيجي لصالح فترة استخدام واستمتاع ايراني رخيص، وهل نحن فعلا بتلك الدونية السياسية كمقاومين وسياسيين فلسطينيين؟

لماذا لم يعِ الشنقيطي جوهر وحقيقة وأهداف المشروع الإيراني مستخدما سمعه وبصره وعقله الناظر والمتفحص لأربعة عقود من الفعل الإيراني في المنطقة؟ ولماذا اختزل كل الحكاية بنقطة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟ وهل يتوقع المفكر الدكتور الشنقيطي أنه لو زالت اسرائيل فإن إيران ستنسحب من كل العواصم العربية التي احتلتها وستنهي مشروعها في التوسع السياسي وتتراجع عن سعيها لتشويه واستبدال ثقافة العرب ودين المسلمين؟

ثم كيف يكون من المقبول منهجيا وسياسيا وأخلاقيا المقامرة بمستقبل الأمة والمراهنة غير المسؤولة على دماء الموحدين، علما بأن هذا المنطق المتهافت لم يقل ولم يعمل به أحد في تاريخ المسلمين ولا أحد من العلماء المنتمين!

إن انتقال الإسلاميين الجدد من النسيج والمنهج الفقهي في مجال السياسة الشرعية المبني على قراءة المآلات إلى المنهج الغربي السياسي النفعي غير الأخلاقي وغير المسؤول عن كرامة عموم الإنسان، قد جعل طروحاتهم هشة إلى درجة تهافت التهافت.

يتبع..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى