فوز بزشكيان: علامة ضعف لخامنئي ومؤشر لاشتعال الانتفاضة الشعبية ضد نظام الملالي

يعتبر الكثير من المراقبين إن انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً جديداً لإيران ليس انتصاراً للفصيل الإصلاحي في النظام، بل هو علامة واضحة على الضعف الاستراتيجي لعلي خامنئي ونظام ولاية الفقيه.
فهذه الانتخابات الزائفة، التي تتناقض بشكل واضح مع جهود خامنئي السابقة “لتصفية” نظامه، تظهر المأزق السياسي والأزمة العميقة التي يعيشها نظام ولاية الفقيه في إيران، والذي أضفى الطابع الاستبدادي الخاص به على كل القرارات الحكومية الرئيسية.
فخامنئي، الذي أكد منذ سنوات على ضرورة وجود «حكومة شابة لحزب الله»، وهذا الشعار فُرض على المجتمع الإيراني الساخط مع وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة، كرئيس مطيع ومفضل، وهو الآن مجبر على قبول شخص يبدو أنه من ما يسمى بالفصيل “الإصلاحي””.
يأتي هذا في الوقت الذي يعتبر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يعمل منذ أكثر من 4 عقود من أجل إسقاط هذا النظام الفاشي، أن هذه الانتخابات مهزلة واجهت مقاطعة شعبية واسعة النطاق.
وبحسب التقارير التي وصلت إلى المجلس الوطني للمقاومة الايرانية من داخل إيران، فإن 91% من الناخبين لم يشاركوا في الجولة الثانية من الانتخابات، كما شارك في هذه الانتخابات الصورية حوالي 5.5 مليون شخص (9% من المستحقين) إما بالقوة أو بالاختيار.
ويوضح هذا المستوى المنخفض من المشاركة أن الشعب الإيراني يقول “لا” حازمة للنظام الاستبدادي الحاكم، وبحسب السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإن هذا “لا” قاطعة وحاسمة “للاستبداد الديني وهذه المقاطعة الشعبية هي تصويت لإسقاط نظام الملالي.
ومن البديهي التأكيد هنا علي أنه بالرغم من مظهره الإصلاحي، يتمتع مسعود بزشكيان بتاريخ طويل في خدمة النظام وتنفيذ السياسات القمعية. وقد لعب في الماضي دوراً فاعلاً في قمع الطلاب، وباعترافه الخاص، في جعل الحجاب إلزامياً على النساء، حتى أنه أعلن مؤخراً في مناظرته الانتخابية أنه “ذاب في ولاية الفقيه”! وهذه الجمل التي تعبر عن إيمانه بنظام حكم يقوم على آراء وأوامر «فقيه»، لا تختلف عن معتقدات رئيس خامنئي المطيع والمرغوب، أي إبراهيم رئيسي.
ومن العلامات القوية على اعتماد وإيمان بزشكيان بـ “ولاية الفقيه” دعمه للحرس الثوري باعتباره ذراع القمع الرئيسي في إيران. ومن مواقفه عام 2020، إدانته قرار الولايات المتحدة إدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية.هذا على الرغم من أن الشعب الإيراني في الداخل وشعوب المنطقة على دراية جيدة بالأعمال القمعية التي يمارسها الحرس الثوري، وقد شعروا بقسوة القمع بلحمهم وجلدهم.
ويمتلك الحرس الثوري الإيراني كل النفوذ السياسي والاقتصادي والمالي الذي تتمتع في إيران. وفي السياسة الخارجية والدبلوماسية، فإن العديد من السفراء هم أعضاء رسميون في الحرس الثوري. جميع تدخلات النظام الإيراني في دول المنطقة، أي سوريا ولبنان والعراق واليمن، تتم بتوجيه من الحرس الثوري الإيراني.
وهناك مؤشر آخر على “ذوبان بزشكيان في ولاية الفقيه” وهو رد فعله اتجاه وفاة مهسا أميني والاحتجاجات التي تلت ذلك عام 2022 والتي أدانت الأعمال القمعية لقوة الشرطة وما يسمى بدورية الأخلاق، إذ وقف بشكل تام إلى جانب الأعمال الوحشية للنظام وأعوانه.
وتظهر هذه السجلات والأدلة أن توقع حدوث تغيير جوهري في سياسة إيران الداخلية والخارجية في ظل رئاسته ليس أكثر من سراب.
من الثابت هنا أن بزشكيان، لن يختلف عن أسلافه، بل سيكون في الواقع دمى في يد خامنئي، وقد تم إخراجهم من صناديق الاقتراع لمواصلة لعبة “الإصلاحية والأصولية” وإطالة العمر المشين لنظام ولاية الفقيه.
فيما يظهر استسلام خامنئي لبزشكيان المأزق الذي وصل إليه خامنئي ويستحضر المرحلة الأخيرة من حكم الشاه في عامي 1978 و1979، وهو في الواقع انعكاس للانقسام العميق داخل النظام الإيراني. وهذا يعني أنه سيمهد الطريق لمزيد من مطالب الشعب والانتفاضات الجديدة.
لكن تمهيد الطريق؛ ليس بسبب الإصلاحات ووصول بزشكيان إلى السلطة، بل بسبب فشل النظام المستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب الإيراني الساخط والثائر.
وفي مجال السياسة الخارجية والقضايا الاستراتيجية، بما في ذلك القضية النووية، لا يتوقع حدوث تغيير جدي حيث سيستمر خامنئي والحرس الثوري الإيراني في اتخاذ القرارات الكبرى، ولن يلعب بزشكيان سوى دور السلطة التنفيذية، وكما قال محمد خاتمي وحسن روحاني من قبله، فإن الرئيس لن يلعب سوى دور “منفذ لوجستي” للنظام.
جدير بالذكر أن بزشكيان أبدى خلال الحملة الانتخابية تنسيقه الكامل مع أداء إبراهيم رئيسي وأوامر خامنئي، وأكد أنه لا ينوي تغيير المسار. ولذلك، ستستمر إيران في سياساتها التوسعية الإقليمية، ودعم الميليشيات في الدول المجاورة، ومحاولة الحصول على الأسلحة النووية.
وفيما يتعلق بالملفات الخارجية وخصوصا سوريا والعراق سيواصل الرئيس المنتخب دعم نظام الأسد والميليشيات الشيعية، وفي لبنان سيواصل دعم حزب الله، وفي اليمن سيواصل دعم الحوثيين فضلا عن استمرارالنظام في استخدام القضية الفلسطينية كأداة لتبرير تدخلاته في المنطقة وكعائق في طريق السلام وحل الدولتين.

بينما ترى المقاومة الإيرانية أن هذا الاختيار يظهر ضعف خامنئي ويمكن أن يكون أساساً لتطورات جديدة في البلاد.
لقد أكدت المقاومة الإيرانية وكررت أن الحل الحقيقي الوحيد هو الإطاحة الكاملة بنظام ولاية الفقيه وإقامة جمهورية ديمقراطية على أساس الأصوات الحقيقية للشعب الإيراني، الذي يحترم حقوق الإنسان ويرغب بالعيش بسلام مع جيرانه.
ولاختبار ادعاءات بزشكيان “الإصلاحي”، اقترحت المقاومة الإيرانية 10 إجراءات محددة، منها: إلغاء الحجاب الإلزامي للنساء، إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، إلغاء عقوبة الإعدام والتعذيب، رفع القيود على الإنترنت، تأمين حقوق مختلف شرائح المجتمع، وحل مجلس صيانة الدستور.
ولكن وفقا لسجلات ومناصب بزشكيان، فمن غير المتوقع أن يقوم بمثل هذه الإجراءات الأساسية.
تجدر الإشارة إلى أن قبول خامنئي لبزشكيان لا يحدث تغييراً جوهرياً في طبيعة النظام.
لقد قالت المقاومة الإيرانية دائما إن ” الافعى لا تلد حماما”. ولذلك فإن هذا الاختيار هو أكثر دلالة على محاولة خامنئي الحفاظ على البقاء في الوضع الحرج الحالي.
وتطالب المقاومة الإيرانية المجتمع الدولي بعدم الانخداع بهذا التغيير الظاهري ودعم نضال الشعب والمقاومة الإيرانية لتحقيق الحرية والديمقراطية.
وأظهرت المقاطعة الواسعة النطاق للانتخابات الصورية أن الشعب الإيراني يريد تغييرات جوهرية ويرفض أي إصلاحات سطحية.
وشددت المقاومة الإيرانية كذلك علي ضرورة وقوف الجامعة العربية وخاصة دول المنطقة اليقظة إلى جانب الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية للتخلص من العداء والطائفية في المنطقة ودعم المطالب المشروعة للشعب والمقاومة الإيرانية.